بثت في صدور أبناء الوطن، الحماس والشجاعة، وشحذت هممهم ليتحدوا صفا واحدا في سبيل توحيد البلاد، "نخوة العوجا" .. نخوة الدولة السعودية، التي لا زالت تردد إلى يومنا هذا، لقيمتها الأخلاقية والاجتماعية، وأصبحت عنصرا أصيلا في أهازيج الوطن. وعرفت "النخوة" بأنها ذلك النداء المرتبط بمجتمع أو دولة ليبث في أهلها الحماسة والفخر، فيما يقصد بـ "العوجا"، الدرعية التي تقع على امتداد وادي َحنيفة بطبيعته المتعرجة، يقول أحد الشعراء: حنا أهل العوجا وحنا اللي نرد الضديد والطايلة يحظى بها من عز طاروقها وهنا يتأهب الجنود للقاء العدو وتبدأ مسيرة التهيئة التي تسبق المعركة لكي يدب الرعب في نفوس الأعداء عبر "العرضة السعودية"، بإظهار الكثرة العددية أمامهم وتخويفهم بأصوات قرع الطبول، وشحذ الحماسة والبسالة للمقاتلين، ورفع الروح المعنوية لديهم بترديد القصائد الحماسية. قديما في 1178 هـ | 1765 م في عهد الإمام محمد بن سعود "رحمه الله" مؤسس الدولة السعودية الأولى، أثناء هجوم عريعر بن دجين زعيم الأحساء، ومعه دهام بـن دواس أمير الرياض على الدرعية، واشتداد الأمر على قوات الدولة السعودية، الذين أحسنوا البلاء فـي الصمود والتصدي، وعزم الأمير عبدالعزيز بن محمد علـى رفع معنويات الفرسان المقاتليـن، فأمر في آخر مطلع النهار بإقامة العرضة خارج السور، فأثار ذلك روح الحماسة والشجاعة في نفوس المقاتلين، فقلبت بذلك موازين القتال، وأصبح النصر حليفا لهم وألحقوا بالمعتدين شر هزيمة. و"للعرضة" تأثير فعال في إثارة روح الحماسة والشجاعة في نفوس الفرسان المقاتلين، فكانت تقام قبل التوجه إلى ساحة المعركة في نقطة تجمع يلتقي فيها المقاتلون مع قائدهم الذي يسـتعرض جنده، ليتفقدهم ويتأكد مـن جاهزيتهم لخوض غمار المعركة، وليبعث فيهم روح الاعتزاز والحمية، وتقام بعد ذلك العرضة في صفوف ذات أداء مهيب متزن يثير العزائم ويحيي مشاعر الشـجاعة والتفاني فـي نفوس المقاتليـن، كما كان لها حضور بعـد عودة المقاتلين منتصرين، فتقـام من أجلهم العرضة احتفـالا واعتـزازا بنصرهـم. و"العرضة" في الأصل ما هي إلا "رقصة حربية" تثير عزائم المقاتلين، وهي صورة من صور التلاحم بيـن القائد وشعبه، يؤديها الفرسان أمامه مظهرين بذلك حبهم لأرضهم، ومدى انتمائهم واعتزازهم بها ووفائهم وإخلاصهم لقائدهم، حيث تضمنت العرضة القصائد البطولية التي تعرض أمجاد القادة وإنجازاتهم، وتضحيات الآباء وبطولاتهم واستبسـالهم للدفاع عـن أراضيهـم والتغنـي بالانتصارات. وكان الفارس يشارك فـي أداء عرضة الخيـل، مـن خلال عرضه على صهوات الجياد، وتسمى "بالحدوة" ويعود اسمها فـي الأصل إلى حداء الخيل، حيث ينفرد الفارس في بدء تلك العرضة، وهو يحدو على صهوة جواده، بهدف تعريف نفسه، متجاذبا الأصوات مع الفرسان الآخرين بفخر وحماسة، ويطلق عليه "الحادي" ثم ينضم بعد ذلك إلى صفوف العرضة ويشاركهم وهو على صهوة جواده. وتسـتهل العرضة، "بالحوربة" وهو النداء لبدء العرضة، ويطلق عليها كذلك "البيشنة" أو "الشوباش" حيث ينادي أحد مؤدي العرضة (المحورب) بصوت مرتفع، ويكـون محمولا على أكتاف الرجال، ليصل مدى صوته مسامع الجميع، مسترسـلا ببيت أو بيتين، ولا تزيد على ثلاثة مـن الشـعر الحماسي، يستحثهم فيها على الحضور، وبدء العرضـة. وبمجـرد سماع الحـوراب وارتفاع النداء معلنا بدء العرضة، يبدأ المشاركون في العرضة بتنظيم الصفوف مشكلين صفين متقابلين، ويكون متوسط عددهم من 40 إلى 50 عارضا، ويكـون الصف متزنا لا يسوده أي خلل، متماسكين بأيدي بعضهم بعضا، ويقومون "بالنز" وهو التمايل والاهتزاز يمينا وشـمالا، ويستمرون إلى حين نزول المحورب وإلقائـه الشطر الأول من البيت، ومـن ثـم يردده الصف الذي من خلفه بالتناوب مع الصف الآخر، ثم يلقي الشطر الثاني من البيت ويردد كل صف البيت الشعري ترديدا جماعيا موحدا وتسـتمر هكذا على النسق نفسه، ومن ثم يبدأ قرع الطبول وتتراقص الصفوف بثني الركب يمينا وشمالا حاملين في أيديهـم السيوف متمايليـن بهـا. وحينما يسـمع بيت يتضمن الفخر والحماسة يرفع أصحاب الصف سيوفهم أعلى من مستوى الرأس مصحوبا ذلك برفع الصوت إلى أقصى ما يمكن، وتارة يضعون السيوف على أكتافهم، ويجري ذلك وفق اتساق جماعي تام فيما بينهـم، ومن أشهر قصائد العرضة السعودية هذه الأبيات التي لازالت تغنى حتى اليوم : مني عليكم يا هل العوجا سلام واختص أبو تركي عمى عين الحريب يا شيخ باح الصبر من طول المقام ياحامـــي الوندات يا ريف الغريب اضرب على الكايد ولاتسمع كلام العز بالقلطات والراي الصليب لو إن طعت الشور يا الحرالقطام ما كان حشت الدار واشقيت الحريب
مشاركة :