في شهر يناير 2023 تكون قد مرت عشرون عامًا على اندفاع الولايات المتحدة الأمريكية بكل تهور إلى الحرب مع العراق - وهي واحدة من أكثر الأعمال المشبوهة أهمية في التاريخ الأمريكي الحديث. لقد حاولت أنا وعضو في الكونجرس أن ندفع الحزب الديمقراطي إلى اتخاذ موقف واضح بإعلان معارضته للحرب في العراق غير أننا فشلنا في ذلك. إثر هجمات 11 سبتمبر 2001 بدأ المحافظون الجدد حملتهم لغزو العراق، وقد تضمنت حججهم ما يلي: أن صدام حسين كان على صلة بإرهابيي الحادي عشر من سبتمبر، وأن العراق لديه مخزون من الأسلحة الكيماوية والبيولوجية، وأنه كان يشتري سرا مكونات لصنع قنبلة نووية. وأن الولايات المتحدة قد تعرضت للهجوم لأن أعداءنا رأونا ضعفاء، وأننا في حاجة إلى إظهار قوتنا وتصميمنا ولا بد لنا من نصر حاسم في مكان ما، في أي مكان؛ وأن النصر الكامل في العراق سيكون سريعًا وسهلاً ويتطلب القليل من القوات، ويرحب به الشعب العراقي ويفضي إلى إقامة ديمقراطية مستقرة صديقة. لم يتم الطعن في هذه التلفيقات والادعاءات أو على الأقل، تلك الأمور والمسائل التي كانت تتطلب نقاشًا قويًا. كانت وسائل الإعلام السائدة تردد إلى حد كبير صدى صقور الحرب، وكان معظم السياسيين البارزين يخجلون من توجيه أي انتقادات أو التعبير عن معارضتهم للحرب في العراق. قبل اجتماع اللجنة الوطنية للحزب الديمقراطي في شهر فبراير من سنة 2003، قدمت مع النائب جيسي جاكسون الابن مشروع قرار بهدف إثارة النقاشات حول تلك الحرب الوشيكة. لقد استخدمنا لغة معتدلة ورصينة وطالبنا حزبنا بضرورة حث إدارة بوش «على مواصلة الجهود الدبلوماسية من أجل نزع سلاح العراق، وتحديد الأهداف والتكاليف والنتائج وشروط الالتزام المتوخاة من قبل الشعب الأمريكي والكونجرس بوضوح ومدة أي مشاركة أو عملية عسكرية أمريكية في العراق، مع السعي للحصول على الدعم الكامل من الأمم المتحدة في أي جهد لحل الأزمة الحالية في العراق». أشار استطلاع للرأي أجري في تلك الفترة إلى أن غالبية الأمريكيين وأغلبية ساحقة من الديمقراطيين أيدوا هذه المواقف. وكنا نعلم أنه إذا فشل الديمقراطيون في تحدي الاندفاع المتهور إلى الحرب، فلن نخاطر فقط بفقدان دعم الناخبين، لكننا قد نتهرب أيضا من مسؤوليتنا لتجنب حرب من شأنها أن تكون مدمرة لبلدنا ولمنطقة الشرق الأوسط. في اجتماع المجلس الوطني الديمقراطي، ضغط قادة الحزب الديمقراطي علينا بشدة من أجل سحب القرار، حيث اعتبروا أنه يجب مراعاة مصالح ومواقف مرشحي الرئاسة الديمقراطيين من تلك الحرب. كان هوارد دين هو المرشح البارز الوحيد الذي عارض الحرب بشدة. لذلك فقد زعم قادة الحزب الديمقراطي أن مثل هذا القرار يدعم ترشيح هوارد دين. ومن وجهة نظرهم، فإن معارضة الحرب ستظهر أن الحزب كان ضعيفًا في الدفاع عن الوطن. رفضت يومها سحب القرار وأصررت على ممارسة حقي في عرضه وأن يتم الاستماع إلى موقفي. خاطبت اللجنة وحذرت من أنه من غير المعقول أن نرسل الشباب والشابات إلى الحرب في بلد لم نفهم تاريخه وثقافته وتكوينه الاجتماعي. لقد قلت إن الحسابات الخاطئة للإدارة الأمريكية بشأن العراق تهدد بإشعال فتيل «حرب بلا نهاية»، كما نبهت إلى أن خوض الحرب من دون تفويض من الأمم المتحدة يهدد شرعية الولايات المتحدة الأمريكية ثم ختمت بالإشارة إلى أن طرح الأسئلة الصحيحة والمطالبة بإجابات وكسب الحلفاء لقضيتنا ليس ضعفًا، وإنما ذكاء في الدفاع عن الوطن. بعد العرض الذي قدمته، قرر رئيس الاجتماع أنه لن يكون هناك تصويت، وأن القرار قد لفظ أنفاسه من دون مناقشة. بعد مرور عشرين عاما، لا أشعر بالرضا عندما أقول إننا كنا على حق في معارضة تلك الحرب الكارثية. فقد قتل آلاف الأمريكيين ومئات الآلاف من العراقيين وأزهقت أرواحهم في تلك الحرب، كما تحطمت حياة عدد لا يحصى من الأمريكيين والعراقيين جراء الحرب. وبينما قال المحافظون الجدد للكونجرس إن الحرب ستكلف ملياري دولار على أكثر تقدير، فقد وصلت كلفتها إلى تريليونات ومازال هذا الثمن يتزايد. وبدلاً من إخماد التطرف، فقد تسببت تلك الحرب الكارثية في تغذية التنظيمات المتطرفة التي اتخذت أشكالا أكثر ضراوة وبشاعة من أي وقت مضى. خرجت الولايات المتحدة الأمريكية من تلك الحرب أضعف وأقل احترامًا، في حين تنامت قوة إيران وازدادت جرأتها وسياساتها الخطرة، واتسع نطاق تدخلاتها السافرة في المنطقة. لم يكن تمرير ذلك القرار ليوقف اندفاع إدارة بوش المتهور نحو الحرب في العراق. ومع ذلك، كان يمكن للديمقراطيين أن يتخذوا موقفا معارضا للحرب، مما كان سيزيد من تصميم أعضاء الكونجرس للتحدث بقوة أكبر والتعبير عن معارضتهم للحرب. هذه هي الطريقة التي من المفترض أن تعمل بها الديمقراطية. وعندما لا يحدث ذلك، ندفع جميعًا ثمناً باهظاً. { رئيس المعهد العربي الأمريكي
مشاركة :