عبر الكثيرون عن شكوكهم في أن المساعدات العربية لمتضرري الزلزال الذي ضرب سوريا مؤخرا ستذهب إلى الجهة التي خُصصت لها بسبب شعورهم بأن النظام لن يكون نزيها وعادلا في توزيع تلك المساعدات وإغاثة الناس مما ألم بهم من مآس. على الأقل على مستوى الغذاء والدواء والثياب. ذلك الشك له ما يبرره، ولكن هل يعني ذلك أن تمتنع الدول العربية بالأخص عن مد العون لشعب عربي، طالما أوى لسنوات ملايين العرب المشردين بكرم لا مثيل له؟ ولأن سوريا بلد فاقد السيادة وحكومتها لا تملك السيطرة على الجزء الأكبر منها بسبب الاحتلالات الأجنبية فإن الحديث عن دور الحكومة السورية في ذلك المجال يبدو من غير معنى ولا قيمة. سوريا بلد مخترق، مُحيت سيطرته المركزية على حدوده منذ أكثر من عشر سنوات. عشرات الألوف من المقاتلين الجنود دخلت إليه وغادرته من غير تأشيرة دخول أو خروج. الملايين من مواطنيه غادروا من غير أن يحملوا جوازات سفر. فُككت مصانعه وانتقلت إلى دول مجاورة أو بُيعت ولم تكن حكومته على علم بذلك. تخترق سماءه الطائرات من غير أن تحصل على إذن مسبق منه. عبث به أبناؤه مثلما فعل الغرباء ولم يسأل أحد أحدا عن هويته. مشى المعارضون وراء الارهابيين واعتبروهم أبناء الثورة فيما كانوا يفكرون في إسقاط حكومة الأسد. في ظل كل تلك المعطيات أيمكن التفكير في حكومة، تكون قادرة على رعاية ما تبقى من مواطنيها في المناطق التي تعرضت للزلزال؟ تلك حكومة فقيرة فقدت السيطرة على سعر صرف ليرتها أمام الدولار الأميركي وهي غير قادرة على تحريك شرطي واحد في أجزاء كثيرة من سوريا. وبالأخص في المناطق التي تعرضت للزلزال. وليس من باب المزح أن نقول إن الحكومة السورية قد تعرضت لزلزال سابق حين أُزيحت عن مناطق كثيرة لم تعد تسيطر عليها إلا صوريا بعد أن وقعت تلك المناطق تحت سيطرة قوى محلية واقليمية ودولية كالأكراد والقوات الروسية والميليشيات الإيرانية بضمنها حزب الله. لذلك فإن الحديث عن مساعدات تمر من خلال الحكومة السورية هو حديث غير واقعي. اما إذا تعلق الأمر بالحصار الأميركي المفروض على سوريا فلا أعتقد أن الولايات المتحدة ستجرؤ على الاعتراض على اختراق ذلك الحصار من أجل تضامن إنساني يقع خارج ما تفرضه السياسة من قوانين جائرة. فسوريا هي غير نظامها السياسي وشعب سوريا الذي استقبلت المانيا مليون إنسان منه مرة واحدة هو الذي يقف في انتظار الإغاثة. وما من شعب عانى من تدخلات الدول الاقليمية والعالمية مثلما عانى الشعب السوري. هل سنعود إلى نظرية المؤامرة لنقول إن الشعب السوري كان ضحية مؤامرة؟ تلك هي فكرة سياسية أيضا لا علاقة لها بالمأساة التي يعيشها السوريون اليوم في ظل تداعيات الزلزال الذي دمر ما تبقى من مدنهم وقتل الكثير من أحبائهم. العلاقة بالسوريين هذه المرة مختلفة. ذلك شعب، لن يسمح وضعه الإنساني في التعامل معه سياسيا. فالوضع يقع فوق المعايير التي تعتمدها الولايات المتحدة في حصارها لسوريا. الملايين التي اخترقت البحر بقوارب الموت هي نفسها التي تعرضت للزلزال. تختلف أسماء الموتى غير ان المعاني لا تختلف. ولأن الوضع الكارثي في سوريا لا يتحمل ترف السؤال والجدل العبثي فإن كل شيء ينبغي تأجيله من أجل دمعة طفل لا يزال على قيد الحياة. وإذا كان النظام الحاكم في دمشق مسؤولا بشكل نسبي عن الكارثة التي حلت بسوريا فإن الزلزال لا يقع ضمن مسؤوليته. ذلك حدث يمكن أن يقع في أية بقعة من الأرض ولا علاقة له بالسياسة. لذلك ينبغي أن لا يكون التعامل معه سياسيا وإلا فقدنا كرم صفاتنا الإنسانية وصرنا متوحشين. سوريا اليوم في حاجة لنا. ونحن نحتاجها من أجل إنسانيتنا. من أجل أن نكون بشرا علينا أن نقف مع السوريين ولا نسأل عن شكل ومحتوى النظام السياسي الذي نعرف أنه لا يحكم إلا في دمشق. كل دقيقة جدل في ذلك الشأن هي لحظة موت لإنسان. وهو ما يعني أن الوقت قد وضع ساعاته كلها بين أيدي السوريين. ذلك زمن لا علاقة بأية فكرة سياسية سابقة أو لاحقة. إنه زمن الإنسان الذي هو ليس حيوانا سياسيا.
مشاركة :