"ثروتنا الأولى التي لا تعادلها ثروة مهما بلغت: شعبٌ طموح معظمه من الشباب، هو فخرُ بلادنا وضمانُ مستقبلها بعون الله".. هكذا صرّح سمو سيدي ولي العهد، في حديثه عن مستقبل المملكة كما يراه، إذ يمثل الشباب ما نسبته ٣٥% من إجمالي المواطنين السعوديين، حسب تقديرات الهيئة العامة للإحصاء. ولكون التعليم يعد حجر الأساس وأداة البناء التي تعقد عليها الدولة آمالها في تشكيل هذا الشباب بالكيفية التي تضمن تحقيقه الدور المأمول منه؛ فقد أولت حكومتنا الرشيدة قطاع التعليم جُل اهتمامها، وسعت إلى تطويره؛ باعتباره إحدى أهم دعائم رؤية ٢٠٣٠، فرصدت ما قيمته ١٨٩ مليار ريال سعودي من ميزانيتها السنوية لعام ٢٠٢٣م؛ استشعاراً منها بأن بناء الأمة يبدأ من هناك، وأن قدرتها على تحقيق استمرارية منافستها عالمياً مرهونة بمدى امتلاكها اقتصاداً معرفياً قادراً على مواكبة التغيرات المتسارعة في جميع المجالات. وحيث إن الذراع التنفيذية لوزارة التعليم في الميدان التربوي هي الإدارات التعليمية في المناطق والمحافظات، فإن ذلك يحتم على الوزارة إعادة النظر في هيكلة النظام التعليمي، واعتماد اللامركزية التي تقتضي استقلالية إدارات التعليم ومنحها مزيداً من الصلاحيات في كافة الجوانب، وذلك لكون قيامها بدورها الحيوي في تطوير المنظومة التربوية والتعليمية مع قدرتها على الاستجابة للتغييرات وتجاوز ذلك إلى إيجاد مزايا تنافسية مستدامة مرهونة بمدى ما تملكه من مرونة في استغلال مواردها وتوظيفها التوظيف الأمثل؛ بهدف خدمة المستفيد من خدماتها التعليمية بأعلى مستويات الجودة وبكل كفاءة وفاعلية، وهو الأمر الذي سبق أن نصّت عليه إحدى إستراتيجيات وزارة التعليم لتحقيق الأهداف الإستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم العام والممتدة في الفترة من ١٤٣٤هـ -١٤٤٤هـ، التي جاء في نصها "ممارسة إدارات التعليم وما في حكمها استقلالاً تربوياً وإدارياً ومالياً ودعم الابتكار والتميز والتنافس في الممارسات التعليمية وفق المعايير العالمية ومحدّدات التحفيز والمحاسبية وتطوير نظام وطني للمحاسبة وإدارة الجودة والتميز تستند إليها النتائج وتدعم التطوير والتحسين المستمر في الأداء تمكين إدارات التعليم والمدارس من تنفيذ أنظمة الجودة وتوطينها". وتقتضي استقلالية إدارات التعليم منح مديري التعليم الاستقلال المادي والإداري والتعليمي والفني، إضافة إلى منحهم الحرية في إدارة شؤون الإدارة الداخلية والتخطيط والتشغيل الذاتي لكل مكونات نظامها التعليمي، مع وجود نظام رقابي ومحاسبي دقيق من قِبل الوزارة. وتأسيساً على ذلك نجد أن استقلالية الإدارات مرتبطة في المقام الأول بمدى قدرتها على تمويل التعليم في المنطقة عن طريق توفير موارد مالية مشروعة، واستثمارها الاستثمار الأمثل، بحيث تغطي عوائدها السنوية الموازنة السنوية لتلك الإدارة التعليمية وتحررها من قيود المركزية. إلا أنه لابد من التأكيد على أن تطبيق الاستقلالية، وإن كان مطلباً ينادي به المهتمون بتطوير المنظومة التعليمية في المملكة، إلا أنه لابد أن يتم تدريجياً عن طريق التطبيق على عددٍ من إدارات التعليم ووفقاً لضوابط تنظيمية يراعى فيها اختلاف المناطق التعليمية من حيث أهدافها الإستراتيجية ونظمها الاجتماعية والثقافية وطبيعتها الجغرافية والديموغرافية، مع ضرورة أن تعهد الوزارة بمهمة إدارة المناطق التعليمية المستقلة إلى مَن ترى فيه كامل القدرة على قيادة هذا التغيير الحيوي من القيادات التربوية، وتضع مؤشرات ومعايير لقياس مدى تقدُّم أداء المنطقة التعليمية في كافة الجوانب. ولا شك أن إحدى أهم ثمرات تطبيق الاستقلالية في إدارات التعليم هي رفع مستوى التنافسية بين تلك الإدارات سواء على مستوى منسوبيها من طلاب ومعلمين أو مجتمعاتها المحلية، الأمر الذي يترتب عليه تحفيز الإبداع والابتكار في جوانب متعددة ابتداءً بإيجاد مصادر تمويلية مختلفة بالاعتماد على التنوّع الجغرافي والطبيعي والاجتماعي لكل منطقة تعليمية، إضافة إلى رفع مستوى المشاركة المجتمعية في تطوير التعليم بهدف دفع عجلة التقدم في المنطقة التعليمية، كما أن ذلك سيسهم بشكل فعّال في تحفيز القطاع الخاص ورفع مستوى مشاركته في تقديم مختلف الخدمات التعليمية والاستثمار فيها دعماً للمنطقة، علاوة على أنه وفي حال مواءمة الخطط التعليمية بين التعليم العام والعالي في كل منطقة، فإن ذلك سيسهم اقتصادياً وبشكل فعّال في تحقيق المواءمة بين مخرجات التعليم العام ومتطلبات سوق العمل في تلك المنطقة، إضافة إلى مساهمة مراكز الأبحاث التابعة للجامعات في البحث عن حلول للمشكلات التي تواجه المنطقة وتذليل الصعوبات التي تعترضها.
مشاركة :