البنية الثقافية للمشروعات الفوتوغرافية، شكلت إحدى السمات الأبرز في التعاون النوعي بين جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، ودار مُلهمون للنشر والتوزيع، من خلال إطلاق كتاب «تَنفّس» للكاتبة الإماراتية مريم البلوشي، الذي يحتفي بالمضامين الإنسانية والجمالية لأول 6 دورات رئيسية من عمر التجربة الاحتفائية للجائزة بالفضاءات المرئية من حول العالم، حملت عناوين أبرزها: حب الأرض وجَمَال الضوء وصنع المستقبل والحياة وألوان السعادة والتحدي، نسجت عبرها الكاتبة مريم البلوشي، علاقة سردية ممتدة بين 37 مصوراً من 19 دولة، ولغة الفوتوغرافيا نفسها، وخيال الكاتب وتصوراته، في الرؤية الشعورية والفكرية لعوالم المحتوى البصري، تضمنت 40 مقالة، ضمن 4 محاور هي: مع الله، مع ذاتك، مع الأسرة، ومع الحياة، وبذلك اهتدت جمهور الحدث في مكتبة محمد بن راشد، حواراً مفتوحاً لمآلات الصورة الفوتوغرافية في مشهدية المعنى لحياتنا اليومية، وحققت ما يمكن أن نسميه شكل المجتمع الثقافية حول الفعل الإبداعي. ذاكرة خاصة الصورة بمجرد أن يُكتب عنها، فهي بشكل ما، تولد من جديد، وتصنع لنفسها ذاكرة خاصة ومتفردة، فلا تعود هي قصة المصور وحالته الاحترافية، ولا هي تجربة الكاتب الصرفة، بل هي مزيج من سلسلة حيوات متصلة، يدفع بالفوتوغرافيا نحو مقدرة بديعة على تطوير الوعي المجتمعي، من خلال «فن قراءة الصورة الفوتوغرافية»، إلى جانب آليات تصميمها وإنتاجها في منظومة دور النشر العربية، وبهذه المناسبة، أوضح علي خليفة بن ثالث، الأمين العام لجائزة حمدان بن محمد بن راشد الدولية للتصوير، أن كتاب «تَنَفّس» يعتبر منتجاً معرفياً حديثاً، تفتقر إليه المكتبة العربية عموماً، على مستوى كم الإنتاج الورقي والرقمي، مبيناً أن المخرجات الثقافية والأدبية للكتاب إضافة استثنائية للقارئ العربي، ومرجعية للباحثين والمهتمين في مجتمع المصورين الدوليين، وسط التحولات الكبيرة التي يشهدها عالم التصوير الفوتوغرافي في الوقت الراهن، ما أدت الحاجة إلى إتاحة فرص أكبر لتفكر والتأمل الفوتوغرافي، عبر السرديات المكتوبة والأدبية بكافة مساراتها الإبداعية. حقوق الملكية أبرز نقطة جوهرية حققها الكتاب، في مسيرة جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، هي مسألة اعتماد حقوق الملكية الفكرية للصور الفوتوغرافية، تأكيد أشار إليه علي خليفة بن ثالث، ولفت إليه محمد الضو، رئيس قسم الأبحاث واستشراف المستقبل في جائزة حمدان بن محمد بن راشد آل مكتوم الدولية للتصوير الضوئي، كون المشهدية الفوتوغرافية العربية تعاني من استخدام الصور دونما مراعاة لحقوق المصور، كما هي حقوق المؤلف، وتابع قائلاً: «الكاتبة مريم البلوشي، استطاعت بتواصلها مع المصورين، وتشكيل بنية واضحة لعقود استخدام الصورة في الكتاب، من إنجاز مرحلة صعبة ومهمة في مسيرة إنجاز «تَنَفّس»، مقدمةً نموذجاً تفاعلياً لأهمية تقدير الفعل الإبداعي بكل أشكاله وأنواعه». الإحساس بالصورة أخبار ذات صلة ناجون من الزلزال يعانون من البرد الشديد في غازي عنتاب زيلينسكي للاتحاد الأوروبي: «نحن ندافع عنكم» سردت الكاتبة مريم البلوشي، رحلة الـ 6 سنوات التي قضتها لإنجاز المشروع، موضحة أنها كانت مهمة لفريق العمل، فالكل كان جزء حيّوي من صناعة كتاب «تَنَفّس»، وتؤمن أنه بهذا النضج المتكامل لطبيعة اختيار الصور الفوتوغرافية، ومن ثم الكتابة عنها، مروراً بالتدقيق والمراجعة والترجمة، وصولاً إلى التصميم والطباعة، جميعها أسست لمرحلة جديدة نحو سلسلة كتب في مجال «فن قراءة الصور الفوتوغرافية»، وقالت حول الكتابة وعلاقتها بالفوتوغرافيا: «عندما اخترت الصور لم أكن أعرف صاحب الصورة، ولم أنظر أين المكان والوقت الذي تم فيه أخذ الفوتوغرافيا، كنت مغمورة بفكرة الشعور بالصورة، كأن الصورة تختارني وأختارها بشكل ما، تأتي بعدها لحظة التجرد من المحيط، والانغماس في كيان المتأمل في محتوى الفوتوغرافيا، وأكاد أجزم أن ما توصلت إليه في كل صورة من مرويات، مختلف تماماً عما يود المصور ربما قوله أو الإشارة إليه، وهنا تكمن قوة الصورة علينا، في أنها تدفع بدواخلنا نحو البوح والاستطراد والاتصال، إنها رحلة في محيطنا الإنساني الواسع». سوق جديد يرى محمد قنديل، المؤسس والمدير التنفيذي لدار «ملهمون للنشر والتوزيع»، أن الكتاب يفتح سوقا جديدة في عوالم النشر العربي، إلا أنه يواجه معضلة التكلفة العالية، كون المضمون يرتكز على الصورة الفوتوغرافية، إضافة إلى فن التصميم، الذي يعتبر محوراً رئيسياً يوازي حضور الكلمة والصورة، مضيفاً أنهم يعتمدون في قبولهم لأي كتاب على تقييم حالة السوق، ومدى إقبال القارئ على هذه النوعية من الكتب، وبالتالي يتم الاشتغال على المنجز الورقي وفقاً للحسبة الإنتاجية والمعرفية، مع الاهتمام الأساسي بالقدرة الشرائية في المجتمعات المحلية والعربية. فن الإقناع الحديث عن تصميم الكتاب مع المصممة نورة التناك، أحدث حالة مغايرة في النقاشات الثقافية حول إنتاج الكتب، وكأنها قدمت أشكال تفاعل المصممين في مسيرة إنتاج الكتب، التي وصفتها نورة بأنها غير هينة، وتحتاج إلى امتلاك فن الإقناع لدى المصمم، مبينةً أنها سعت بشكل رئيسي إلى فهم ما تود الكاتبة مريم البلوشي، من تحقيقه على مستوى العلاقة الكامنة بين القارئ والكتاب، وفي نظرها فإن الأمر يحتاج إلى علاقة إنسانية وتفاهم مستمر، للوصول إلى إدراك لصورة الكلية للكتاب، فنحن نتحدث عن غلاف، نوع الورق، تباين الخط والكلمات وموقعها مع الفوتوغرافيا، كونها تمثل قراءة أخرى إلى جانب القراءة الفعلية من قبل الكاتب والجمهور. مرحلة وعي «علينا أن نعي أن مسألة التجرد لدى الكاتبة مريم البلوشي، ومواجهتها لعالم الصورة، ومحاولة استحضار تجربة شعورية من خلال الكتابة عنها، هي أمر ليس بالبسيط، فكيف تستطيع أن تصل لروح القارئ وقلبه، وتمرر له إشارات ورسائل وملامح تُلهمه في حياته، ويستجب لها ويتفاعل معها، هي مسألة إبداعية دقيقة، وتتطلب جهد وترويّ»، هنا يشير عبدالرحمن الحمادي، الذي عمل على تحرير وتدقيق كتاب «تَنَفّس»، أن التحرير والتدقيق ليست مسألة إملائية فقط، بل أنها مرحلة وعي مختلفة يعيشها الكتاب، خاصة عندما يراها المحرر بعين الثقافة المجتمعية ببعديها العربي والإسلامي، وتأثيرها في التجربة الإنسانية ككل.
مشاركة :