بأسلوب أكثر تحدياً وراديكاليةً وجرأة، استمرت الانتفاضة الإيرانية على الرغم من القمع الشديد الذي مارسته القوات الأمنية. فالتجمعات الدينية ومراسم الدفن غالباً ما تتحول إلى احتجاجات مناهضة للنظام الحاكم، ويصبح أمن الدولة عاجزاً عن الرصد والسيطرة، ناهيك عن إلقاء القبض على الشباب الذين يشوهون صور وتماثيل ترمز للنظام في جميع أنحاء البلاد، ما يوحي بأن الخوف لدى الشعب مستمر في التلاشي، في حين تزداد بارقةُ الأمل في نفوس الإيرانيين. في غضون ذلك، تستمر الخلافات الداخلية بين قادة النظام الحاكم في التفاقم بعد عجزها عن احتواء الموقف، لقد كان بالفعل إخفاقاً للمرشد الأعلى علي خامنئي، الذي اعتقد أنه يستطيع تعزيز سلطته في نظامه من خلال تنصيب شخصيات مقربة منه في مجلس الشورى (البرلمان) واختيار إبراهيم رئيسي رئيساً. في الأسبوع الماضي، عندما قدم رئيسي مشروع قانون الميزانية إلى البرلمان، تفاخر بإنجازات حكومته، وبعد بضعة أيام، وتحديداً في 31 يناير، نفى خامنئي مصداقية مزاعم رئيسي، معترفاً بـ «القرارات المتناقضة» التي اتخذت في إدارة رئيسي، حيث قال :» الآن نحن نتعامل مع بعض القرارات المتناقضة من قبل السلطة التنفيذية، إحدى المنظمات تقرر التصرف، والأخرى ترفض وتفعل العكس، ومع ذلك، يجلس كلاهما خلف نفس المكتب في جلسات الحكومة، لاينبغي أن يحدث ذلك «. وفي الثاني من فبراير، تجاهلَ رئيسي خطاب معلمه وتحدث مرة أخرى عن إنجازات مزعومة لحكومته، مثل زيادة التوظيف وخفض التضخم، بينما على العكس من هذه الإحصائيات التي لا صحة لها، يستغل رئيس مجلس الشورى محمد باقر قاليباف، كل فرصة للحديث عن الإفلاس المطلق للدولة والأزمات الاقتصادية، إذ قال في الأول من فبراير: «يجب أن ننتبه للاقتصاد، يجب ألا نسخر من الدولة». كما انضم غلام حسين محسن إيجئي، رئيس القضاء الإيراني، إلى قاليباف في الأول من فبراير للتحدث ضد رئيسي و»عجز» حكومته، قائلاً: «إذا فشلنا في معالجة المشاكل الاقتصادية ومعيشة الناس اليوم، فإن العدو يسكب الملح على جراح الناس المالية». قائمة المسؤولين الذين يلقون باللائمة على حكومة رئيسي على الوضع الحالي لا تنتهي، في 30 يناير، حاول صادق لاريجاني، رئيس مجمع تشخيص مصلحة النظام، تخليص خامنئي من الإحراج باعتباره أعلى سلطة في النظام، وقال :» في بعض الأحيان، قد تُساء إدارة النظام القوي من قبل سلطة تنفيذية ضعيفة». وإذا عدنا إلى الوراء قليلاً، كان خامنئي قد وصف رئاسة رئيسي بأنها « أجمل حدث في عام 2021 «، حيث كانت هذه آخر محاولة لتوطيد سلطته في نظامه لمواجهة الانتفاضات في نهاية المطاف. وأثارت الثورة في طور التكوين في إيران، والتي استمرت بتنظيمٍ عالي الدقة لخمسة أشهر متتالية، ضجة كبيرة في النظام وأظهرت فيه تصدّعات لايمكن معالجتها. ويقر مسؤولو النظام بعجز رئيسي عن معالجة الأزمة الاقتصادية في البلاد، لكنهم جميعاً، وقبل كل شيء خامنئي نفسه، يعلمون أن المهمة الرئيسية لرئيسي كانت إسكات المجتمع، وإلا فلماذا يتحمّل خامنئي العديد من الإدانات الدولية والمقاطعة غير المسبوقة لانتخابات نظامه من خلال إخراج شخص متهم بالقتل من صناديق الاقتراع؟ إذا تحدثت السلطات عن الكارثة المالية للبلاد وتراشقت الاتهامات فيما بينها، فإنها تحذر بالإجماع من «العدو» و «الشغب»، كما أن التأكيدات المسجلة لمسؤولي الدولة هي بمثابة دليل، فإن عدو النظام هو الشعب الإيراني ومعارضته المنظمة، مع قيام الأخيرة بدور رائد في قيادة وتوجيه الانتفاضة. وقال قاليباف في تصريحاته في الأول من فبراير :» إن العدو يتربص بنا ويحاول استغلال نقاط ضعفنا لإلحاق الضرر بهذا النظام كما رأينا في الفتن الأخيرة». وانضم إيجئي إلى قاليباف، قائلاً :» بمجرد أن يدرك العدو أننا نعمل لمصلحتنا وليس لصالح الشعب، فإنه يستفيد من هذا الزخم، لقد حاول العدو منع تحقيق أهدافنا، لقد حاولوا ذلك خلال الحرب [الإيرانية العراقية] وأنشطة ومخططات منظمة مجاهدي خلق الأخرى». كما قال رئيسي في 31 يناير:» إن مؤامرات [مجاهدي خلق] والفتن [الانتفاضات] مستمرة، العدو ينتظر استخدام أقل قدر من عدم قدرتنا ليقوم بمهاجمة وتقويض النظام». أما لاريجاني، فقد قال في هذا السياق: إنهم يستخدمون وسائل التواصل الاجتماعي ومنافذهم الإخبارية لنشر الدعاية حول أوجه القصور في النظام، مَن يقف وراء هذه الأعمال الإجرامية والشعارات المناهضة للجمهورية الإيرانية؟ إنها منظمة مجاهدي خلق. في حين قال محمد رضا شاهرخي، ممثل خامنئي في محافظة لرستان، في الأول من فبراير: «إنهم يريدون الإطاحة بالدولة المقدسة والسيطرة عليها». لقد أظهر الشعب الإيراني وحركة المقاومة المنظمة لديه استعدادهم لإقامة نظام ديمقراطي، يجب على العالم أن يتبنى هذا المطلب، وعلى الدول الغربية قطع العلاقات مع طهران ودعم حق الشعب في تقرير المصير والدفاع عن النفس في مواجهة عنف النظام المتصاعد. إن النظر إلى النظام الحاكم في إيران كنظام قوي فكرة خاطئة، حيث يُظهر الاقتتال المتزايد بين الحكومة وإخفاقها في احتواء مجتمع غاضب مدى هشاشة هذا النظام، لذلك، الأجدر بالحكومات الغربية أن تتبنى سياسة حازمة تجاه هذا النظام الذي يهدد السلم والأمن العالميين. عضو في المجلس الوطني للمقاومة الإيرانیة
مشاركة :