سجلت الحملات الانتخابية في تونس انتشارا واسعا لخطاب الكراهية في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي رغم المحاولات التنظيمية والقانونية من الهيئات التعديلية الهادفة إلى محاربة هذا الخطاب الذي أصبح يهدد السلم الاجتماعي. تونس - أكد المستشار الإعلامي للهيئة العليا المستقلة للانتخابات التونسية عماد بربورة أن 54 في المئة من منشورات وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والحملات الانتخابية الميدانية تتضمن صيغا من صيغ خطاب الكراهية، وسط جدال حول من يتحمل مسؤولية تفشي هذا الخطاب. وأضاف أن 55 في المئة من الخطابات في مختلف شاشات التلفزيون اتسمت بهذا الخطاب خلال الدور الأول من الانتخابات. ورصدت الهيئة هذا الخطاب من خلال فضاءات الحملة الانتخابية التشريعية 2022 أثناء الدور الأول والثاني. وأكد مراقبون أن أبرز ما تم تسجيله في الدور الثاني هو خطاب الكراهية، وقد صدر عن جميع المتدخّلين، وخاصة منهم المقاطعين والمساندين والرافضين للمسار الانتخابي. وساهم هذا الخطاب في تضخم معجم مفردات خطاب الكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، وهو نتيجة طبيعية لضعف أداء السياسيين ومحاولتهم إلقاء اللوم على المنافسين. عبدالباسط بن حسن: من مآسي تونس أن الخطابين السياسي والإعلامي في السنوات الأخيرة لم يكن خطابا تجميعيا عبدالباسط بن حسن: من مآسي تونس أن الخطابين السياسي والإعلامي في السنوات الأخيرة لم يكن خطابا تجميعيا وأبرز بربورة أن الفاعلين تباينوا بين مترشحين ووسائل الإعلام وغير ذلك، مشددا على أن الهيئة ارتأت القيام بالرصد في مرحلة أولى ثم إحالة المخالفين على القضاء في مرحلة ثانية. من جهته أشار رئيس المعهد العربي لحقوق الإنسان عبد الباسط بن حسن الثلاثاء، خلال إشرافه على الندوة الختامية لحملة “متكرهنيش” (لا تكرهني) لمكافحة خطاب الكراهية، إلى خطورة الظاهرة، التي تمس من كرامة الأفراد وتهدد السلم الاجتماعي، مشددا على أن تونس عانت من ذلك مسبقا، خاصة إثر الاغتيالات السياسية والعمليات الإرهابية. وأكّد بن حسن أن من مآسي تونس أن الخطابين السياسي والإعلامي في السنوات الأخيرة لم يكن خطابا تجميعيا، وقال إنّ السياسة أخلاقيات وسلوكيات ولا بد أن تتميز بالابتعاد عن خطاب التفرقة، داعيا إلى ضرورة الاهتمام بالأزمات التي تعيشها تونس وعلى رأسها الأزمة الاقتصادية وليس بث خطابات التفرقة والتجاذبات السياسية التي تؤدي إلى العنف. وينتشر جزء كبير من خطابات الكراهية والعنف والإقصاء في مواقع التواصل الاجتماعي، وذكّر بن حسن بأن هذه الشبكات أُنشئت من أجل تسهيل التواصل ونشر الأفكار والإبداعات “ولكنها للأسف أصبحت في بعض الأحيان فضاء لنشر ثقافة العنف والدعوة إلى الإرهاب والعنف”. وأضاف أنه لا بد من عمل اجتماعي كبير عن طريق الحوارات الاجتماعية وتحليل الخطاب وفهمه والرد بخطابات ترتكز على مبادئ حقوق الإنسان. ومن المقترحات التي تم تقديمها لمحاصرة الخطاب المتشنج والعنيف إنشاء المرصد الوطني المدني للنشاط السياسي داخل الوسائط الرقمية. وهو يتوافق مع مشروع تعزيز صحافة المواطنة لمواجهة خطاب الكراهية والتطرف العنيف، المعتمد من قبل المعهد العربي لحقوق الإنسان بدعم من صندوق الأمم المتحدة للديمقراطية الذي أطلق حملة “متكرهنيش”. اقرأ أيضا: إيقاف مدير عام موازييك أف.أم التونسية "بسبب الخط التحريري للإذاعة" ويهدف العاملون على المشروع إلى تعزيز المشاركة الفعالة للصحافيين المواطنين الشبان والمدونين وممثلي وسائل الإعلام الجمعياتي في الجهود الوطنية لمكافحة خطاب الكراهية والتطرف العنيف في تونس. وانفصل الإعلام التونسي بعد “ثورة 2011” عن وصاية الدولة ليتم تركيز هيئات تعديلية تهتم بالشؤون التنظيمية في مجال الصحافة والإعلام. لكن هذه الهيئات لم تنجح في ضبط الخطاب ضمن وسائل الإعلام. وكانت الهيئة العليا المستقلة للاتصال السمعي البصري (هايكا) ومنظمة “المادة 19” – مكتب تونس، قد أصدرتا دليلاً للصحافيين التونسيين حول الممارسات الفضلى المتعلقة بالمعالجة الصحافية لخطابات الكراهية في وسائل الإعلام السمعية البصرية، في ظلّ تنامي خطاب الكراهية ضمن هذه المؤسسات، وذلك نتيجة حالة التجاذب السياسي منذ 2011. وسبق أن أكد تقرير حول واقع الإعلام التونسي، أصدرته المجموعة العربية لرصد الإعلام بالتعاون مع جمعيتين تونسيتين هما المجلس الوطني للحريات وشبكة تحالف من أجل نساء تونس، عام 2019، أن الإعلام التونسي يحث على الكراهية والعنف بين التونسيين تحت عناوين حزبية ودينية. وحمّل التقريرُ الحكومةَ والمعارضة على حد السواء مسؤولية تفشي هذه الظاهرة، فكلتاهما ساهمتا في حملات الشحن والتباغض. واستثنى التقرير قناة الوطنية الأولى التي اعتبرها أكثر وسيلة إعلامية محايدة في تونس. وفي سبتمبر الماضي أصدر الرئيس التونسي قيس سعيّد مرسوما لمكافحة الجرائم المرتبطة بأنظمة المعلومات والاتصال ومن بينها الأخبار الزائفة والإشاعات. وقد أثار المرسوم مخاوف الصحافيين من استخدامه كمطية لفرض قيود على حرية التعبير. 55 في المئة من الخطابات في مختلف شاشات التلفزيون اتسمت بخطاب الكراهية خلال الدور الأول من الانتخابات ويعمل المرسوم، المرتبط بجرائم أنظمة المعلومات والاتصال وفق السلطة، على مكافحة الترويج المتعمد للإشاعات والأخبار الزائفة والهادفة إلى “الاعتداء على حقوق الغير أو الإضرار بالأمن العام أو الدفاع الوطني أو بث الرعب بين السكان”. ويرتب المرسوم في الفصل 24 المثير للجدل، عقوبات بالسجن لمدة خمس سنوات ضد المخالفين، مع غرامة مالية قدرها 50 ألف دينار. وتنسحب هذه العقوبات على من تعمد نشر وثائق مصطنعة ومزورة وبيانات شخصية وافتعال أمور غير صحيحة بِنيّة التشهير وتشويه سمعة الغير. ووفق المرسوم يمكن أن تكون هذه العقوبات مضاعفة في حال كان الشخص المستهدف موظفا عموميا أو في حكمه. ويشير مراقبون إلى أن المشكلة تتعلق بمدى وعي التونسيين بالالتزام والمسؤولية في مقابل المطالبة بالحرية. ويؤكدون أن “المتخوفين سيعتبرونه (المرسوم) تعسفيا وتسلطيا وضد الحريات، لكن عندما نرى حجم الشائعات والخروقات والاعتداءات والمضامين المسيئة للغير على مواقع التواصل والمنصات الرقمية وحتى وسائل الإعلام التقليدية فإن المرسوم يعتبر حاجة أكيدة وضرورية”.
مشاركة :