انتشرت في الإنترنت عدة تفسيرات لسبب وقوع الزلزال المدمر الذي ضرب تركيا وسوريا وأوقع آلاف القتلى. لكن الكثير من تلك التفسيرات التي ترتبط بنظريات المؤامرة يمكن دحضها بسهولة من خلال القواعد العلمية المتعارف عليها دولياً. رغم تفنيد العلم لأسباب وقوع الزلازل إلا أن البعض لديه قناعة بأن هناك من يقف خلفها وأنها مصطنعة في أعقاب وقوع الزلزال المدمر الذي ضرب سوريا وتركيا، انتشرت على مواقع التواصل الاجتماعي عشرات التفسيرات والتأويلات حول أسباب وقوع الكارثة. وتنتشر نظريات المؤامرة بشكل كبير داخل كثير من المجتمعات، ليست المجتمعات العربية وحسب ولكن الغربية أيضأ. وفي غياب تفسيرات علمية مقنعة والغموض الذي يحيط بعدد من الوقائع والأحداث يلجأ البعض إلى تفسيرات قد تبدو في ظاهرها عقلانية ومنطقية لكن أغلبها بُنى على أساس غياب المعلومات واستناداً إلى ما يسمى بالعلم الزائف "Pseudoscience". وهو مجموعة من الأفكار والممارسات التي تدعي أنها علمية في حين أنه لم يتم بناؤها وفق منهجية علمية حقيقية. فما هي أشهر تلك النظريات؟ ظواهر غريبة قبل وبعد الزلزال! انتشرت فيديوهات على مواقع التواصل الاجتماعي تتحدث عن وجود صواعق في أجواء تركيا قبل الزلزال بثوان، وهي الظاهرة التي دفعت بمنظّري المؤامرة إلى الاعتقاد أن ما حصل لم يكن كارثة طبيعية، فيما أكد علماء عدم وجود صلة بين ما يحدث في طبقات الجو ووقوع الزلازل. أيضاً أشار البعض إلى ظاهرة دوران حيوانات وماشية في دوائر ضخمة حول نقطة محددة قبل وقوع الزلزال بفترة، وهو ما فسره العلماء بوجود أحد الأمراض التي تصيب حيواناً واحداً في المخ فيفقد الإحساس بالاتجاهات، ونظراً لسلوك القطيع الذي تتبعه هذه الحيوانات فإنها تقوم بتقليد ما يفعله هذا الحيوان دون وعي. وأشار آخرون إلى أن أغلب هذه الفيديوهات تم تصويرها في أماكن بعيدة للغاية عن تركيا وسوريا. كما تحدث آخرون عن تكوينات غريبة للسحب وسماع أصوات أو رؤية أضواء فيما نشر آخرون فيديوهات إما قديمة أو تم التلاعب بها. وتداول رواد مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا مقطع فيديو لظاهرة "غريبة" رُصدت على مقربة من نهر العاصي بعد الزلزال. ووفق الفيديو الذي صُوّر في إحدى الأراضي الواقعة بقرية تلول قرب سلقين شمال غرب إدلب، فقد ظهرت فوهات تشبه كثيراً تلك الخاصة بالبراكين بحسب ما نشر موقع العربية. مشروع هارب "الغامض" من ضمن النظريات أيضاً نظرية مفادها أن الزلزال مصطنع كعملية انتقامية من تركيا لأسباب مختلفة، منها موقفها من انضمام السويد وفنلندا إلى الناتو، ومنها الخلاف السياسي الحاد مع الإدارة الأمريكية في عدة ملفات. واستندت تلك التعليقات إلى تحركات لسفن تابعة لقيادة القوات الأمريكية في أوروبا ( EUCOM ) وعمل مناورات عسكرية مع قبرص واليونان، إضافة إلى توصية بعض الدول الغربية لرعاياها في تركيا بأخذ الحذر وإغلاق سفارات غربية في أنقرة وقنصليات في إسطنبول. وكثر الحديث في الآونة الأخيرة عن برنامج أبحاث الشفق القطبي النشط عالي التردد (High-frequency Active Auroroal Research)، التابع لسلاح الجو الأمريكي، أو ما يعرف اختصاراً باسم مشروع "هارب" (HAARP)، وهو مشروع قائم في منشأة أبحاث عسكرية أمريكية في ولاية آلاسكا. ويتحدث المؤمنون بنظريات المؤامرة عن أن المشروع منح السلطات الأمريكية القدرة على تعديل الطقس والتلاعب بالأمطار والتسبب في الجفاف والعواصف والصواعق بطريقة تؤدي لحدوث زلازل. لكن علماء أمريكيين وحول العالم أكدوا مراراً أن المشروع متصل بالأساس بدراسة طبقات الغلاف الجوي وتأثيراتها على عمليات الاتصالات، خاصة بالأقمار الاصطناعية، إلى جانب دراسة تأثيرات الانفجارات الشمسية على إشارات الراديو والموجات المختلفة. وأكد العلماء أنه لا يوجد دليل علمي واحد يربط بين التلاعب بالطقس وطبقات الجو بحدوث زلازل على الأرض، حتى أن خبير الزلازل الهولندي فرانك هوغربيتس الذي توقع حدوث الزلزال نفى وجود أي علاقة بين التغيرات في الغلاف الجوي ومناطق وقوع الزلازل. السدود التركية واحتباس الماء في طبقات الارض تعد هذه واحدة من أكثر النظريات انتشاراً في أعقاب الزلزال. ويلقي البعض باللوم على تركيا في إنشاء عشرات السدود التي خلفت وراءها بحيرات تخزين مياه عملاقة ما أدى لتسرب كميات ضخمة من المياه الجوفية في الأرض أدت لحدوث الزلزال وقد تحدث زلازل أخرى، بحسب ما يعتقدون. لكن الدكتور بدوي رهبان، مدير قسم الحد من الكوارث الطبيعية في اليونسكو وخبير في الزلازل، أكد من باريس في اتصال هاتفي مع DW عربية أن أموراً كهذه لا علاقة لها بالأسباب العلمية لحدوث الزلازل. وقال الخبير الدولي اللبناني: "نحن نعرف أن تركيا معرضة للزلازل دائماً بسبب الفوالق التكتونية الموجودة سواء فالق الأناضول الشمالي أو فالق الأناضول الشرقي"، مشيراً إلى أنه "في بعض الحالات وفي بعض الدول قد تحدث أنشطة إنسانية على الأرض لكنها أبداً لا تكون السبب الرئيسي للزلزال". وفي سياق متصل أشار عدد من العلماء إلى أن الأنشطة البشرية قد تتسبب أحياناً في أنواع من الهزات الأرضية لكنها تكون ضئيلة للغاية على مقياس ريختر ولا تسبب أضراراً هائلة مثل التي تُحدِثُها الزلازل الطبيعية الناتجة عن احتكاك أو تحرك الصفائح التكتونية وهو الأمر الذي اتفق معه خبير الزلازل بدوي رهبان. ويؤكد العالم اللبناني أن "أسباب وقوع الزلازل معروفة علمياً ومحددة"، وأشار إلى أن "سبب الزلزال الأخير هو تحركات الفوالق التكتونية الموجودة في تركيا وسوريا، وهذا أمر معروف علمياً أن الفوالق أو الصدوع الجيولوجية تولد بسبب تصادم الصفائح التكتونية، هذه الفوالق هي التي تسبب الزلازل في أي مكان في العالم". وأضاف رهبان أن "الحديث عن تأثير السدود أو تسرب المياه أو وجود أنشطة إنسانية في منطقة معينة هو أمر يمكن وضعه في خانة التكهنات .. فالقوة الهائلة التي أحدثت الزلزال (7.8 و 7.5 على مقياس ريختر) لا يمكن أن نشرحها ونحللها عبر هذه الخلاصات السريعة غير المدروسة". وفي منشور له على فيسبوك، قال أحمد الملاعبة، أستاذ الجيولوجيا في الجامعة الهاشمية الأردنية وخبير الزلازل، إن "الزلازل ظواهر طبيعية وتُفسر جيولوجياً منذ نظرية الانزياح القاري التي وضعت منذ عام 1911 وتكتونية الصفائح الأرضية"، مشيراً إلى أن الغلاف المغناطيسي الأرضي ليس سيركاً لاستعراض قوى الشر ولا يستطيع أحد أن يفجر الصفائح ويحدث زلازل عملاقة". وأشار إلى أن "السدود الضخمة بمليارات الأمتار المكعبة لها دور في تسرب الماء نحو الخزانات الجوفية، وبالتالي زيادة المخزون المائي، والتغلغل بين الفواصل والفوالق في الخزانات الأرضية للمياه قد يسبب نوعاً من الحركة ويساعد إلى حد ما في حدوث هزات أرضية خفيفة بقوة لغاية 2 أو 3 درجات بحسب مقياس ريختر ولكن من الصعب أن تُسبب زلازل عملاقة". بدوره، أشار عبد السلام مِرخِي الصحفي التونسي المقيم بتركيا إلى حديث وزير البيئة التركي هذا الأسبوع عن موضوع السدود. وقال إن الوزير ذكر أن إقامة السدود لا علاقة لها بوقوع الزلزال ولا بما يحدث في طبقات الأرض، مؤكداً أن السدود بنيت على أساس علمي وبعد دراسات مستفيضة لطبقات الأرض التي بُنيت عليها. وأشار الصحفي التونسي إلى أن "السدود عامل خطر في أي مكان وقعت فيه كارثة طبيعية كالزلازل، فالدفاع المدني السوري (الخوذ البيضاء) على سبيل المثال كان تحذيرهم الأساسي بعد الزلزال هو "سد نهر العاصي" لأن السدود إذا انهارت تصبح المشكلة مضاعفة بجانب كارثة الزلزال نفسه". وأضاف الصحفي التونسي في حديثة إلى DW عربية أن "وجود السدود بهذه الكثافة في منطقة زلازل مشكلة كبيرة أدركتها الحكومة التركية التي عمدت بسرعة إلى تفريغ بعضها من المياه وخاصة على الحدود السورية والعراقية". زلازل مصطنعة؟ يشير عدد من المؤمنين بنظريات المؤامرة إلى وجود أنواع من الأسلحة الغامضة التي يمكنها إحداث زلازل اصطناعية على غرار ذلك السلاح الخفي في مشروع "هارب"، فيما تحدث آخرون عن أسلحة تقوم بإطلاق نبضات كهرومغناطيسية عالية الكثافة وأشار غيرهم إلى قنابل نووية ذات تأثير موضعي. في هذا السياق، قال الدكتور بدوي رهبان مدير قسم الحد من الكوارث الطبيعية في اليونسكو وخبير في الزلازل: "ليس عندي علم في الحقيقة بإمكانية حدوث أمر كهذا .. نحن في علم الزلازل نعرف ما هي أسباب وقوعها وأصبح الأمر واضحاً وليس به شيء مجهول (...) فالزلازل تحدث بسبب الصدوع والفوالق الأرضية وتحركاتها، أما أن يقول البعض إن هناك تأثيرات لحركة الكواكب أو اصطناع لهذه الزلازل فهذه تفسيرات ليس عندي تعليق عليها". وقال العالم اللبناني إننا "نشهد منذ مئات السنين عشرات الزلازل وبعد أن تعرفنا على أسباب وقوع الزلازل منذ منتصف القرن العشرين، عندما اكتشفت نظرية الصفائح التكتونية والدراسات التي تلت ذلك، لم يعد هناك أمر مجهول بشأنها"، مؤكداً أننا "نعرف في أغلب الأحيان أين سيقع الزلزال المقبل لكن تحديد التوقيت هو أمر مستحيل علمياً ". مخاطر انتشار نظريات المؤامرة وقت الكوارث كثيراً ما حذر الخبراء والمتخصصون من نشر الأخبار الكاذبة والمعلومات العلمية غير الدقيقة، خاصة في أوقات الأزمات. واستدل عبد السلام مِرخِي الصحفي التونسي المقيم بتركيا على مدى خطورة الأمر بما حدث وقت انتشار فيروس كورونا وتشكيك البعض في جدوى اللقاحات إضافة إلى اعتقاد البعض الآخر بأن الفيروس يأتي في إطار موامرة عالمية لتخفيض عدد سكان كوكب الأرض. ويقول الصحفي التونسي إن الفكرة الرئيسية في أي كارثة هي محاولة فهمها، فعادة عندما يعجز الناس عن فهم اي ظاهرة فإنهم يذهبون لتصديق كثير من الروايات المغلوطة ما يؤثر على محاولة فهم ما حدث بل ويوثر على اتخاذ الناس لاحتياطات مستقبلية. ويقول المرصد الأوروبي للإعلام الرقمي إنه من المهم التأكيد على أن نشر المعلومات الخاطئة والمضللة (مثل التحذير الذي لا أساس له من الصحة، والتخويف، والمعلومات الكاذبة حول المناطق الجغرافية المتأثرة وما إلى ذلك) أثناء حالات الطوارئ يمكن أن يكون خطيراً للغاية ويمكن أن يؤثر بشدة على حياة الأشخاص المعنيين، بشكل مباشر أو غير مباشر. ويرى المرصد أن أغلب المنشورات على الانترنت المتعلقة بترويج معلومات مضللة أو مغلوطة لا تتعلق بشكل أساسي بجهة معينة تهدف لنشر مثل هذه الأخبار لكنها قد تهدف ببساطة إلى تعظيم عدد المشاهدات أو ردود الفعل أو المشاركات. عماد حسن
مشاركة :