قال صلى الله عليه وسلم: (لا تَكُونُوا إِمَّعَةً، تَقُولُونَ: إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَحْسَنَّا، وَإِنْ ظَلَمُوا ظَلَمْنَا، وَلَكِنْ وَطِّنُوا أَنْفُسَكُمْ، إِنْ أَحْسَنَ النَّاسُ أَنْ تُحْسِنُوا، وَإِنْ أَسَاءُوا فَلَا تَظْلِمُوا). إن الإنسان السوي، صاحب الشخصية والمبدأ والثبات، يهتم بالتميز واستخدام العقل والحكمة والبصيرة، لا يقلد كالأعمى، ولا يتبع كل ناعق، ولا يسير خلف كل صوت وإشاعة، دون وعي ولا تحليل ولا إدراك، لا يمشي مع الماشين، ولا يقعد مع القاعدين، ولا يتوجه مع كل اتجاه، يعني: (عليهم عليهم، معاهم معاهم)، أو (مع الخيل يا شقرا)، أو (من وين ما هبت الريح مالي)، إن مسارات الإنسان ومداراته وقناعاته يجب أن تكون متناغمة مع مقتضيات الموازين الإنسانية والأخلاقية والسلوكية، بعيدًا عن الهشاشة والتبعية والرقة في السير وراء الآخرين بعيداً عن التفكير والمنطق والحال. إن الأمعة يبالغ في كل شيء، ويتوجه حسب توجه الآخرين بعيداً عن الدقة والتحري وتفعيل العقل، لديه خلل بائن لهذا يندفع عشوائياً، وينحدر إلى مستوى اللاعقل، ويسارع في الركض بعيداً عن الهدوء والتأني، سطحي ويمكن أن ينطلي عليه ألاعيب الناس، ويقع في الشبك والفخ بكل بساطة، هش ضعيف وليس حكيماً وحصيفاً، ينجرف مع مع التيار، وينساق مع الأهواء، مثل العود اليابس الصغير سهل الانكسار، ومثل الريشة تتقاذفها الرياح في كل ناحية وزاوية، متردد لا يثبت على حال أو مآل، طفيلي يتبع أثر الآخرين حتى ولو ساقه إلى الخطر، يلغوا مع اللاغين، ويخوض مع الخائضين، ولا ينتفع بما تعلم، ضعيف التفكير، رديء التحليل، بدائي المهارات، ساذج في العلاقات، يميل إلى تصديق الكذب والخرافة والإشاعة، ويتبع الأخبار المفربكة، يتشبث بالمجهول، ولا يسأل عن الدليل والبرهان، تقليدي، ويعشق التبعية، عقلية أحادية عاجزة، وعنده رواسب جاهلية عالقة. إن الإنسان العاقل الفطن، هو من لا يجعل الآخرين يشكلون حياته، فهي حياته يلونها ويشكلها بما يريد، مؤمن بنفسه وقراراته، ويثق في آرئه واختياراته، ولا يرهن نفسه برضا الآخرين، لا يعش في عباءة غيره، ويحافظ على مسافات صحيحة وسليمة مع الآخرين، ويدرك الفرق التام بين الانقياد الأعمى، والتفكير المنطقي السليم، يتميز بنفسه عن الآخرين، ولا يتأثر بغيره بالشكل المطلق، ولا يجعل الناس يلونون حياته، ويحددون اتجاهاته ومساراته بالشكل الذي يريدون، فقد لا يملكن سوى اللون الأسود، والفضاء الرمادي، والحفرة والمطب.
مشاركة :