بينما تحتفل ليبيا بالذكرى الثانية عشرة لـ«الثورة»، التي أسقطت الرئيس معمر القذافي عام 2011، يتساءل بعض السياسيين عن مآل الجيل الذي لم يواكب اندلاع هذه الثورة، وكيف تركت الصراعات المتلاحقة آثارها في سلوكه ورؤيته وقناعاته، وما تحقق من أحلامه، وما تعثر منها لأسباب سياسية واجتماعية. بداية يرى عضو مجلس النواب الليبي، محمد عامر العباني، أنه لا أحد «اكترث بوضعية أبناء هذا الجيل، الذين فرحوا وهللوا للثورة وهم أطفال صغار، ثم سرعان ما اضطروا للتعايش والاكتواء بنيران الصراعات والاشتباكات المسلحة التي شقت طريقها للبلاد بعد هذه الثورة». وقال العباني لـ«الشرق الأوسط» إن من هذا الجيل «من فقد أباه أو أحد أشقائه في تلك الصراعات، أو من اضطر لمغادرة منزله والنزوح من مدينته، أو أصبحت أسرته جزءاً من نظام غير مرضي عنه، ففقدوا مصدر رزقهم». كما تحدث العباني، الأكاديمي السابق بجامعة الزيتونة (ناصر الأممية)، عن تداعيات معاناة هذا الجيل، وكيف رسمت ملامحها على حياته اليومية قائلاً: «بات لدينا جيل يفتقر أغلبه للقيم المعنوية، وينبهر بسطوة السلاح والمال والنفوذ، بل إن بعضه ترك التعليم في المرحلة الثانوية أو الجامعية، ومنهم من كانت كارثته أشد بسبب تأثره بأفكار (داعش) وأمثاله من تنظيمات متطرفة، سيطرت في فترة ما على بعض المدن الليبية». لكن هل انحصرت تداعيات هذه الصراعات في عسكرة هذا الجيل؟ إجابةً عن هذا التساؤل، يرى عضو مجلس النواب الليبي، عبد السلام نصية، أن «التجريف الذي يتعرض له هذا الجيل قد يكون من الصعب تطويق آثاره. وما نخشاه اليوم هو أن يغيب مفهوم الدولة والوطن عند هؤلاء الشباب، وأن تنحصر رؤيتهم وفهمهم لهذا المعنى الكبير في نطاق المعسكر؛ ونقطة التفتيش، أو الحقل النفطي الذي يضطلعون بحمايته مقابل حصولهم على راتب كبير... ومع ما تعج به تقارير الأجهزة الرقابية كل سنة، ووسائل الإعلام والأحاديث داخل أسرهم، بات الحديث عن الفساد هو السائد». علماً بأن مؤشر مدركات الفساد لسنة 2022، الذي تُصدره منظمة الشفافية الدولية، أكد أن ليبيا لا تزال في قائمة الدول العشر الأكثر فساداً بالعالم. وعلى الرغم من تأكيده أن «الذكور كانوا الطرف الأكثر تضرراً؛ بسبب إرغام بعضهم على حمل السلاح مع صغر سنهم، والزج بهم في الحروب وتعرضهم للإصابة أو الإعاقة»، فإنه يؤكد أن الفتيات «واجهن أيضاً مشكلة عدم الاستقرار والانفلات الأمني، وبالتالي حُرمن من فرص العمل». أما الناشط السياسي الليبي حسام القماطي، فيرى أن تبدد الحلم بمستقبل أكثر استقراراً وعدالة، وانتعاش اقتصادي خلال سنوات ما بعد الثورة، «دفع قطاعاً كبيراً من الشباب الصغار إلى عدم الاعتقاد بجدوى الثورة، وتحميل الثوار مسؤولية صعوبة الأوضاع المعيشة الراهنة، بل دفعهم للاعتقاد بمثالية نظام معمر القذافي». وقال القماطي لـ«الشرق الأوسط»: «مثل أي مجتمع شهد صراعات، تعاني فئاته العمرية من اضطرابات ما بعد الصدمة، وهو ما يتطلب دراسات جدية حول الصحة النفسية لهذا الجيل، في ظل حديث عن ارتفاع معدل الجريمة وانتشار المخدرات بليبيا». واستبعد «أي إمكانية لثني قطاع كبير منهم عن الانضمام للتشكيلات المسلحة، والتطلع للهجرة لأوروبا»، موضحاً: «حين يتجاوز راتب عنصر داخل بعض التشكيلات الكبيرة 1500 دولار (الدولار يساوي 5.11 دينار ليبي)، ويتمتع بسيارة فارهة، في وقت لا يزيد فيه راتب الطبيب والأكاديمي على أربعة آلاف دينار، تكون النتيجة محسومة، لذا باتوا أيضاً يطرقون كل باب يؤدي للهجرة، ويركبون قوارب الموت التي كانت في الماضي حصراً على المهاجرين غير الشرعيين». وهناك أيضاً بُعد آخر اعتبره القماطي «غاية في الأهمية والخطورة»، وهو «تراجع اهتمام الجميع، وخصوصاً الحكومات، بالثقافة والفنون خلال السنوات الماضية، وهو ما أتاح الفرصة لتغلغل أفكار تيارات الإسلام السياسي، وخصوصاً التيار السلفي، في عقول شباب هذا الجيل». وانتهى القماطي إلى أن المعالجة الحقيقية للتداعيات، التي تركتها السنوات الـ12 الماضية، تبدأ «بالإسراع في إيجاد حل سياسي لتتمكن ليبيا بشبابها المبدعين من التألق في مجالات متعددة، الذين يختفي الحديث عنهم جراء تسليط الضوء فقط على الصراعات والخلافات».
مشاركة :