مع بداية كل عام جديد تتجدد الآمال وتنتعش فيه النفوس متطلعة لمرحلة عمرية مختلفة يكون التفاؤل حاضرا كموجه لمشروع وبرنامج جديد، بعيدا عن الإخفاقات وحالات الفشل التي مرت في الأعوام السابقة. منبع كل ذلك هو الأمل الذي يعيشه الفرد في داخله والحياة السعيدة التي يتطلع إليها والأهداف النبيلة التي يأمل في تحقيقها، لكنه عندما يجرد حسابه في آخر العام يجد أنه قد انساق بلا إرادة نحو أعمال وبرامج خارجة عن خططه ومشاريعه، وقد لا تتوافق مع تطلعاته، وكل ذلك بسبب ضغوط الواقع المعاش وإفرازاته. هل يمكن مثلا أن يخطط أحد في بداية العام كي يكره الآخرين أو يحرض ضدهم أو ينتقص من مكانتهم، أو هل يمكن لفرد ما أن يبدأ عامه الجديد ويعتزم على أن يوجه طاقاته ويصرف جهوده في محاربة مخالفيه؟ الذي يجعل الإنسان منصرفا لذلك، قد لا تكون إرادته الذاتية، وإنما البيئة والأجواء المؤثرة حوله والضاغطة عليه والمدافعة له كي يكون أكثر تشددا وتطرفا وحماسا ضد غيره. البيئة التي نعيشها غير متوازنة وقابلة لأن تتفاعل مع أي برامج تحريضية تهدف للزج بكثيرين حتى ذوي الدالات للانجرار في تخوم معارك وهمية وغير حقيقية. لعلنا من أكثر المجتمعات استجابة لردود الأفعال، وقدرة على الزج بكل إمكاناتنا ومقدراتنا وثرواتنا وطاقاتنا خلف تصورات غير دقيقة ودون أي تفكير موضوعي أو مصلحي. نعيش حالات يومية تكرارا لأكذوبة أسلحة الدمار الشامل التي كانت مبررا لتدخل عسكري هز المنطقة كلها ولا يزال سببا لتغذية صراعات متواصلة. ولو يعود المرء لمراجعة عديد من القضايا التي مرت وتمر بها المنطقة لوجدها صورا مصغرة لهذه القصة المفبركة، وأبناء المجتمعات يتحولون هنا إلى أدوات في مثل هذه الصراعات المجنونة والوهمية. لقد حول هذا الاندفاع اللاعقلاني للمعارك الهامشية الثقافية والإعلامية والاجتماعية والشرعية والسياسية والعسكرية إلى سيل من الفوضى غير الخلاقة، وأصبح الفرد يعيش في أزمة مضطربة مع ذاته وضمن دوائر انتمائه المختلفة يسودها التوتر والتشنج والعداوة. ألا يمكننا أن نبقى صادقين مع خططنا وبرامجنا المنبثقة من قناعات وقيم سامية، تتوافق مع البعد عن الدخول في أي معركة وهمية مهما تم تزيينها لنا، والبقاء محايدين للدفاع عن المبادئ والمصالح التي تجمعنا، واستخدام السبل والوسائل الحضارية. لو نأى كل منا عن مكامن الفتن وابتعد عن الانجرار إليها والوقوع فيها والتفاعل معها، وبقي ملتزما بكل ما من شانه أن يحقق السلم والمحبة والعدالة والاستقرار، وصدق مع نفسه في عدم الانسياق خلف أساليب التحريض الرخيصة وبث الكراهية والحقد، لكان ذلك أجدى للوصول لأهداف وغايات نبيلة. في بداية كل عام هكذا نبدأ في التفكير، وينبغي أن يستمر ذلك دوما بلا انقطاع وأن يتحول لبرنامج عمل حياتي متواصل ليكون عامنا المقبل أكثر استقرارا وسلامة وأعمق محبة وأقل حروبا وصراعات، وليكن الفرد منا هو صانع مستقبل مجتمعه، بدلا من أن يتحول لأداة ضمن صراعات وهمية تنتهي بلا رابح.
مشاركة :