حقق الرئيس الجزائري رغبته بخصوص الاكتفاء بتصويت البرلمان على مقترحاته تعديل الدستور، مبعدا بذلك خيار الاستفتاء الشعبي. جاء ذلك بعد أن أعطى «المجلس الدستوري» موافقته على وثيقة المراجعة الدستورية، بعد أن توصل بها من رئاسة الجمهورية في 11 من الشهر الحالي. وأعطى «المجلس الدستوري» (المؤسسة المكلفة مراقبة مطابقة القوانين مع الدستور)، مساء أول من أمس، رأيه النهائي في وثيقة التعديلات الدستورية في بيان، أهم ما جاء فيه أن مقترحات بوتفليقة «لا تمس البتة المبادئ العامة التي تحكم المجتمع الجزائري، وحقوق الإنسان والمواطن وحرياتهما، ولا يمس بأي كيفية التوازنات الأساسية للسلطات والمؤسسات الدستورية». ويرأس «الدستوري» مراد مدلسي، وزير الخارجية سابقا، الذي يعد من أشد المسؤولين في البلاد ولاء للدولة، وعلى أساس هذه الصفة، لم يستغرب المراقبون موافقته على مبادرة بوتفليقة. وبناء على «فتوى» هذه الهيئة، ينتظر أن يستدعي رئيس الجمهورية غرفتي البرلمان للتصويت على الوثيقة، وسيتم ذلك على الأرجح قبل نهاية الشهر المقبل. ولا يوجد أي شك في أن المسعى سيحظى بتأييد واسع، بحكم هيمنة «حزبي السلطة» على البرلمان، وهما «جبهة التحرير الوطني» التي ينتمي إليها الرئيس، و«التجمع الوطني الديمقراطي»، الذي يقوده وزير الدولة مدير الديوان بالرئاسة أحمد أويحيى، الذي يعد من أشد المدافعين عن التعديل الدستوري. وساق «المجلس الدستوري» سبعة أسباب لدعم موقفه الإيجابي من مبادرة الرئيس، وهي «تعزيز الوحدة الوطنية حول تاريخنا وهويتنا، وقيمنا الروحية والحضارية»، و«دعم الحقوق والحريات والواجبات، وكذا استقلالية العدالة»، و«تعميق مبدأ الفصل بين السلطات»، و«تحسين العلاقات بين السلطات وتكاملها»، و«منح المعارضة البرلمانية الوسائل الدستورية التي تمكنها من أداء دور أكثر فاعلية، بما في ذلك إخطار المجلس الدستوري»، و«بعث المؤسسات المكلفة بالمراقبة، تجسيدا لمعايير الشفافية في التسيير، وضمانها في كل ما يتعلق بكبريات الرهانات الاقتصادية والقانونية والسياسية في الحياة الوطنية»، و«تكريس آلية مستقلة لمراقبة الانتخابات، لدعم الديمقراطية التعددية». وتتضمن وثيقة الرئيس نحو 100 تعديل، تتعلق في معظمها بأداء الحكومة والحكم الرشيد ومكانة المعارضة في البرلمان، واستقلال القضاء عن السلطة التنفيذية. غير أن أبرز ما فيها ترقية الأمازيغية إلى لغة رسمية إلى جانب العربية، والحد من الترشح للرئاسة بفترة واحدة، يمكن تجديدها مرة واحدة فقط. وورد في الوثيقة مادة جديدة تحظر على أي رئيس إلغاء ما يمنع الترشح لأكثر من ولايتين. وقد أزاح بوتفليقة نفسه ما كان يمنعه من الترشح لولاية ثالثة، وذلك في تعديل دستوري عام 2008، وهو ما أثار سخط المعارضة التي اتهمته بـ«التعدي على الدستور»، وبأنه «أطلق رصاصة الرحمة على أهم آلية للتداول على السلطة». وقاطعت المعارضة الاستشارة التي أجرتها الرئاسة حول تعديل الدستور في شهر يونيو (حزيران) 2014، بحجة أنه لا يتيح هوامش حرية أوسع لفائدة المواطنين، وبأن صيغة الدستور الجديد «تعكس التوازنات بين أجنحة النظام، ليس أكثر». كما قالت إن «الأمر يتعلق بحيلة يلجأ إليها النظام لإخفاء عجزه عن حل الأزمة المالية»، الناتجة عن انخفاض أسعار النفط. وعدل بوتفليقة الدستور مرتين عن طريق البرلمان: الأولى في 2002 عندما رفع الأمازيغية إلى درجة لغة وطنية، والثانية في 2008 التي قلص فيها بشكل محسوس صلاحيات رئيس الحكومة الذي غيَر تسميته إلى «وزير أول». ولا يعرف أسباب عزوف الرئيس عن الاستفتاء الشعبي فيما يخص الدستور، بعد أن كان أبدى في 2008 عزما على إجراء تعديل عميق في مرجعية القوانين، وأنه سيطلب رأي الشعب فيه. وجدد هذه الرغبة عام 2011 على خلفية تغيير الأنظمة في دول مجاورة، خاصة تونس وليبيا ومصر أيضًا. ويظهر المسؤولون في البلاد حساسية كبيرة إزاء مطلب «التغيير»، ويعتبرونه مرادفا لـ«الفوضى».
مشاركة :