غير لائق طبياً

  • 2/2/2016
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

حادث مروري مؤسف، غيّر مجرى حياة ماجد، خلال مهمة عمل قصيرة إلى دولة آسيوية. لم يعلم، وهو أكثر زملائه إخلاصاً وتميزاً، وأوسعهم طموحاً؛ بأن قصته ستتحول، عند نقطة لم يخترها، ولم يكن له بها يد. وبشكل سريع، وهمجي، كما كانت الحافلة التي اصطدمت بسيارته، فتركته ينزف حتى أُنقذ بدم فاسد، تتابعت أحداث حياته من سيئ إلى أسوأ، يوم كشف فحص طبي عابر أنه بات حاملاً لفيروس التهاب الكبد الوبائي (ب). حماسه ونشاطه وملاحظاته الثاقبة، لفتت نظري إليه، عندما التقيته أول مرة في مجلس عام، فكرت وأنا أستمع لأحاديثه العلمية المميزة، أن المؤسسة التي يعمل بها، لاشك، محظوظة بشاب مبدع في مقتبل العمر مثله، ولكني غير لائق طبياً، هكذا أجابني عندما سألته أين يعمل، فتركني حزيناً واجماً مشوش الفكر. لقاءات عديدة جمعتني بماجد بعدها، تحدثنا فيها عن حياته، عن أحلامه الضائعة، وتحدياته اليومية، عن مرضه المؤجل الذي يمنعه من مجرد التفكير في الزواج، عن وقت فراغ كبير جداً، سببه له فصله من العمل، عن نظرة مجتمعية قاسية يتحول فيها الإعجاب بتفرد شخصيته توجساً بعد التعرف إلى حقيقة إصابته. حالة كماجد، تجد كل الأبواب محكمة الإغلاق بشمع الوصمة، وهو أسوأ الأقفال ، لأنه درج على حرمان الموصوم من أبسط حقوق إنسانيته، من أن ينظر له باتزان خالٍ من الاتهام، وخالٍ من الشفقة، من أن يعامل بعدل، بعيداً عن إجحاف الحقوق، وبعيداً عن المغالاة بمنحها، من أن يعيش باستقلالية، ينفق مما يكسب، يشارك في الرياضة والفن والمجتمع، من أن يكون عنصراً مفيداً بعقله، بعلمه، بروحه، بتفاؤله، وبلا كثير تفكير في فيروس يحمله. بغض النظر عن أسباب انتقال عدوى الأمراض المعدية، وبغير كثير تمحيص فيما إذا كان الضحية جانياً أو مجنياً عليه، أمام إنسان قادر على العمل والعطاء، محب وخيّر، راغب في الحياة، غير زاهد في أهله ومجتمعه، علينا أفرداً ومؤسسات أن نعزل النمط السلبي في رؤيتنا لهم، أن ننظر بمحبة إليهم ونشد عضدهم، أن نضع الحلول ونوجد الظروف الملائمة لاحتياجاتهم الصحية الخاصة، أن نقبلهم كما هم بمرضهم، بخطئهم، بنقصهم، وبإنسانيتهم التي يجب أن تكون السمة الأبرز في تقييمنا لهم.

مشاركة :