بغداد - مثل تطور الشراكة بين دولة الإمارات والعراق فرصة هامة لدمج الدولة العراقية ضمن محيطها الخليجي والعربي وذلك بعد سنوات من برود في العلاقات بين بغداد والعواصم الخليجية بفعل التدخلات الإيرانية التي حاولت قطع هذا الترابط ومنع أية محاولة لتعزيز التعاون العراقي الخليجي. ويرى مراقبون ان ثمة تناقضات واضحة في رؤية الأجنحة العسكرية لقوى "الإطار التنسيقي" (الشيعي)، لطبيعة العلاقات بين بغداد وابوظبي، ورؤية الحكومة التي يرأسها محمد شياع السوداني. وتبرز هذه التناقضات بسبب سيطرة إيران على "الإطار التنسيقي"، الذي ينتمي إليه السوداني، والذي يقود أيضا علاقات العراق مع بعض دول الخليج التي تصنّف على أنها ضمن المحور الأميركي المعادي لطهران في المنطقة. وفي 9 فبراير/ شباط الجاري، زار رئيس الوزراء العراقي، دولة الإمارات، والتقى كبار مسؤوليها لبحث تعزيز التعاون الاقتصادي وزيادة حجم التبادل التجاري بين البلدين. ولم تصدر بيانات رسمية من المجموعات المسلحة الحليفة لإيران بشأن الزيارة، فيما ألمحت حسابات محسوبة عليها إلى أنها تندرج َضمن العلاقات الدبلوماسية و"المقاومة" غير معنية بالحسابات السياسية ولن تغير موقفها من الإمارات فيما يبدو ان انزعاج مبطن من هذه الشراكة. عداء اذرع إيران للإمارات وتكيل المجموعات المسلحة الحليفة لإيران، اتهامات دون دليل للإمارات في العديد من الملفات وذلك تنفيذا لمشروع طهران المعادي لكل نجاح عربي والرافض للتعاون بين العراق ومحيطه الخليجي. ومن بين الاتهامات التي لا يوجد لهها دليل على ارض الواقع هو ما تعتبره تورطا لابوظبي في تزوير نتائج انتخابات أكتوبر/ تشرين الأول 2021 بالعراق في محاولة للتغطية على فشل تلك القوى السياسية الموالية لطهران. وخلال تلك الانتخابات، أخفقت الأجنحة السياسية للمجموعات الشيعية المسلحة بالعراق، في الحصول على المراتب الأولى. كما اتهم الأمين العام لحركة "عصائب أهل الحق" (الشيعية) قيس الخزعلي، رئيس الوزراء العراقي السابق مصطفى الكاظمي، باستقدام فريق أمني إماراتي لإدارة جهاز المخابرات العراقي دون دليل حقيقي لهذه المزاعم. وقال الخزعلي، في أبريل/ نيسان 2021، إن ذلك الفريق الأمني، يقف خلف قرار إبعاد نحو 300 ضابط وموظف في جهاز المخابرات العراقي إلى المنافذ الحدودية فيما يبدو انها اتهامات مدفوعة من قبل طهران التي تشعر بقلق من جهود الامارات لتعزيز العلاقات مع بغداد وتمكنت من تحقيق العديد من الاختراقات في هذا المجال. من جهتها، تنظر أبوظبي إلى طهران على أنها تشكل تهديدا أمنيا، ولها أطماع في المزيد من أراضي الإمارات إضافة إلى الجزر الثلاث؛ أبو موسى وطنب الصغرى وطنب الكبرى. كما ترى الإمارات أن إيران تدعم المجموعات الشيعية المسلحة العابرة للحدود في العراق وفي اليمن حيث تقود أبوظبي "التحالف العربي لدعم الشرعية" بالشراكة مع السعودية. استهداف الإمارات وخلال 2022، تعرضت مواقع حيوية إماراتية لعدة هجمات، نفذتها مجموعة شيعية مسلحة مدعومة من إيران، منها مطار أبوظبي والمنطقة الصناعية في المصفح وقاعدة الظفرة العسكرية التي تستضيف قوات أميركية. وفي 2 فبراير/ شباط 2022 استهدف هجوم نفذته مجموعات مسلحة عراقية بالطائرات المسيرة منشآت حيوية في العاصمة الإماراتية أبوظبي، "احتجاجا على سياساتها في اليمن والعراق" وفق ما نشرته المجموعات الشيعية المسلحة. ورغم أن وزارة الدفاع الإماراتية لم تسمِ الجهة المسؤولة عن الهجوم، مكتفية بوصفه بأنه "هجوم معادٍ"، فقد أعلنت "ألوية الوعد الحق" العراقية، في بيان، تبنيها هجوما بأربع طائرات مسيرة استهدفت منشآت حيوية في أبوظبي فيما اعتبر انتهاكا خطيرا لامن الخليج خدمة للمصالح الايرانية. و"ألوية الوعد الحق" من بين المجموعات الشيعية المسلحة التي ظهرت خريف عام 2019 في العراق، كمجموعات تتبنى هجمات بالصواريخ أو بالطائرات المسيرة على قواعد عراقية. وتستهدف "الوعد الحق"، قواعد عراقية تستضيف قوات أميركية، أو أرتال الدعم اللوجستي لقوات التحالف الدولي الموجودة في العراق بطلب رسمي من الحكومة العراقية. ولا ترتبط المجموعة الشيعية المسلحة تنظيميا بهيئة الحشد الشعبي، ما يعطيها مساحة واسعة من النشاط لتنفيذ الهجمات داخل العراق وخارجه، بعيدا عن أي تداعيات قد تتحملها الحكومة العراقية. ملاحقة الفساد وفي تصريحات سابقة لرئيس الوزراء العراقي فإن تطوير علاقات بلاده مع الدول الأخرى تعتمد على المساعدة في استعادة الأموال المهربة وتسليم المطلوبين بقضايا الفساد. وفي هذا السياق وبالتزامن مع زيارة السوداني للإمارات، أعلنت هيئة النزاهة الاتحادية (حكومية)، إلقاء القبض على المدير العام الأسبق للمصرف العراقيِّ للتجارة حمدية الجاف، التي تتواجد في دولة الإمارات. و"الجاف" متهمة بإحداث ضرر بالمال العام بأكثر من مليار ومائة مليون دولار، وحكمت عليها محكمة جنايات الكرخ في بغداد غيابيا بالحبس لمدة خمس سنوات في يناير/ كانون الثاني 2021، لإضرارها بالمال العام بمبلغ 40 مليون دولار. وتشير بيانات غير رسمية إلى أن حجم الفساد في العراق تجاوز 400 مليار دولار منذ عام 2003. وخلال يناير/ كانون الثاني الماضي، أصدرت هيئة النزاهة الاتحادية، 90 مذكرة قبض على خلفية قضايا فساد، منها 79 قضية متهم فيها مسؤولون كبار. تقليص نفوذ إيران ومن غير الواضح موقف مراكز القرار في إيران من مسألة رغبة العراق بالتعاون واسع النطاق مع دول الجوار العربي في جوانب اقتصادية تشمل توريد أو إنتاج الطاقة الكهربائية. وتعد إيران أكبر مورّد للطاقة الكهربائية الى العراق، إذ تستحوذ على توفير معظم احتياجاته من الغاز الطبيعي وإمدادات الكهرباء عبر خطوط نقل، حيث يعتمد العراق على استيراد الغاز لتشغيل محطات إنتاج الكهرباء محليا. وتحرص الإمارات ومعظم دول الخليج على الانفتاح بشكل أكبر على العراق، على أمل استعادة دوره العربي والإقليمي والابتعاد التدريجي عن دائرة النفوذ الإيراني، أو على الأقل تخفيف تداعيات هذا النفوذ على دول جواره العربي. وترى الإمارات وفق متابعة سياساتها تجاه العراق خلال مرحلة ما بعد انتهاء العمليات القتالية ضد تنظيم "داعش"، أنه لا تزال هناك فرصة أمام العراقيين لاستعادة دورهم الإقليمي وتعزيز حضورهم في محيطهم العربي. وللعراق مصلحة أكيدة في تقليص حجم اعتماده أمنيا واقتصاديا على إيران، التي تخضع لنظام عقوبات أميركي استهدف خلاله الرئيس السابق دونالد ترامب الدول التي تحاول الالتفاف على العقوبات المفروضة على طهران منذ 2019. محاولات عراقية ويامل الخليجيون ان يتجه العراق للإفلات من دائرة النفوذ الإيراني، التي حجّمت دوره الإقليمي، وفرضت عليه نوعا من العزلة العربية لسنوات عديدة طوال فترتي حكم رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي (2006–2014). وأدت سياسات المالكي بنهجها الطائفي، إلى تعزيز نفوذ إيران في العراق بشكل واسع، ضاعفها إخفاقه في صد هجمات "داعش" على عدد من المحافظات في غرب وشمال غرب العراق وسقوطها بيد التنظيم في يونيو/ حزيران 2014. وبتوسع نفوذ "داعش" شجعت إيران تشكيل "الحشد الشعبي" بالعراق، وتدريب مقاتليه ودعمهم بالسلاح، ما جعل معظم قرار بغداد الأمني والسياسي رهن إرادة قيادات الحشد، التي حولت أراضيه إلى ساحة للصراعات بين إيران وواشنطن. وتسعى حكومة السوداني إلى مواصلة نهج حكومة سلفه مصطفى الكاظمي، في إعادة صياغة السياسات العراقية بشكل متوازن، بعيدا عن التنافس الجيوسياسي الإقليمي أو الدولي في المنطقة والصراعات التي تشهدها لكن الضغوط الت تمارسها القوى الموالية لإيران والتي كانت وراء تعيينه لن تسمح له بتجاوز الخطوط الحمراء فيما يتعلق بالنفوذ الإيراني. ومن بين هذه الصراعات؛ الصراع بين كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ودول عربية حليفة من جهة، وإيران من جهة أخرى، التي اتخذت في الغالب الأراضي العراقية ساحة لتصفية الحسابات بين الطرفين.
مشاركة :