الولايات المتحدة -- ديمقراطية زائفة، هيمنة حقيقية

  • 2/12/2023
  • 00:00
  • 4
  • 0
  • 0
news-picture

تم التلاعب بالديمقراطية كقيمة مشتركة. كانت الولايات المتحدة تستخدمها لخداع العالم وإخفاء طبيعتها من خلال الديمقراطية الزائفة، ولكنها دولة ذات هيمنة حقيقية. لاحتواء المنافسين وجني الثمار، قامت واشنطن في السنوات الأخيرة بجمع ما يسمى بـ "تحالف القيم"، وعززت تحالفاتها العسكرية وأثارت مواجهة الكتلة، ما يعرّض النظام العالمي والسلام والأمن العالميين للخطر. عندما تتحدث أمريكا عن الديمقراطية، ففي الواقع، هذا يعني الديمقراطية على النمط الأمريكي، أو الديمقراطية الأمريكية، المبنية على الهيمنة والتسلط والاستبداد. أولاً، لا تقوم الديمقراطية الأمريكية على المساواة بل على الهيمنة. فمن الحظر الاقتصادي إلى التدخلات العسكرية وتخريب النظام، تعاقب واشنطن عمدًا أي دولة معارضة. في كتابه "أشد الصادرات الأميركية فتكا: الديمقراطية"، كتب المؤلف الأمريكي ويليام بلوم، أنه منذ نهاية الحرب العالمية الثانية، سعت الولايات المتحدة للإطاحة بأكثر من 50 حكومة أجنبية، تم انتخاب معظمها بشكل ديمقراطي، وتدخلت بشكل صارخ في انتخابات ديمقراطية في 30 دولة على الأقل، وحاولت اغتيال أكثر من 50 قائدا أجنبيا. وعلى مدى سنوات، خلقت الولايات المتحدة اضطرابات سياسية في أمريكا اللاتينية، ولعبت دورًا فيما يسمى بـ"الربيع العربي"، وحرضت على الثورات الملونة في أوراسيا. فلم تسببت مشاكلها في حدوث كوارث إنسانية هائلة فحسب، بل ولدت ايضا الإرهاب والتطرف. الآن، تواصل جني الثمار من خلال إجبار حلفائها على تأجيج شعلة الصراع الروسي الأوكراني. ثانيًا، الديمقراطية الأمريكية لا تعني العدالة بل البلطجة. يتبع الساسة الأمريكيون المذاهب الأنانية المتمثلة في "أمريكا أولاً" و"الفائز يأخذ كل شيء". تضع الولايات المتحدة مصالحها الخاصة فوق أي شيء، وتستخدم عصا العقوبات بشكل تعسفي على منّ يعصاها. فإن العقوبات الأمريكية أحادية الجانب تتجاهل القواعد الدولية وتتخلى دون تردد عما تدعو إليه -- مبادئ اقتصاد السوق والتجارة الحرة. لقد فرضت عقوبات منهجية على إيران وسوريا وكوبا وفنزويلا، واستهدفت بشكل موازٍ الأطراف الثالثة، الأمر الذي لم يعرض الاقتصاد وسبل عيش تلك الدول للخطر فحسب، بل ايضا عرقل النظام الاقتصادي العالمي. وسعياً وراء مصالحه، لم يتساهل العم سام (رمز ولقب شعبي يطلق على الولايات المتحدة) حتى مع حلفائه. ففي ظل أزمة الطاقة التي يعاني منها الاتحاد الأوروبي وسط الأزمة الأوكرانية، حققت الولايات المتحدة ثروة من خلال تصدير الغاز الطبيعي المسال الأمريكي بأسعار باهظة إلى أوروبا. وفي محاولة لحماية صناعتها والترويج لها، مررت واشنطن قانونًا تاريخيًا بقيمة 430 مليار دولار للمناخ والضرائب والرعاية الصحية يُعرف بـ"قانون الحد من التضخم"، والذي يُشكل تهديدا متمثلا في خفض التصنيع بأوروبا. ومن جانبه، انتقد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون تصرف الولايات المتحدة، ووصفه بأنه "لا يتوافق مع قوانين منظمة التجارة العالمية ولا يتماشى مع الصداقة". وعلاوة على ذلك، عممت الولايات المتحدة مفهوم "الأمن القومي"، ووضعت بشكل تعسفي شركات البلدان الأخرى في ما يسمى بـ"قائمة الكيانات" لفرض الحظر التجاري والصلاحيات طويلة المدى. بغض النظر عن قانون "الرقائق الالكترونية والعلوم" أو ما يسمى بـ"دعم الأصدقاء"، لقد انتهك قواعد منظمة التجارة العالمية، وقوضت بشكل خطير استقرار سلاسل التوريد الصناعية العالمية، والتي أثارت الإدانة وحتى المقاطعة. وفي مقال نُشر مؤخرا، قالت صحيفة ((ذا إيكونوميست)) إن الولايات المتحدة "انتقلت من سياسة "الركض أسرع" إلى سياسة "الركض بشكل أسرع مع عرقلة الآخر"". ثالثًا، لا تتبع الديمقراطية الأمريكية القواعد بل الاستبداد أو الاستثناء الأمريكي. تطبق الولايات المتحدة الأنانية القواعد عندما تناسبها، وتتخلى عنها عندما لا تناسبها، لقد انسحبت عمداً من الاتفاقات المتعددة الأطراف والمنظمات الدولية. إن ما يسمى بـ"النظام الدولي القائم على القواعد"، والذي كانت تُشدد عليه وتحث الآخرين على اتباعه، ليس أكثر من نظام دولي قائم على القواعد التي وضعتها واشنطن. لقد تجاهلت الولايات المتحدة منذ فترة طويلة المبادئ الأساسية للقانون الدولي التي تحظر التهديد باستخدام القوة والاستخدام غير القانوني للقوة، وشنت بشكل صارخ حروبًا ضد دول ذات سيادة في مناسبات عديدة. لقد عارضت وحدها طريق المفاوضات المتعلقة ببروتوكول اتفاقية الأسلحة البيولوجية الذي يضم نظام التحقق. لقد قامت ببناء القوة الفضائية الأمريكية والقوات المسلحة الفضائية، وأسرعت اختبار الأسلحة وإجراء تدريبات عسكرية في الفضاء الخارجي، ما يتعارض بشدة مع مفهوم الاستخدام السلمي للفضاء الخارجي. وفي الوقت نفسه، تسحق فضيحة إساءة معاملة السجناء في معتقل خليج غوانتانامو اتفاقية مناهضة التعذيب؛ العقوبات أحادية الجانب المفروضة على دول، من بينها إيران وسوريا، تنتهك أحكام لجنة الأمم المتحدة للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية. وفي غضون ذلك، عادة ما يغض هذا "الحكم" العالمي لحقوق الإنسان البصر عن انتهاكاته لحقوق الإنسان داخل البلاد. فمن التحريض على التمييز العنصري والكراهية إلى الإعادة القسرية للمهاجرين غير المسجلين رغم تفشي الوباء، كما انتهكت واشنطن بشكل خطير سلسلة من الاتفاقيات واللوائح الدولية، بما في ذلك الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري، والاتفاقية الدولية لحماية حقوق كل العاملين المهاجرين وعائلتهم، والاتفاقية الأمريكية لحقوق الإنسان. كما يظهر تقرير لمنظمة التجارة العالمية أن الولايات المتحدة إلى حد بعيد أكبر دولة "غير ملتزمة" بقواعد منظمة التجارة العالمية، وهو ما يُمثل ثلثي الانتهاكات في المنظمة. وعلق مقال رأي في صحيفة ((نيويورك تايمز)) "في أوائل القرن الحادي والعشرين، إذا كان هناك أي قوة تسعى إلى الهيمنة على العالم، وإكراه الآخرين، وانتهاك القواعد، فهي الولايات المتحدة". لكن الأكاذيب لا يمكن أن تتحمل التدقيق. فمع ترديد ما يسمى بـ"الديمقراطية وحقوق الإنسان والحرية"، تشبثت الولايات المتحدة في الواقع بالهيمنة والبلطجة والاستبداد. مثل هذا البلد ليس في وضع يسمح له بالتحدث عن الديمقراطية، لأنه ليس لديه مصداقية دولية على الإطلاق. "فمن جائحة كوفيد-19 إلى قواعد التجارة العالمية، ومن تغير المناخ إلى التنمية الاقتصادية، تعمل الولايات المتحدة بنشاط على إحباط أولويات معظم الديمقراطيات في العالم. وفي هذه العملية، تُفاقم السياسة الخارجية للولايات المتحدة -- باسم الديمقراطية -- أزمة الديمقراطية العالمية ونزع الشرعية عن القوة الأمريكية"، حسبما علقت مجلة ((فورين أفيرز)) الأمريكية. فمن خلال إساءة استخدام القوة، وانتهاك حقوق الإنسان، وفرض الصلاحيات طويلة المدى، والاستبداد الأجنبي، والغرور الذاتي، والبلطجة الدبلوماسية... كشفت الولايات المتحدة نفسها بشكل متزايد ديمقراطيتها الزائفة، موضحة هيمنتها الحقيقية.■

مشاركة :