لماذا أخفى عمرو موسى تفاصيل المكالمة الأخيرة مع شرف؟ ومتى بدأت كراهية جيهان السادات له؟ وكيف وافق عبد الناصر على خطوبة منى لأشرف مروان؟ إذا لم تخنى الذاكرة فإن كل رجال مكتب الرئيس جمال عبد الناصر قد رحلوا، وبرحيله حصل سامى شرف على لقب آخر الرجال المحترمين، أقرب المقربين للزعيم وأكثرهم إخلاصا. ترك سامى شرف الحياة الهادئة، رفض أن يواصل مسيرة والده الطبيب الكبير الذى تعلم فى إنجلترا. اختار الشاب الجهاد فى سبيل الوطن التحق بالكلية الحربية، وكان أول سكرتير للمعلومات فى الرئاسة، ولا تفى كلمة «المعلومات» بوصف المهام الملقاة على عاتق سامى شرف منذ أن كان سكرتيرا للمعلومات، إلى أن أصبح وزيرا فى مؤسسة الرئاسة. وهو آخر منصب تولاه شرف وبعدها سجنه السادات عشر سنوات فى قضية تصفية الحسابات التى عرفت بمراكز القوى. ظل سامى شرف نحو ٤٠ عاما فى منزله بمصر الجديدة الذى لا يزيد عن منزل أى موظف كبير فى الحكومة، ولكنه لم يكن يوما فى الظل.. ظل حائط سد لكل من يحاول تشويه الحقيقة والكذب على عبد الناصر والثورة. لم يكتف سامى شرف بكتابة مذكراته أو بالأحرى شهادته (سنوات مع عبدالناصر) بأجزائه، وكان يتابع عن كثب كل ما يكتب عن عبد الناصر وسنوات حكمه. أتذكر أول مكالمة بيننا حينما اتصل بى بتواضع نادر، وأشار إلى اختلافه معى فى تحليلى لأحد مواقف عبد الناصر، وحاولت إخفاء السعادة فى صوتى وأكدت له أننى سأنشر على الفور التصحيح، فرد بهدوء: لا أنت كتبت المعلومة صحيحة بس أنا حبيت أضيف لرؤيتك اللى عندى. لمن لا يعرفه فإن سامى شرف يملك ذاكرة جبارة، وعقلية تحليلية وأمانة فى نقل كل ما عاشه وعرفه وخبره. كما أنه صاحب تجربة إنسانية مع كل الكبار فى عصر الكبار فى الفكر والغناء، وهو شخصية جادة جدا لم أضبطه فى اللقاءات النادرة يضحك، وابتسامته لا تتمتع بنفس سخائه وكرمه فى المعلومات والوثائق والكتب. أتذكر اتصاله بى بعد إصدار عمرو موسى الجزء الأول من مذكراته، كان شرف يرد على ما ذكره عمرو من أنه كان يحمل الطعام المستورد للزعيم عبد الناصر فى الخارج، وذلك حينما كان عمرو دبلوماسيا شابا، أتذكر ما قاله لى الأستاذ سامى فخرجت رغما عنى ضحكة عالية من رده الخطير. قلت له: يا أستاذنا أستأذنك أنشر الجزء الأول من الرد، أما الجزء الآخر فعمرو هيرفع على قضية، وأضفت، ولكن أوعد حضرتك أول ما شوف عمرو موسى هانقل له كلام حضرتك، فقال: أنا اتصلت به وقلتله. كان الجزء الذى نشرته على لسان سامى شرف: إن عمرو موسى كان فى ذلك الوقت دبلوماسيًا شابًا يتطلع لزيارة أى من كبار المسئولين وينتظرهم فى المطار. ولم يكن له علاقة بالرئاسة، أما الجزء الثانى فقد سمعه عمرو من شرف شخصيا. وأتحدى الأستاذ عمرو أن يحكى تفاصيل المكالمة بينه وبين سامى شرف، وألا يكتفى بالقول سامى شرف كلمنى ونفى أن عبد الناصر كان بيأخذ أكل مستورد، وإن كان يحتاج لأدوية مستوردة. مرة أخرى سألته عما يتردد من السيدة الراحلة جيهان السادات كانت تكن له كرها خاصًا عن كل رفقاء عبد الناصر الذين هزموا فى الخلاف على السلطة تحت مزاعم (ثورة التصحيح)، وما سمعته منه شخصيا أن الخلاف أو بالأحرى توتر العلاقة بينه وبين جيهان السادات سابق لتولى زوجها السلطة. فقد كانت تليفونات كل كبار المسئولين بالدولة تحت المراقبة، ولفت أحدهم نظر سامى شرف إلى نص مكالمة بين السيدة جيهان والمطرب الشهير الراحل عبد الحليم حافظ، فى ذلك الوقت كان السادات رئيسا لمجلس الأمة، فى المكالمة كانت جيهان تنادى عبد الحليم بـ«ليمو»، تتعامل معه معاملة الأصدقاء، وقد لفت سامى شرف نظرها إلى أن وضعها كزوجة مسئول كبير يتعارض مع طريقة تعاملها من عبد الحليم، وقد تركت هذه الحادثة أثرها فى نفس جيهان وأضيف لها كرها لكل رفاق عبد الناصر الذين حدث بينهم خلاف مع السادات على السلطة انتهى بهزيمتهم وسجنهم لسنوات عديدة. كان سامى شرف رجلا محافظا مثل عبد الناصر ومعظم رفاقه، لم يكن اعتراضه على التبسط مع حليم لأنه فنان، فقد كان سامى شرف يقدر حليم ويحترمه وكان صديقا له، أو بالأحرى مرشده، وسامى شرف من القلة التى تعرف اسم حبيبة عبد الحليم المجهولة، ولكنه كان رجلا محافظا يحترم القواعد والأصول. أتذكر أيضا قصة أو بالأحرى الملابسات الخاصة بزواج ابنة الرئيس عبد الناصر منى من الراحل أشرف مروان، ليس سرا أن سامى شرف لم يكن متحمسا لخطوبة أشرف لمنى.. وأذكر أن الأستاذ سامى شرف ذكر لى أن عبد الناصر كان قد رفض شابًا تقدم لابنته منى، وكانت منى تريد الزواج منه وحزنت لرفض والدها، ولذلك تردد الزعيم عبد الناصر فى رفض خطوبة منى للمرة الثانية ووافق على زواج ابنته من أشرف مروان، وكان الأستاذ سامى حريصا على تذكيرى بأن أشرف مروان لم ينطلق نحو المناصب إلا فى عهد الرئيس السادات وبعد رحيل عبد الناصر. أتوقف عن تذكر بعض القصص عملا بقاعدة للمجالس أسرارها وآدابها. رحم الله الأستاذ سامى شرف لم أعرف رجلا بصلابته وجديته وإخلاصه.. رحم الله الأستاذ سامى شرف الذى كان له من اسمه أكبر نصيب.. رجلا ساميًا ونموذجًا فريدًا للشرف.
مشاركة :