احسان الفقيه : السعودية 2015…ملامح العهد الجديد

  • 1/31/2016
  • 00:00
  • 6
  • 0
  • 0
news-picture

مصارعة الثيران، تلك الرياضة الإسبانية التي تُعدّ تراثا شعبيا، يقف فيها المصارع في مواجهة الثور الغاضب، ويقوم بمناورته بقطعة القماش الأحمر ليُثير غضبه. لعقود مضت، ظن الكثيرون أن اللون الأحمر يصيب الثور بحالة من الهياج العصبي، غير أن العلماء قد اكتشفوا أن الثور غير قادر على تمييز الألوان، والسبب أن قرنية عينه لا تحتوي على الخلايا العصبية المسؤولة عن تمييز ذلك. *ذكَّرتني هذه المعلومة بأولئك الذين أُصيبوا بعمى التمييز والتقييم للآخرين، وإنما تثور الكراهية بداخلهم لمجرد ذكر الناجحين للوثةٍ فكرية ولتشوّهات داخلية ليس لها تصنيف.. كثيرون هم، من يتحركون للنيل من السعودية لمجرد الحديث عن الجوانب الإيجابية لقيادتها أو لشعبها، دون نظرة موضوعية حيادية للأداء، فما إن تُذكر أرض الحرمين بخيرٍ، إلا وترى طوفان التجريح والتشكيك والتخوين، وكأن النيل من آل سعود – الذين هم بشر يصيبون ويخطئون – أصبح من قوانين الفيزياء الثابتة، وبهذا المنطق جحدوا كل الجهود السعودية التي بُذلت في عهد الملك سلمان بن عبد العزيز، وتم التعامل معها بالتشكيك وإثارة الريبة. *ولعل من المناسب في هذا المقام، أن نُشير إلى ملامح السعودية الجديدة في عهد الملك سلمان – والذي أوشك على بلوغ عامه الأول – الزاخر بالقرارات الحاسمة، ليس للرد على المرجفين المشككين، بقدر ما هو بثٌ لروح التفاؤل بين من يرتقبون بصيص الأمل، ويبحثون عن بذرة صالحة لرعايتها والالتفاف حول غراسها وانتظار ثمرتها. *أهم ما يميز الحقبة السلمانية، تغيُّر الاستراتيجية السعودية من حالة التعامل بمبدأ رد الفعل، إلى حالة أخذ زمام المبادرة، فالمملكة أصبحت عام 2015 تصنع الأحداث بعد أن كانت تكتفي بكونها جزءًا من الأحداث. الأمثلة على ذلك كثيرة، كان أولها انطلاق عاصفة الحزم، التي تُعدّ أول تحرك عسكري عربي ضد إيران من بعد الحرب العراقية الإيرانية، ولسنا في حاجة للتنبيه على أن العمليات العسكرية للتحالف الذي تقوده السعودية ضد الحوثيين في اليمن، إنما هو في حقيقته صراع بين السعودية وبين إيران الراعي الرسمي للحوثيين. *كما يأتي الدور السعودي في الأزمة السورية أحد أبرز العلامات على توجُّهِ السعودية لأخذ زمام المبادرة وصناعة الأحداث، فهي العقبة الكؤود أمام مآرب إيرانية وروسية للإبقاء على الأسد. *كما أن دعمها (بمشاركة قطر وتركيا) لفصائل المعارضة السورية المعتدلة، هو ما حافظ على اتّزان المعادلة العسكرية في سوريا، والتي كان يمكن لها أن تُحسم لصالح الأسد أمام الدعم المفتوح للنظام السوري من قِبَل إيران وروسيا وحلفائهما. *ثم كانت ثالثة الأثافي التي أقضّت مضاجع المُغرضين، تلك المفاجأة التي فجرتها السعودية بالدعوة إلى تشكيل تحالف إسلامي لمواجهة الإرهاب، تكون الرياض فيه مركز عملياته، لتؤكد على دورها القيادي في الأمة الإسلامية. هذا التحالف نظر إليه الكثيرون من أبناء الأمة على أنه صورة جديدة للعمالة العربية لمواجهة التيار الجهادي السني، وقاموا بإصدار الحكم منذ ليلة الإعلان عن تشكيل التحالف. *إنْ قدَّمنا حسن الظن تجاه هؤلاء المُشككين، سنقول أن النظرة السوداوية والأحكام المسبقة أعمتهم عن رؤية الجوانب المضيئة في هذا التحالف. التحالف الإسلامي لن يقتصر دوره على مواجهة التطرف الإسلامي وتنظيم داعش فحسب، إنما سيتسع مصطلح الإرهاب ليشمل كل الجماعات الإرهابية بغض النظر عن الدين أو الطائفة، وهذا ما صرحت به قيادات التحالف، وأعتقد أن هذا يكفينا لكي نتريث ولا نستبق الأحداث، ولندع الأيام تُبرهن على صدق التصريحات أو زيفها. *من ناحية أخرى، فما يؤكد على توجه التحالف الإسلامي لمواجهة الإرهاب بكل أشكاله، أن إيران عارضت تشكيل التحالف، لا لشيء إلا لأنها تعلم يقينا أن يد التحالف سوف تطال أذرعها الإرهابية الميلشياوية. ولعل تصريح العميد الركن أحمد عسيري المتحدث باسم قوات التحالف العربي ومستشار وزير الدفاع السعودي، قد وضع النقاط على الحروف، عندما أكد أن انضمام إيران إلى التحالف مرهون بوقف أعمال طهران الإرهابية عن الدول العربية والإسلامية ودعمها للإرهاب، وخصّ بالذكر دعمها الإرهاب في سوريا واليمن والعراق ولبنان. *التحالف الإسلامي سوف يقطع الطريق أمام الغرب في الاستئثار بتفسير مصطلح الإرهاب، وهذا من شأنه ابتعاد كثير من الفصائل الإسلامية عن مرمى الاتهام بالإرهاب، منهم جماعة الإخوان وفصائل القتال في سوريا، والمقاومة الفلسطينية، وكل من يقاتل عن قضايا عادلة وحقوقٍ مشروعة. *هذا التحالف بمثابة نقل الأمة من حيز التكتلات الإسلامية حبيسة القاعات والمؤتمرات والأطروحات النظرية، إلى ميدان العمل الجاد، فهو أول تحالف عسكري إسلامي، يفرض فكرة إمكانية التكتل الإسلامي بمختلف أنماطه بعيدا عن الهيمنة الغربية. *ما سبق يقودنا إلى ملمح آخر من ملامح السعودية الجديدة 2015، وهو التحرك كقوة فاعلة في المنطقة بشكل مستقل عن الولايات المتحدة الأمريكية، والتي تقلّص دورها في المنطقة العربية بالفعل، بعد أن تركت مهمة رقابتها لإيران، عقب المفاوضات النووية التي جاءت على حساب الأمن الخليجي، ما دفع السعودية للتحرك ذاتيا، وعدم التعويل على البيت الأبيض في حماية الخليج من النفوذ الإيراني. *هذا التوجه الاستقلالي أصبح حديث الإعلام في الشرق والغرب، من ذلك تقرير موقع “فوكاتيف” الأمريكي، والذي يؤكد أن العربية السعودية تسعى لتأكيد نفوذها واعتماد سياسة خارجية أكثر قوة في الشرق الأوسط، وبشكل مستقل عن الولايات المتحدة. *بالمثل تحدثت صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية، حيث اعتبرت أن السعودية تقود حربا من أجل الاستقلال، وأن شعورها بخيبة الأمل من أوباما قد دفعها لاعتماد استراتيجية أكثر جرأة، تستخدم بموجبها النفط لإزاحة الشركات الأمريكية من السوق. *تعبئة الشعب السعودي وتجييشه أحد أبرز الملامح الجديدة في الدولة السعودية 2015، فمن الملاحظ بقوة، أن الشعب السعودي اتجه للالتفاف حول قيادته بقوة المشروع الجامع. نعم، فليس هناك ما يجمع الشعب أكثر من المشروع القائد، والذي قد يكون اقتصاديا وقد يكون سياسيا أو عسكريا، وهنا وجد الشعب السعودي ضالّته، عندما رأى القيادة تسعى للانتقال إلى حيز العالمية، المتمثل في قيادة العالم الإسلامي في قضاياه الكبرى انطلاقا من هُويّة الشعب السعودي. *ولذا رأينا تسابق السعوديين للتطوّع في عاصفة الحزم، والتفاف النُّخب الدينية والفكرية والثقافية المُتباينة (نسبيا) ـ قبل وبعد سلمان ـ حول القيادة او إدارة بلاد الحرمين، وهو ما ظهر بصورة أوضح في تشكيل التحالف الإسلامي. *ولم تكن هذه التعبئة لتنجح إلا بعد ترتيب البيت الداخلي، والتغيّرات التي أحدثتها القيادة في الهيكل الإداري للدولة، والتقارب مع قادة الرأي من علماء ومفكرين وإعلاميين، وانفتاح الحكومة على شعبها، والتلاقي مع التيار الإسلامي وفتح صفحة جديدة معه بعيدا عن الشيطنة. *وأختم حديثي عن الملامح الجديدة للسعودية 2015، بقضية هامة، وهي التأكيد على الهوية الإسلامية المُنطلقة من الكتاب والسنة، والتي صارت لازمة في خطابات خادم الحرمين، والتي تقطع الطريق على محاولات العبث بتلك الهوية. اجتماع الملك سلمان بالنخب الإعلامية كان مغزاه واضحا، حيث أن التيار الليبرالي – الذي يطنطن على مسامع الغرب بالدولة الدينية واحتضان الإرهاب – له تأثير كبير في الإعلام السعودي، فكان التنبيه على ذلك المسار من الأهمية بمكان، ورسالة ضمنية، بأنه لا مجال لاعتماد هوية لا تنطلق من الكتاب والسنة. تلك أبرز ملامح الدولة السعودية الجديدة في الحقبة السلمانية، رغم يقيني بأن الثيران لا ولن تستطيع التمييز بين الألوان.

مشاركة :