تحدث وزير الخارجية الصيني في مؤتمر ميونِخ الأخير، وقال إن بلادَه لم تقف مكتوفة الأيدي إزاء الحرب في أوكرانيا، وإنها لن تصب الزيت على النار هناك، وأضاف: «ستنشر الصينُ وثيقةً توضِّح موقفَها من تسوية النزاع، وستنص الوثيقةُ على وجوب احترام وحدة أراضي جميع الدول»، واقترح أن يبدأ الجميعُ التفكيرَ بهدوء وخاصةً الأصدقاء في أوروبا، بشأن الجهود التي يمكننا بذلها لوقف الحرب. ثم قال: «هناك بعض القوى التي يبدو أنها لا تريد نجاح المفاوضات أو انتهاء الحرب قريباً». وذكر الوزير الصيني أنه سيذهب إلى موسكو، بعد انتهاء اجتماعات ميونِخ، للتحدث مع الروس. كما تناثرت تصريحات عن نية الرئيس الصيني إلقاء خطاب في الذكرى الأولى للحرب يدعو فيه للسلام دون إدانة روسيا. وفي الوقت نفسه شاع الحديث عن وساطة صينية في الحرب. وقد حافظت الصين على موقف متوازن نسبياً منذ البداية، إذ لم توافق على العملية العسكرية الروسية ولم تدنها، وإنما امتنعت عن التصويت على مشروع القرار الذي أدان العملية، كما لم تشارك في فرض العقوبات على روسيا، وعبّرت مراراً عن ضرورة تفهم الهواجس الأمنية لجميع الدول. ومع ذلك فلا يخفى أن هذا الموقف يَصبُّ لصالح روسيا، إذ حافظت بكين على وتيرة علاقاتها الدبلوماسية والاقتصادية مع موسكو، بل وعمّقتها بزيادة مشترياتها من البترول والغاز الروسيين، ناهيك بإجراء مناورات عسكرية مشتركة مع روسيا ودوّل أخرى. ونتذكّر البيان المشترك الروسي الصيني الذي صدر قبل بدء العملية الروسية بأيام، والذي مثَّل ما يشبه «مانيفستو» لهذه العملية. والواقع أن الموقفين الروسي والصيني من النظام العالمي وضرورة إنهاء نموذج قيادته الأحادية شبه متطابقين.. فما هي فرص نجاح «الوساطة الصينية» إن وُجدت؟ معلوم أن الوسيط الناجح يجب أن يكون مقبولاً من طرفي الصراع، ولكي يكون كذلك لا بد أن يتسم موقفه بالحياد. ونظرياً يمكن القول بأن الموقف الصيني تتوفر فيه هذه الصفة، لأنه لم يؤيد العملية العسكرية الروسية ولم يُدِنْها، لكنه صبَّ دون شك في صالح موقف روسيا لأنه لم يكن جزءاً من منظومة العقوبات التي فُرِضَت عليها، وهو ما يُقلل من هذا الحياد، ومع ذلك فثمة تشابه بينه وبين موقف تركيا التي تختلف عن الصين في كونها أدانت العملية العسكرية الروسية، لكنها تتفق معها في كونها لم تشارك في العقوبات واستمر تعاونها اقتصادياً وسياسياً مع روسيا، ناهيك بعضويتها في حلف «الناتو» التي تجعلها أكثر قبولاً لدى الغرب بكثير رغم التحفظ على بعض مواقفها. وهكذا مارست تركيا وساطات، منها ما فشل كالوساطة في تسوية الحرب الأوكرانية نفسها، ومنها ما نجح كالوساطة في قضيتي الحبوب والأسرى. لكن يُضاف إلى الأوراق التي تملكها الصين قدرتُها على التأثير على موقف روسيا، مع أنه تأثير لا يمكن أن يصل إلى حد إغضابها لأن مصلحتهما مشتركة. غير أن ثمة صعوبة حقيقية أخرى لا تعترض الوساطة الصينية فحسب، وهي التناقض التام بين أهداف طرفي الصراع والاحتقان الحاد الذي أكدته مؤخراً زيارة بايدن لأوكرانيا وخطاب بوتين الأخير. وقد تكون الفرصة الوحيدة لنجاح الوساطة الصينية أن تكون روسيا بحاجة إلى مخرج من الصراع، وهو ما لا توجد شواهد أكيدة عليه حتى الآن. *أستاذ العلوم السياسية -جامعة القاهرة
مشاركة :