مقالة خاصة: العقوبات الأمريكية أحادية الجانب وهيمنة الدولار تفاقم مشاكل دول الشرق الأوسط

  • 2/13/2023
  • 00:00
  • 8
  • 0
  • 0
news-picture

بعد أن دمرتها الحروب والعقوبات لسنوات، تمر سوريا الآن مرة أخرى في أوضاع كارثية بعد أن ضربتها الزلازل الهائلة يوم الإثنين، مما بعثر أحلام الآلاف الذين كانوا يأملون في حياة أفضل في عام 2023. وفي مواجهة الخسائر الفادحة في سوريا، أعلنت الولايات المتحدة، في رضوخ للضغوط الدولية، يوم الخميس تخفيفا مؤقتا للعقوبات المفروضة على البلد الذي مزقته الحرب. بيد أن هذا الرضوخ جاء متأخرا جدا بالنسبة للكثيرين، الذين لقوا حتفهم تحت الأنقاض أثناء انتظار مساعدات الإغاثة المطلوبة بشدة والتي منعتها الولايات المتحدة. وهذه المأساة هي شهادة أخرى على سوء سلوك الولايات المتحدة في المنطقة، التي وقعت لسنوات ضحية لتراكمات الحروب والعقوبات والتضخم "المصدرة" إليها من قبل واشنطن. -- عقوبات أحادية الجانب يتناقض قرار الولايات المتحدة برفع العقوبات عن سوريا في أعقاب الإدانة الدولية مع ما تدعيه، وهو أن العقوبات لم تستهدف المساعدات الإنسانية للبلد الذي ضربه الزلزال، وفقا لخبراء سياسيين سوريين. وقال الخبير السياسي كمال الجفة إن "الولايات المتحدة تعلم أن العقوبات المفروضة على الشعب السوري كانت ظالمة وأدت إلى تفاقم الأوضاع المعيشية للسوريين خلال السنوات القليلة الماضية". وقال مازن شامية، مساعد وزير الخارجية الفلسطيني السابق، إنه من خلال الحفاظ على إغلاق المجال الجوي ومنع دخول أي معدات طبية أو إغاثية إلى المنطقة، حالت العقوبات الأمريكية دون بذل أي جهد لمساعدة سكان المنطقة المتضررة. وقبل الزلازل، كان 90 في المائة من السوريين يعيشون في فقر. وقال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون في ديسمبر إنه في البلد الذي مزقته الحرب، يمتنع الآباء عن تناول بعض الوجبات حتى يتمكن أطفالهم من تناول الطعام؛ وتعتبر الكهرباء والوقود أكثر ندرة من أي وقت مضى؛ ولا يستطيع الكثيرون على نحو متزايد من الحصول على المياه النظيفة والرعاية الصحية أو حتى التواصل مع أحبائهم أو زملائهم، بسبب انقطاع الاتصال وفشل البنية التحتية. ورأى سالم أبو العيون، نازح سوري انتقل من حلب إلى مخيم الوزاني في جنوب شرق لبنان، أن قرار وزارة الخزانة الأمريكية برفع العقوبات كذبة كبيرة لا تخدم الشعب الذي عانى من الحصار الأمريكي الجائر. وقال توفيق أبو سلوان من إدلب، وهو لاجئ آخر انتقل إلى بلدة حاصبيا جنوبي لبنان، إن رفع الولايات المتحدة لجزء من العقوبات هو محاولة يائسة لتحسين وتلميع صورتها العالمية، مضيفا "لن يكون لها أي تأثير على الأرض في بلادنا سوريا، ونعتبرها غير موجودة". -- أسوأ تضخم وجاءت الزلازل في وقت كانت فيه الحياة صعبة بما فيه الكفاية لشعوب الشرق الأوسط. وقد أدى التضخم المكون من رقمين في المنطقة إلى خنق العديد من الذين كانوا يكافحون بالفعل لإطعام أنفسهم. وقال العديد من الباحثين إن ما يزيد من مشاكلهم الاقتصادية هو السياسة النقدية غير المسؤولة للولايات المتحدة، التي قامت برفع أسعار الفائدة ثماني مرات على التوالي مما أدى إلى تعطيل الاقتصاد العالمي وإضعاف توقعات التعافي الاقتصادي. وفي تركيا، بلغ ارتفاع تضخم أسعار المستهلكين أعلى مستوى له منذ 24 عاما ليصل إلى 85.5 في المائة في أكتوبر. وفي لبنان، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 143 في المائة بين سبتمبر وديسمبر في عام 2022، لتحتل المرتبة الثالثة في تضخم أسعار المواد الغذائية في العالم، وفقا لبيان صادر عن البنك الدولي. وفي مصر، التي فقدت عملتها نصف قيمتها منذ عام، تضاعفت أسعار الأرز وبعض الخضروات على مدار بضعة أشهر من العام الماضي. وارتفع سعر الدجاج في يناير 2023 إلى 72.26 جنيه مصري (2.39 دولار أمريكي) للكيلوغرام الواحد، بزيادة مذهلة بلغت 230 في المائة عن 2013. وشهد سعر الخبز ارتفاعا بنسبة 460 في المائة في الفترة نفسها، حيث بلغت تكلفة 10 أرغفة من الخبز غير المدعوم الآن 14 جنيها مصريا، ارتفاعا من 2.5 جنيه في 2013. وقال سمير موسى، وهو عسكري متقاعد يعيش في عمان، عاصمة الأردن، إنه لم يشتر الفاكهة منذ شهرين. واشتكى قائلا إن "الأسعار ترتفع في جميع أنحاء العالم، لكن من يعيش في بلدان أخرى برواتب أفضل يمكنهم العيش بشكل جيد. رواتبنا منخفضة، حتى أنها لا تكفي لدفع إيجار المنزل أو فواتير الكهرباء أو فواتير المياه". والوضع هو ذاته تقريبا في تونس، حيث يجد السكان المحليون صعوبة حتى في الحصول على علبة حليب. ونجم النقص في منتجات الألبان في تونس عن ارتفاع أسعار العلف، مما أجبر العديد من مربي الأبقار المحليين على بيع ماشيتهم. واعتاد يوسف مريا، وهو مزارع أبقار يبلغ من العمر 52 عاما، على تربية 10 أبقار حلوب وأكثر من 40 رأسا من الأغنام في سيدي ثابت، شمال غربي العاصمة تونس. والآن، باع ثلث قطيعه بسبب ارتفاع سعر التبن. وقال "لقد اضطررت، مثل العديد من المزارعين الآخرين في جميع أنحاء البلاد، إلى بيع الأبقار مع تدهور الظروف الاقتصادية". هيمنة الدولار الأمريكي وقال المحلل السياسي والاقتصادي التونسي جمعي قاسمي إن ارتفاع التضخم في بلاده يرتبط ارتباطا وثيقا برفع أسعار الفائدة من قبل الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي. وذكر قاسمي أنه "إذا قارنت الجدول الزمني، يمكنك أن ترى أن التضخم في تونس ارتفع فجأة بعد رفع الاحتياطي الفيدرالي للفائدة"، في إشارة إلى تحركات الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي لرفع سعر الفائدة على الدولار. وأشار إلى أن "ذلك أجبر البنك المركزي التونسي أيضا على رفع سعر الفائدة. وآخر ارتفاع مفاجئ في سعر الفائدة كان في 14 يناير، ويبلغ سعر الفائدة القياسي للبنك المركزي الآن 8 في المائة". وبدوره، قال وليد جاب الله، أستاذ السلطات القضائية المالية والاقتصادية في جامعة القاهرة في مصر، إنه من المستحيل على دول مثل تونس ومصر ألا تأخذ السياسات النقدية للاحتياطي الفيدرالي في الاعتبار عند اتخاذ القرارات بسبب الوضع المهيمن للدولار. وأفاد جاب الله أن "الدولار الأمريكي أصبح ملاذا أكثر جاذبية وأمانا للمستثمرين بعد ارتفاعات سعر الفائدة"، مضيفا أنه منذ مارس 2022، كان هناك إجمالي 25 مليار دولار أمريكي من الاستثمارات غير المباشرة في أدوات الدين المحلية في السوق المصرية. وأوضح أنه "عند الخروج من مصر، كان المستثمرون الأجانب بحاجة إلى شراء الدولار الأمريكي، مما تسبب في انخفاض قيمة الجنيه المصري". ومع استمرار الدولار الأمريكي كعملة احتياطية رائدة في العالم، يمكن للولايات المتحدة استخدام القوة الساحقة للدولار لنقل أزمتها إلى بقية العالم، بغض النظر عن التحذيرات المتكررة من قبل الاقتصاديين بأن الزيادات ستعطل الاقتصاد العالمي وتنذر بالركود. وقال قاسمي إنه "من المخيب للآمال والمثير للغضب أن تصدر الولايات المتحدة التضخم لخدمة مصلحتها الخاصة وتجعل العالم يدفع ثمنه". وأضاف قاسمي أن قوة الدولار زادت أيضا من أعباء سداد الديون وعمقت الفقر في العديد من البلدان النامية، مثل لبنان الذي يتم دفعه إلى حافة الإفلاس الوطني. زخم نزع الدولرة وأشار عدنان برجي، مدير المركز الوطني اللبناني للدراسات، إلى أنه من العار أن تعاني منطقة الشرق الأوسط، بمواردها الطبيعية وموقعها الإستراتيجي، من التضخم الخارج عن نطاق السيطرة. وذكر برجي أن الحلول ممكنة إذا تم التخلي عن التبعية للغرب وتوجيهاته القاتلة، مضيفا أن الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى حاليا لا تزال لها اليد العليا في تشكيل بعض الحكومات في المنطقة وفرض توجيهات لخدمة أهدافها. وأفاد جاب الله أنه "ليس من المنطقي أن يواصل البنك المركزي المصري رفع سعر الفائدة وإتباع الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي". ودعا إلى إتباع نهج "نزع الدولرة" للحد من التخفيف أو التشديد اللامسؤول للسياسة النقدية الذي تقوم به الولايات المتحدة لخدمة مصالحها الخاصة. وللتحوط من خطر الوقوع في فخ واشنطن المالي، تشرع المزيد من الدول في إتباع عملية نزع الدولرة، واستكشاف طرق لتجنب العملة الأمريكية. فالهند، على سبيل المثال، تناقش خططا مع دولة الإمارات العربية المتحدة لتسوية المعاملات الثنائية بعملتيهما المحليتين. كما مدد البنكان المركزيان في كوريا الجنوبية وأستراليا اتفاقية مبادلة العملات لمدة خمس سنوات حتى 2028. ومع اكتساب عملية نزع الدولرة زخما، أشار مايكل هدسون، أستاذ الاقتصاد في جامعة ميسوري-كانساس سيتي، إلى أن وضع نظام نقدي بديل سيستغرق وقتا. وقال هدسون إن "الهيكل بأكمله سيتغير وسيظل هناك العديد من البلدان التي تستخدم الدولار. لكنه سيكون مثل (عملات) الدول الأخرى. وسيتعين عليها الدفع بطريقتها الخاصة"، مضيفا أنه "لا يمكنها إصدار ديون بالدولار دون ضغوط".■

مشاركة :