إن قورنت أشهر طفلة في تاريخ السينما المصرية فيروز بمن هن في مثل عمرها آنذاك، كشيرلي تمبل مثلاً، فقد تضاهيهن أحياناً، من حيث الحضور والموهبة ومحبة الجمهور. وعلى رغم ما تمتعت به تلك الموهبة الاستثنائية، التي رحلت أمس عن 73 سنة عقب وعكة صحية ألزمتها العناية المركزة، من شهرة ونجومية في سن صغيرة، فضلت الاعتزال باكراً لتبقى في ذاكرة الجمهور العربي الطفلة الشقية فيروز. موهبة مبكرة في الخامس عشر من آذار (مارس) 1943، ولدت فيروز (واسمها الحقيقي بيروز أرتين كالفايان) لأسرة أرمنية تعود أصولها إلى مدينة حلب في سورية. مكتشف موهبتها هو الفنان المصري اللبناني الأصل إلياس مؤدب، الذي كان صديقاً لأبيها، وكان يمضي معه أمسيات فنية في البيت حيث يعزف الكمان. وكانت فيروز تشارك والدها تلك الأمسيات، فلفتت الصغيرة انتباه مؤدّب، الذي لاحظ موهبتها وحاول تطويرها، فألف ولحّن «مونولوغ» لتغنيه وحدَها. ولأنه كان يغنّي في حفلات منزلية، اصطحبها معه مرةً لتؤدّي المونولوغ، فأثارت فيروز إعجاب الحضور، ليقرر مؤدب إشراكها في مسابقة مواهب في كازينو «الأوبيرج». حينها كان الملك فاروق يشاهد الحفلة وأعجب بأدائها، وكذلك الجمهور، الذي علا تصفيقه لتلك الموهبة الاستثنائية. حصلت فيروز على أوّل مكافأة في حياتها من الملك فاروق، وهي خمسون جنيهاً. بعدها التف حولها المنتجون السينمائيون، لكن مؤدب اختار الفنان أنور وجدي من بينهم ليوقع معه والد فيروز عقد احتكار تتقاضى عنه ابنته ألف جنيه عن كلّ فيلم. وغيّر وجدي حرف الباء في اسمها إلى فاء، ليصبح فيروز بدلاً من بيروز، كما استقدم مدربين أجانب لتدريبها لأسابيع عدة وتهيئتها لأوّل بطولة سينمائية، فكان فيلم «ياسمين»، الذي خاطر فيه وجدي بالكثير وعرض العام 1950 حين لم تتجاوز عامها السابع. إنتاج الفيلم كان مفترضاً أنْ يكون مشتركاً بين وجدي والموسيقار محمد عبدالوهاب، لكن الأخير وبعدما شاهد الصغيرة لم يشأ المغامرة بأمواله في فيلم تؤدي بطولته طفلة لا تتقن سوى غناء المونولوغ، لكن أنور وجدي خاض المخاطرة وحده. صباح العرض ظهر إعلان في الصحف المصرية يدعو جميع أطفال مصر لحضور حفله العاشرة صباحاً التي سيعرض فيها الفيلم، ومن ثم ستوزع البطلة الصغيرة هدايا على الأطفال. وبالفعل وضعت مئات الهدايا بسينما الكورسال وتعليق مئات البالونات في صالة السينما، ولاقي الفيلم نجاحاً باهراً. بعدها قدمت فيروز فيلم «فيروز هانم» 1951، ومن ثم «صورة الزفاف» عام 1952. أما العام 1953، فشهد فيلم «دهب»، الذي قدم فيه أنور وجدي الصغيرةَ التي أصبحت في العاشرة من عمرها، وهي تؤدي رقصات تشبه تلك التي تقدّمها راقصات شهيرات أمثال: سامية جمال، وبديعة مصابني، وتحية كاريوكا. انفصال أبعدها عن النجاح وشهد العام 1953 انفصال فيروز فنياً عن أنور وجدي، بعدما رفض تجديد عقد الاحتكار معها، وقرر أنْ يقوم هو بإنتاج أفلامهــــا. وقد أنتج فيلم «الحرمان» فيما بلغت 13 سنة، وظــــهرت فيه إلى جانب شقيقتها الفنانة الاستعراضية نيللي ميرفت. بعد «الحرمان» توقـفـت فيروز عن العمل لمدة ثلاث سنوات، ومن ثم عادت لتقدم عدداً من الأدوار الدرامية التي تتناسب مع عمرها، من بينها «عصافير الجنة»، إضافة إلى أربعة أفلام لم تحقق نجاحاً، منها: «فيلم «إسماعيل ياسين للبيع» و«أيامي السعيدة». وتعود بدايات فيروز مع إسماعيل ياسين إلى فيلم «إسماعيل ياسين طرزان» لنيازي مصطفى، وكان أوّل أفلامها معه عام 1955. أثناء عملها في فرقه إسماعيل ياسين، تعرفت إلى زوجها الراحل بدر الدين جمجوم وتزوجا وأنجبا أيمن وإيمان. بعد هذه الأفلام الأربعة التي كــان آخرها فيلم «بفكر في اللي ناسيني» عام 1959، قررت فيروز التوقف عن العمل للحفاظ على صورتها كطفلة شقية في أذهان الجمهور. وهجرت أضواء السينما تماما عند بلوغها العشرين. كُرمت العام 2001 في مهرجان القاهرة السينمائي عن مجمل أعمالها. وترحل فيروز مخلفة وراءها عشرة أفلام هي «ياسمين» و«فيروز هانم» و«الحرمان» و«صورة الزفاف» و«دهب» و«عصافير الجنة» و«إسماعيل يس طرزان» و«أيامي السعيدة» و«إسماعيل يس للبيع» و«بفكر في اللي ناسيني».
مشاركة :