تعتبر مشكلة الانفجار السكاني من أخطر المعضلات التي تواجه العالم، وبالأخص العالم الثالث، وهناك من يعتبرها أخطرها جميعاً، وتشير بيانات الإحصاء السكاني في المملكة إلى نمو وزيادة عدد السكان بشكل مطرد وبمعدلات مرتفعة، مما قد يحدث معه انفجار سكاني متصاعد خلال السنوات المقبلة، ما ينتج عنه تحديات وصعوبات كبيرة. ونتيجة لتلك المخاطر كانت الحلول المطروحة تقوم على توعية المواطنين بأبعاد المشكلة وإلى ضرورة تحديد النسل، إلا أن نصيب هذا الأسلوب من النجاح كان محدوداً، حيث يرتبط الموضوع ارتباطاً وثيقاً بالمعتقدات الدينية والأعراف والتقاليد، الأمر الذي يجعل من الصعب معالجته. وفي هذا الصدد يقول أحد رجال الدين ما نصه "لقد ثارت في بلاد المسلمين الدعوة إلى تحديد النسل، وأدرك أعداء الإسلام خطورته، وأثره الفعال في تقليل أفراد الأمة الإسلامية، وتوهين قواها، وجعلها لقمة سائغة وفريسة سهلة يفترسونها متى أرادوا، وكيف أرادوا، فأخذوا ينادون بضرورة تحديد النسل في كثير من البلاد الإسلامية بحجة قلة الموارد فيها، وبحجة التخوف من الانفجار السكاني، وجندوا لهذه الفكرة أناساً من بني جلدتنا". ومثل هذه الآراء تعتبر أحد الأسباب الرئيسية لتعطيل وتأخير الكثير من الأنظمة والقوانين التي تعمل على معالجة المشكلات الاجتماعية والاقتصادية للبلاد، تماما مثل ما تم ترويجه عن مفاسد الانضمام إلى منظمة التجارة العالمية، فيتم التعتيم على المشكلات الحقيقية للمجتمع، فتتفاقم هذه المشكلات وتزداد، ليصبح المجتمع ضحية آراء قديمة وغير مدروسة. العديد من أفراد المجتمع لا يعلم عن الأهداف الرئيسية للسياسات السكانية وأسباب الحاجة إلى إقرارها، ولكن ما يتم ترويجه أن هذه مثل هذه السياسات تتضمن محاذير شرعية، من أبرزها ما يتعلق بالصحة الإنجابية وتنظيم الأسرة، والتي تعني دولياً "أن الحكومات يجب أن تلتزم بتوفير خدمات التوليد، والرعاية الصحية أثناء الولادة والنفاس، ثم توفير وسائل تنظيم الأسرة مع التدريب على استخدامها"، وهذا يعني خفض معدلات الخصوبة وتحديد النسل المنهي عنه شرعاً! وتحديد النسل عند بعض رجال الدين محرّم شرعاً، فقد حث النبي صلى الله عليه وسلم على تزوج الولود، وقال "إني مكاثر بكم الأمم يوم القيامة" رواه الإمام أحمد في مسنده، ولا يجوز تحديد النسل مطلقاً ولا يجوز منع الحمل إذا كان القصد من ذلك خشية الإملاق، (وَلاَ تَقْتُلُواْ أَوْلادَكُمْ خَشْيَةَ إِمْلاقٍ نَّحْنُ نَرْزُقُهُمْ وَإِيَّاكُم إنَّ قَتْلَهُمْ كَانَ خِطْئاً كَبِيراً) سورة الإسراء: آية 31، "فدل هذا على أن الرزق بيد الله سبحانه وتعالى وأن كل نفس يقدر الله لها الرزق وبكثرة النسل تكثر الأرزاق والإنتاج ويكثر العاملون". ولهذا في نظر البعض فإن القول بتحديد النسل أو منع الحمل دعوة تهدف إلى الكيد بالمسلمين لتقليل عددهم، حتى تكون لهم القدرة على استعمار البلاد واستعباد أهلها والتمتع بثروات البلاد الإسلامية، وحيث "إن في الأخذ بذلك ضرباً من أعمال الجاهلية وسوء ظن بالله تعالى وإضعافاً للكيان الإسلامي المتكون من كثرة اللبنات البشرية وترابطها". والتفسير السابق لنصوص القرآن والسنة عبارة عن فهم بشري متأثر بمسبوقات ذهنية تتأثر بالبيئة وظروف المكان والزمان، وإلا كيف يفسر رجال الدين الحديث الشريف: "قال رسول الله صلى الله عليه وسلم يوشك الأمم أن تداعى عليكم كما تداعى الأكلة إلى قصعتها فقال قائل ومن قلة نحن يومئذ.. قال بل أنتم يومئذ كثير ولكنكم غثاء كغثاء السيل"، فالكثرة هنا لا تنفع وشبهها النبي بغثاء السيل الذي لا يستفاد منه، كما أن الآية الشريفة التي تتعلق بالنهي عن قتل الأولاد خشية الفقر لا تتعلق بتنظيم وتحديد النسل وإنما بقتل الأطفال الموجودين على قيد الحياة من الأساس، ولا تتعلق بتحريم تحديد النسل، وإلا لماذا أباح الفقهاء "حبوب منع الحمل" للمرأة؟ أما فيما يتعلق بالقول إن تنظيم النسل يتنافى ويتعارض مع التوكل على الله وضمان الرزق للناس، فإن ذلك لا يعدو أن يكون أخذاً بالأسباب مع التوكل على الله، شأن المسلم في كل أعماله، فبذل السبب لا يناقض التوكل، بل هو مطلوب كما في الحديث الشريف "اعقلها وتوكل" رواه ابن حبان والترمذي. هذا فيما يتعلق من الناحية الدينية، أما من الناحية الاقتصادية والاجتماعية فيشير أحد الباحثين إلى أن الدول النامية تسهم بالنصيب الأوفر في زيادة أعداد السكان ولا تواكبها زيادة في إنتاج السلع والخدمات أو الموارد الاقتصادية، مما زاد الوضع تردياً بانتشار السكن العشوائي، وازدياد معدلات الجريمة وتلوث البيئة وزيادة الضغط على الخدمات العامة على شحّها. وقد يعترض معترض هنا ويقول: "هناك الكثير من الأمثلة التي توضح أن زيادة عدد السكان تؤدي إلى زيادة الإنتاج، فاليابان مثلاً اعتمدت في تنميتها على مواردها البشرية لدرجة كبيرة، بالرغم من شح مواردها الطبيعية، وتمكنت من غزو العالم بمنتجاتها وابتكاراتها ونافست أعرق الدول في الصناعة، بينما نجد بعض الدول الأخرى تنظم حملات لتحديد النسل وأنفقت الأموال الطائلة عليها ولم تحقق النتائج المطلوبة"! وأقول: هناك فرق بين زيادة عدد السكان وتنمية الإنسان، كما أن اليابان التزمت هي نفسها بالوثيقة السكانية ووضعت سياسات لتحديد النسل، كما أن الأسرة اليابانية تلتزم بذلك بغية توفير حياة أفضل لأبنائها. يقول الاقتصاديون إن الموارد البشرية تعتبر موارد اقتصادية عندما تنتج، وهي قابلة للتطوير والتنمية من خلال التعليم والتدريب فضلاً عن التغذية والرعاية الصحية، وزيادة أعداد السكان قد تؤدي إلى اختلال التوازن بين الموارد البشرية والموارد الطبيعية مما يؤدي إلى الأزمات الاقتصادية، والسؤال: هل تتم إعادة التوازن بتخفيض أعداد السكان أم بزيادة الموارد الطبيعية؟ ومثل هذه الأسئلة تجيب عنها السياسات السكانية من أجل حياة أفضل للناس.
مشاركة :