لم تحصل تركيا وسوريا على استراحة منذ زلزال 6 فبراير (شباط) المدمر، فلا تزال الهزات الارتدادية تذكِّر المواطنين من حين لآخر بأجواء الرعب، وكان آخِرها تلك الهزة التي حدثت، السبت، بوسط تركيا، وكانت قوتها 5.5 درجة على مقياس ريختر. وغالباً ما تتبع الزلازل الكبيرة زلازل صغيرة تسمى «الهزات الارتدادية»، وتكون أقوى بشكل عام خلال 48 ساعة بعد الزلزال الرئيسي، ويمكن أن تستمر لأسابيع، وحتى سنوات في بعض الحالات. وعادةً ما يبدأ حجم الهزات الارتدادية بدرجة واحدة أقل من الحدث الأولي، لذلك، على سبيل المثال، إذا كان هناك زلزال بقوة 7 درجات، يتوقع علماء الزلازل أن تكون أول هزة ارتدادية قدرها 6 درجات، ولكن كان زلزال 6 فبراير مختلفاً في أنه شهد هزة ارتدادية كانت قريبة جداً من قوة الزلزال الأول (كانت قوتها 7.5 درجة، بينما كان الزلزال الرئيسي 7.8 درجة)، لذلك يميل بعض العلماء إلى تسميتها زلزالاً ثانياً وليس هزة ارتدادية. وبخلاف هذا الجدل، إن كانت هزة ارتدادية أم زلزالاً ثانياً، فإن زلزال 6 فبراير أثار عدداً كبيراً من الهزات تعدّت المائة هزة، كان أقربها هزة السبت، التي وصلت قوتها إلى 5.5 درجة، وهو ما يراه زكريا هميمي، نائب رئيس الاتحاد الدولي لأخلاقيات علوم الأرض، ورئيس اللجنة الوطنية للعلوم الجيولوجية بأكاديمية البحث العلمي المصرية، «طبيعياً». ويقول هميمي، لـ«الشرق الأوسط»: «ستظل هذه الهزات الارتدادية إلى أن تفرغ الطاقة المخزَّنة في باطن الأرض، ولا أحد يستطيع أن يتنبأ بعدد هذه الهزات ولا وقت انتهائها». ويشرح هميمي؛ وهو أستاذ أيضاً للجيولوجيا بكلية العلوم جامعة بنها، كيفية حدوثها، قائلاً: «تكون هناك طاقة مخزَّنة في باطن الأرض بسبب تحرك الكتل الصخرية وانزلاقها على بعضها البعض، وتصل تلك الطاقة إلى مرحلة لا يمكن استيعابها، فيحدث تنفيس لها يؤدي إلى الزلزال، وهذه الطاقة لا تخرج مرة واحدة، بل تظل مستمرة، مسبِّبة الهزات الارتدادية حتى يحدث تفريغ لكل الطاقة المخزَّنة». ولا تحدث هذه الهزات الارتدادية إذا كان الزلزال الأولي صغيراً جداً، لكن في حالة الزلازل الكبيرة، مثل زلزال تركيا وسوريا، فهي أمر مسلَّم به، حيث يؤدي الزلزال الرئيسي إلى حدوث تصدعات جديدة ناتجة عن الصدع الرئيسي. ويشبِّه أستاذ الجيولوجيا بجامعة بنها ما يحدث بإلقاء حجر على زجاج سيارة، حيث يمكن اعتبار مركز استقبال هذا الحجر بأنه مركز الزلزال، وإذا تُرك هذا الزجاج دون معالجة عن طريق أحد الفنيين الذي يقوم بعمل دائرة صغيرة حول المركز لتوزيع الطاقة خلال هذا النطاق الصغير، فإن الشرخ الذي أحدثه الحجر سيتمدد رويداً رويداً، وهذا ما يحدث في باطن الأرض بعد الزلزال الكبير. وغالباً ما تسبِّب الهزة الارتدادية قدراً غير متناسب من الضرر بالنسبة لحجمها، لمجرد أن المباني في حالة ضعف نتيجة الزلزال الأولي، و«هذا هو أحد الأسباب التي تجعل سلطات الدفاع المدني، بعد الزلازل الكبيرة، تتجول وتضع علامات على المباني المتضررة غير الآمنة، وتحذِّر الناس من العودة إليها»، كما يوضح هميمي.
مشاركة :