تاريخ عريق.. وقادة عظام

  • 2/22/2023
  • 00:00
  • 1
  • 0
  • 0
news-picture

تعد الذاكرة بمستواها الجمعي، العامل الأهم، والمعين الأساس الذي تصدر عنه ثقافات الأمم وتطلعاتها، إذ الفكر بطبيعته لا يستطيع أن يؤسس لمعرفة، أو يكوّن رؤية إلا بالاستناد إلى مرجعية ينطلق منها في جميع مساراته، ولو تأمل الفرد الذي هو اللبنة الأساسية للمجتمع، عاداته وثقافته وأفكاره لوجدها ملتبسة أشدّ الالتباس بما اختزنه ذهنه وحفظه عقله أول الأمر، والحال نفسه منطبق على المجتمعات والأمم، بل الشأن فيها أهمّ وأعمق تأثيراً، وأشد خطراً، حيث التأثير فيها يمتد بالضرورة إلى جميع أفرادها دون استثناء، فالإنسان -كلُّ إنسان- ابن بيئته، وربيبُ مجتمعه وصنيعة الثقافة المحيطة به، الأمر الذي يجعل الاهتمامَ بالمجتمع أولى، وبذاكرته على الوجه الأخص؛ فهي شرط حياته وحضارته وتقدمه ونهضة أفراده، وأما دونها فإنه لا يصبح المجتمع دائراً في الفراغ مفتقرًا للتاريخ والهوية فحسب، وإنما عرضة يتلقفه الآخرون ويُمْلُون عليه تاريخهم وسردياتهم الثقافية التي لا تنتمي له ولا ينتمي إليها، وإنما يتم توظيفها لأغراض مشبوهة. وفي هذا المعنى تكمن أهمية الاحتفاء بهذا اليوم العظيم، الذي يعود بنا إلى اللحظة التاريخية التي وضع بها الإمام محمد بن سعود طيب الله ثراه اللبنة الأولى، وإذن ببداية المسيرة، بعدما كانت الجزيرة العربية تموج بالفقر والشتات والفرقة، قد أحاط بها الخوف وأقض مضجعها، وأظلتها ظلمة الجهل التي كادت أن تطبق على كل أرجائها، فاستنقذها الله به، مُوحداً لشتاتها، وجامعا لفرقتها، وناظما لتنوعها وثراء اختلافها، حتي استقامت له صرحاً عظيماً لا يزال أبناؤه يتفيأون ظلاله، وبناءً شامخاً عصياً على الحوادث والأعداء. وإننا إذ نقف عند هذه الذكرى العظيمة، ليجدر بنا الوعي بمضامينها المهمة، والاعتبار بمعانيها القيمة، وتلمس أثرها في النفس، إذ تحيي هذه الوقفة في النفس ذاكرة الانتماء لهذه المسيرة المجيدة، فهي تاريخنا وذاكرتنا التي صنعت وجودنا الوطني، وهويتنا التي نعتز ونفاخر بها، ونستحضرها في واقعنا الحاضر ومستقبلنا المنشود. تلك الهوية التي تنتمي بنا لهذه المسيرة الممتدة لأكثر من ٣٠٠ سنة، وهي تمضي في طريق البناء والنهضة والحضارة، لم تعقها الحوادث والعوادي ولا الخصوم والأعداء، بل سرعان ما بطل كيدهم، وانتهى أمرهم، وبقيت المسيرة ثابتة قوية ماضية بحكمة قادتها، وسواعد أبنائها، حتى أصبحت على ماهي عليه الآن من مجد وسؤدد، وتطلع لمستقبل أكثر تطوراً وازدهاراً، إنها مسيرة طويلة شاقة، بَيْدَ أنها تبعث في النفس شعوراً غامراً بالعزة والانتماء حينما ندرك أنها لم تجتز تلك الصعوبات والمعوقات بقوة عتادها وعدتها، فقد كان خصومها أشد منها قوة مادية، ولكنها انتصرت بقوة الحق وسلطانه، وإيمانها العميق بمبادئ العدل والإنصاف، مع نفاذ بصيرة قادتها وسداد رأيهم. تلك الهوية التي تنتمي بنا لقادة عظام وسادة كرام، هم قادة المسيرة وحكامها وحكمائها، كابر عن كابر، لم يألوا جهدا، ولم يدخروا عزيمة في السعي بهذا الوطن إلى مراتب العلا، ومراقي المجد، حتى أضحى شامة في جبين الدهر. إنه يوم التأسيس، اليوم الذي يسترجع فيه (السعوديون) ذاكرتهم الوطنية العظيمة، وتاريخهم العريق، وقادتهم العظام، بشعور ملؤه الانتماء والولاء والفخر والاعتزاز بتلك المسيرة المجيدة.. حمى الله البلاد، وحفظ لها قادتها، وأبقى ذاكرة الوطن حية بأيامه المشهودة.

مشاركة :