أنا منصف معماري أعمل كموظف فيديو في فرع دمشق لوكالة أنباء ((شينخوا)). استيقظنا في فجر يوم السادس من فبراير، حيث كانت الأبنية تهتز في دمشق، وحالة هلع وخوف كبيرة أصابت السكان. وغادر أغلبية السكان منازلهم إلى الشوارع خوفا من سقوط الأبنية، ومنهم كان أنا مع عائلتي. وبعد دقائق، وصلت أخبار أن الزلزال كان مركزه تركيا، وأن أكثر المحافظات السورية تضرراً هي حلب وحماة واللاذقية. وقمت بتحضير معدات العمل والمغادرة مباشرة إلى المحافظات السورية المتضررة، رغم الخوف على عائلتي والتفكير بهم عند مغادرتي في ظل هذه الظروف. وفي الطريق، عندما توقفت في الحواجز الأمنية، كنت أرى تعابير الصدمة على وجوه رجال الأمن وكأنهم يشعرون بالخوف من فقدان أحد أفراد عائلتهم أو أصدقائهم. وكانت أول محافظة وصلت إليها محافظة حماة. ومنذ دخولنا مدينة حماة، بدأنا نسمع أصوات سيارات الاسعاف، وكنت أرى سيارات الاسعاف تملىء الشوارع. وكان يكفي أن أتبع أحد سيارات الاسعاف للوصول إلى الأبنية المدمرة دون الحاجة إلى السؤال عن مواقع العمل في الأيام الطبيعية. وجدت أول مبنى وصلت إليه، وهو مبنى مكون من 7 طوابق، ركاما. وكانت المعدات الثقيلة تحاول إزالة الاحجار الكبيرة، ويقف عناصر الإنقاذ والأمن والجيش فوق الركام، منهم من يعمل بالأدوات ومنهم من يستخدم يديه، كما يقف الكثير من المدنيين حول المبنى المدمر، وكانت وجوههم شاحبة والخوف في القلوب. لقد قمت بتوجيه الأسئلة لبعضهم اذا كان منزلك في هذه البناية؟ أجاب الجميع بـ "لا"، إلا أن بعضهم لديه أقارب، والبعض الآخر لديه أصدقاء، بينما كان هناك آخرون مصدومين من بشاعة الوضع. رغم تواجدي في المنطقة لمدة 3 ساعات، لم أرى أحدا خارج على قيد الحياه، بل كانت جثث لأولئك الذين فقدوا حياتهم خلال الزلازل المُميتة. وقال مسؤول في المنطقة إن عدد سكان المبنى يتراوح بين 100 إلى 125 شخصا، إلا أنه لم يتم انتشال سوى 45 جثة، مشيرا إلى أن عملية البحث ما زالت مستمرة. بعد ذلك، توجهت إلى محافظة حلب المحافظة السورية التي عانت خلال سنوات الحرب السورية، وتعرض أهلها إلى أصعب أنواع الحزن والخوف. وعند دخولي إلى المدينة، وجدت أن الوضع أكثر كارثية، حيث تجمع السكان المحليون في الساحات العامة البعيدة عن المبانى، لتختبأ العائلات في السيارات، وأحيانا يكون هناك أكثر من عائلة في سيارة واحدة، هربا من المنازل وقت وقوع الزلزال. وكان يرفض الجميع الظهور على الكاميرا. وعند السؤال بشكل شخصي كان يجيب الجميع بأنهم ينتظرون ساعات في السيارات وليس لديهم علم عما يجب القيام به، فضلا عن أنه ليس لديهم أي خطط، حيث كانت حالة أولئك الذين ينتظرون في السيارات أفضل بكثير من أولئك الذين لا يمتلكون سيارات ويقفون في العراء خلال الطقس البارد والأمطار الغزيرة ودرجة الحرارة التي تقترب من 5 درجات مئوية. كما كان المشهد مليئا بالحزن والآسى، والوضع في حلب كان قاسيا وأكثر خطورة، فلم تكن المبانى متصدعة من الزلازل المُدمرة فحسب، بل أيضا من الحرب التي شهدتها المدينة لعدة سنوات. لذلك، عملت فرق الإنقاذ وهي تنظر إلى المباني المُجاورة، خوفا من سقوطها. ولم يكن هناك نقصا كبيرا في سيارات الاسعاف والمعدات الثقيلة في كثير من المواقع فحسب، بل أيضا كان هناك نقصا في رجال الانقاذ الذي لديهم خبرة في التعامل مع الزلازل. وكل الأشخاص الذين قابلتهم لديهم إخوة أو أقارب في هذه المباني، ومنهم من حاول التواصل معهم عن طريق الهاتف المحمول، ولكن لم يتلق أي استجابة، بينما ذهب بعض منهم إلى المستشفيات مباشرة فور إعلامهم بتدمر منازل أقاربهم، ليتلقون الصدمة الكبرى ويفقدون الآمل بعد إبلاغهم بوفاة أقاربهم. إن حلب مدينة منكومة، لن نرى البسمة المرافقة للحزن على أوجه المنقذين والسكان المحليين في موقع المباني المدمرة، إلا إذا سمعنا عن إنقاذ بعض الأشخاص من تحت الأنقاض. وخوفا من الهزات الارتدادية، غادر السكان المحليون منازلهم، بعضهم ما زال في الشوارع، والبعض الآخر ذهب إلى مراكز الإيواء التي فتحتها الدولة في الجوامع والكنائس والمدارس والجامعات، حيث كانت وجوههم ملئية بالحزن والتعب دون نوم ولا دفء ولا طعام. كل الهاربين من المباني المتصدعة يتساءلون "ماذا فعل السوريون حتى يكونوا في هذه الحالة المأساوية؟" فالبعض يتساءل أين الانسانية ونحن في العراء وفي حاجة إلى المساعدة وأطفالنا جياع ويشعرون بالبرد، بينما يقول البعض الآخر لمن يدعى الإنسانية في الولايات المتحدة والدول الغربية "أين الإنسانية"، مشيرين إلى أنه لولا أن هذا البلاد دُمر على أيديهم، لن نكون في حاجة للمساعدة الآن. وقالوا إن الولايات المتحدة تسرق نفطنا وخبزنا، وتدعي أنها تحمينا من الإرهاب، مضيفين أن الإرهاب هو سرقة أرض غيرك وثرواته. وفي الوقت نفسه، يُردد معظم أهل حلب هذه العبارة "عشر سنوات من الحرب لم نشرد والآن زلزال جعلنا نتشرد." وهناك نقص كبير في سيارات الاسعاف والمنظومة الطبية، ونقص في المعدات الثقيلة، ونقص في الوقود، وخاصة وقود التدفئة حتى الآن، ماذا سيحدث للذين دمرت الزلازل منازهم؟ كيف يمكنهم إعادة بنائها في ظل الأزمة السورية التي تعاني منها سوريا، والتي يتمثل سببها الرئيسي في العقوبات الأمريكية التي تقتل بها السوريين.
مشاركة :