هواة التاريخ يعيدون الصلة بين سكان القاهرة الفاطمية وتراثهم

  • 2/19/2023
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

القاهرة - بات بوسع سكان القاهرة الفاطمية التواصل مجددا مع تراثهم بفضل مجموعة من الشغوفين الذين ينظمون الزيارات للمقابر والمساجد والمدارس القرآنية التي كان أهل المنطقة يمرون أمامها من دون أن يتمكنوا من دخولها. وأطلقت المهندسة المتخصصة في الحفاظ على التراث مي الإبراشي منذ العام 2012 هذه المبادرة تحت شعار "الأثر لنا" التي تنظم ورشا وزيارات وحتى أمسيات للعب داخل الأماكن الأثرية مثل جامع ابن طولون أحد أقدم المساجد في أفريقيا الذي شيد قبل قرابة 1200 عام. ومن أعلى سطح بناية بحي الخليفة تطل على مئذنتي مسجدين يعودان إلى القرن الرابع عشر قالت الإبراشي "أول مرة فتحنا سبيلا كان لننظم فيه نشاطا لتعليم التراث لأولاد المنطقة والذين كانت فرحتهم كبيرة". في العاصمة المصرية تقع الآثار الفرعونية الجاذبة للسياح على الأطراف الصحراوية لضاحيتها الغربية، إلا أنه في أزقة القاهرة الإسلامية وحاراتها تتجاور المنازل والآثار بل تتلاصق. وبحسب ما يرى خبراء، فإن العلاقة بين السكان والآثار لم تكن على مستوى القرب نفسه. وأوضحت خبيرة الحفاظ على الآثار أمنية عبدالبر أنه منذ أن وضعت مصر سياسة صارمة للحفاظ على الآثار في ثمانينات القرن العشرين أغلقت المواقع الأثرية "بالضبة والمفتاح لأنها كانت أفضل طريقة يرونها للمحافظة على الأثر". وتعتقد عبدالبر أن هذه الأفكار "موروثة من القرن التاسع عشر عندما راجت فكرة أن المصريين لا يستحقون تراثهم وبالتالي لا بد من بناء أسوار حول أي أثر حتى لا يدمروه". وكانت النتيجة، وفق الأبراشي، أن الأكبر سنا كانت لهم علاقة أكبر بالتراث، إذ كانت لديهم ذكريات كثيرة فيها منذ الطفولة على عكس أبنائهم”. ولذلك حرصت مبادرة "الأثر لنا" على أن تدمج الحاضر بالماضي، ففي مسجد قديم تم تجديده أقيمت ورشة لفن الخيامية (نوع خاص من التطريز)، حيث تتولى سيدات رسم كل مظاهر الحياة في مصر بواسطة الخيوط بدءا بمآذن المساجد والكلاب الضالة وانتهاء ببائع الفلافل مرورا بأشجار المانغو ومحال تنظيف الملابس. ولفتت الإبراشي إلى أنه من خلال هذه الأنشطة التي تعيد الصلة بين الأهالي والمباني والأماكن التراثية مثل الموالد "يشعر الناس بأنهم يستفيدون من هذه الأماكن وبالتالي يشعرون بملكية التراث". ويتحدث محمد طارق البالغ من العمر 39 عاما عن صلته بإحدى هذه الأماكن التراثية، قائلا إنه في صغره كان يمر كل يوم أمام بيت "يكن" وهو منزل لأسرة ثرية شيد في القرن السابع عشر، لكنه فوجئ عندما كبر بأن الموقع تم استغلاله من قبل جزار حوله إلى مسرح للنحر. واليوم يعمل طارق في هذا المنزل يكن وينظم زيارات للمكان الذي تفوح رائحة الزهور من مشربياته التي نحتها نجارون متخصصون. ففي العام 2009 اشترى المهندس المعماري علاء الحبشي المنزل من الجزار لينقذه من أمر هدم. ويشرح هذا الأستاذ الجامعي أنه "كان يوجد 600 بيت بأفنية وهي بيوت مميزة وكان أهل الحارة يرتبطون بهذه المنازل وكان الفناء جزءا لا يتجزأ من حياتهم اليومية"، مشيرا إلى أنه لم يعد هناك سوى 24 من هذه البيوت مصنفة ضمن التراث الوطني. أما البيوت الأخرى مثل بيت يكن الذي يحوي مكتبة تشغل طابقين وتحتفظ أسقفه بنقوش خشبية من العدين المملوكي والعثماني، فليست لها أي حماية قانونية. وأضاف الحبشي بأسف "لا أحد يعرف في أي حالة توجد البيوت التي لم يتم هدمها بعد وكل يوم يُهدم بيت جديد". وتابع كانت "أفنية هذه البيوت موجهة كلها نحو الشمال الغربي لكي تستقبل الهواء البارد الآتي من البحر المتوسط وكانت تلعب دورا كبيرا اقتصاديا واجتماعيا في محيطها المجتمعي والعمراني". ولإحياء هذه المناطق لتصبح مجددا مواقع للمشاركة المجتمعية في مدينة تتآكل فيها الأماكن العامة لصالح أعمال البناء وإنشاء الطرق، يستقبل بيت يكن بانتظام ورشا فنية وحملات للتوعية بالحفاظ على التراث وحفلات مخصصة لأهل الحي. ووفق تعبير الحبشي، فإن "هذه البيوت ما هي إلا جسد بحاجة إلى روح والروح هي من يرتادها أي المجتمع" المحلي وأنشطته. وأكدت أمنية عبدالبر أن هذه البيوت "تتيح للناس أن تأتي لتشعر بالراحة والاسترخاء بعيدا من الشقق الصغيرة التي يعيشون فيها والشوارع المزدحمة التي يسلكونها". وحذر الحبشي من أن إهمال هذا النسيج العمراني قد لا يترك للكثيرين متنفسا في القاهرة الإسلامية ما قد يجعل الناس يهجرون العيش فيها. ولكن عبدالبر تفضل الحفاظ على تفاؤلها وتقول إن مبادرات مثل "أثر لنا" وبيت يكن يمكن أن تكون مساحات "مرحبة" وهي تمنح "راحة بال" لروادها، مضيفة "أتمنى أن تصبح هذه البيوت هي الحديقة العامة التي تذهب إليها الأمهات مع أبنائهن".

مشاركة :