انتهز الانقلابيون الحوثيون في اليمن ذكرى مصرع مؤسس الحركة الحوثية حسين بدر الدين الحوثي بالتقويم الهجري، بعد 5 أشهر من احتفالهم بالذكرى نفسها بالتقويم الميلادي في العاشر من سبتمبر (أيلول) الماضي؛ لتعزيز نهجهم الطائفي من جهة، ومن جهة ثانية لتنفيذ حملات جباية جديدة تُفاقم أزمات اليمنيين. وفي عموم مناطق سيطرة الانقلابيين الحوثيين، نفّذت الهيئات الانقلابية والمؤسسات الحكومية الواقعة تحت سيطرتهم وإدارتهم فعاليات احتفائية بمناسبة ذكرى مصرع حسين الحوثي، شقيق زعيم الانقلابيين حالياً، الذي لقي مصرعه على يد القوات الحكومية قبل 19 عاماً بعد حرب مع ميليشياته استمرت 6 أشهر، وهي الحرب التي كانت بداية إعلان صعود الحركة. وتوسِّع الميليشيات الحوثية احتفالاتها، كل عام، بابتداع المزيد من التشكيلات الانقلابية وافتتاح فروعها في المحافظات الخاضعة لسيطرتها، وصولاً إلى الأرياف والقرى النائية، ومن ذلك ما يُعرَف بالهيئة النسائية الثقافية العامة التي تعد إحدى تشكيلات الفرع النسائي للميليشيات أو ما يُعرَف بـ«الزينبيات»، التي تمارس مهامّ انقلابية في حارات المدن والقرى النائية. وشهدت مديريات وأحياء مدينة الحديدة، خلال الأيام الماضية، عدة فعاليات نفّذتها الميليشيات النسوية تحت مسمى الهيئة النسائية الثقافية العامة لإحياء ذكرى مصرع الحوثي. ووفقاً لمصادر محلية في مدينة الحديدة الساحلية الغربية (على بُعد 226 كيلومتراً من العاصمة صنعاء)، أجبرت قيادات نسائية في الميليشيات مديرات مدارس البنات والمعلمات على حشد وجمع الطالبات للمشاركة في الفعاليات الاحتفائية، وهدّدتهن بإجراءات عقابية في حال عدم حشد ما يكفي من الطالبات. وعُقدت بعض الفعاليات في مدرستي القدس وعقبة بن نافع، ومدرسة الزبيري في مديرية الميناء، وجميعها مدارس للبنات، وجرى إيقاف الدروس لصالح هذه الفعاليات. وتفيد المصادر، لـ«الشرق الأوسط»، بأنه جرى حصر أسماء الطالبات اللاتي تخلّفن عن المشاركة في هذه الفعاليات لاتخاذ عقوبات ضدهن، خصوصاً أن الفعاليات عُقدت خلال أكثر من يوم، وطوال اليوم الدراسي، مما يجعل التخلف عن المشاركة مثيراً لشكوك الميليشيات بالتهرب. وتؤكد المصادر أن الهيئة النسائية للميليشيات الحوثية حوّلت مدرستي القدس وعقبة بن نافع إلى منصتين طائفيتين للانقلابيين الحوثيين، حيث تُعقَد فيها وبشكل دائم، وبمختلف المناسبات، وحتى من دون مناسبات، فعاليات طائفية يجري فيها ترويج الخطاب الحوثي، وتُوجَّه منها الدعوات لجمع التبرعات لصالح الميليشيات، وتُجبَر أمهات الطالبات على المشاركة الدائمة في هذه الفعاليات. في السياق نفسه وفي مدينة الحديدة أيضاً أجبرت الميليشيات المصلّين على تنفيذ وقفات أمام الجوامع والمساجد لإحياء ذكرى مصرع حسين الحوثي. وتذكر المصادر أن الميليشيات حاصرت الجوامع والمساجد، وأجبرت المصلّين على الوقوف أمام الكاميرات عقب الانتهاء من صلاة الجمعة في مشاهد للتسويق الإعلامي، واستعدّ عناصر الميليشيات لهذه الوقفات بحمل لافتات تحمل شعارات طائفية ومقولات لحسين الحوثي أمام الجوامع والمساجد. ووفقاً للمصادر، فإن أغلب المصلّين اضطروا للمشاركة في الوقفة؛ خوفاً من أي تصرفات عدائية ضدهم، أو توجيه اتهامات لهم من تلك التي درجت عليها الميليشيات في التنكيل بمعارضيها مثل تُهم الخيانة والعمالة، خصوصاً أن عدداً من أنصار الميليشيات يعملون مخبرين لها في الأحياء والحارات، ويعرفون أغلب المصلّين ومقارّ سكنهم. وتنفّذ الميليشيات حملات نهب وجباية نشطة بشكل غير مسبوق في مدينة الحديدة، وتبعاً لمصادر محلية فإن الحملات الجديدة تستهدف جميع التجار والشركات والمحالّ ومستخدمي الأرصفة، والباعة المتجولين وسائقي الحافلات وسيارات الأجرة والدراجات النارية، إضافة إلى بائعات الخبز اللاتي يقفن لبيع منتجاتهن من المخبوزات عند إشارات تقاطع الطرق وإشارات المرور والأسواق العامة. وتبرر الميليشيات هذه الحملة من الجبايات بالتبرع لفعاليات إحياء ذكرى حسين الحوثي، ودعم مقاتلي الميليشيات التي درجت على تسميتهم بـ«المرابطين». وتشير المصادر إلى أن قيادات حوثية قدمت إلى مدينة ومحافظة الحديدة، خلال الأسابيع الماضية، من صعدة أو من العاصمة صنعاء للإشراف على عملية الجبايات. ولم تكتفِ هذه القيادات بالإشراف على أعمال الجباية فحسب، بل إن عدداً من هؤلاء القادة يزاولون أعمال الجباية بأنفسهم، ويقتطعون لأنفسهم الهدايا والفوائد من هذه الجبايات بشكل مباشر. ومن ذلك، وفق ما أوردته المصادر، نزول هؤلاء القادة إلى الأسواق وبعد إجبار الباعة على دفع المبالغ المطلوبة يختارون لأنفسهم ومرافقيهم ما يعجبهم من البضائع كهدايا لا يدفعون ثمنها، ثم يتوجهون إلى المطاعم ويتناولون فيها الوجبات مجاناً، قبل أن يتوجهوا إلى أسواق نبتة القات، ويختاروا منها ما يعجبهم، ويعودوا إلى مقارّهم لإحصاء ما جمعوه خلال نزولهم الميداني. واختطفت الميليشيات عدداً كبيراً من الباعة لم يتمكنوا من دفع الجبايات بسبب عدم توافر سيولة نقدية لديهم، إذ لا يمكن لأحد، وفقاً للمصادر، رفض الدفع، فمن يرفض يتم أخذ ما بحوزته عنوة، ومن لا يملك يتم اختطافه وإيداعه السجن. ولم ينجُ حتى المحامون من الاختطافات؛ إذ جرى اختطاف عدد منهم بسبب تبنّيهم شكاوى عدد من الباعة الذين مارست الميليشيات بحقّهم أعمال البلطجة والاختطاف، ويواجهون تُهم العصيان ورفض تنفيذ الواجب، إضافة إلى تهمتي الخيانة والعمالة المعتادتين.
مشاركة :