بكين - طرحت الصين مبادرة لتسوية سلمية للأزمة بين موسكو وكييف، محذرة في الوقت ذاته من الانزلاق إلى استخدام السلاح النووي، فيما تأتي مبادرتها بينما تطوي الحرب عامها الأول محدثة شرخا عميقا في العلاقات الدولية ومؤججة الصراع بين المعسكرين الشرقي والغربي كما أعادت تشكيل سوق الطاقة العالمي مثيرة أزمة في إمدادات الغذاء للعالم، بينما لا تبدو في الأفق نهاية لأحد أسوأ النزاعات العالمية مع تحوله (النزاع) إلى حرب بالوكالة بدت واضحة من خلال الدعم الغربي السخي المالي والعسكري لأوكرانيا ويقدر مسؤولون عسكريون غربيون عدد الضحايا على جانبي أكبر صراع في أوروبا منذ الحرب العالمية الثانية بأكثر من مئة ألف بين قتيل وجريح. وقُتل عشرات الآلاف من المدنيين أيضا وفر الملايين تحت وطأة القتال. ونشرت الحكومة الصينية اليوم الجمعة بمناسبة مرور عام على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا، مقترحا مكوّنا من 12 بندا دعت فيه كلا من موسكو وكييف إلى إجراء محادثات سلام في أسرع وقت ممكن، محذّرة من استخدام السلاح النووي ومطالبة بتجنّب استهداف المدنيين. وقالت وزارة الخارجية الصينية في وثيقة بعنوان "موقف الصين من التسوية السياسية للأزمة الأوكرانية" إنّه "ينبغي على جميع الأطراف دعم روسيا وأوكرانيا للتحرّك في نفس الاتّجاه واستئناف الحوار المباشر بينهما في أسرع وقت ممكن". وأضافت في الوثيقة التي نشرتها على موقعها الإلكتروني "ينبغي عدم استخدام الأسلحة النووية وينبغي عدم خوض حروب نووية. ينبغي الوقوف ضدّ التهديد بالسلاح الذرّي أو اللجوء إليه"، داعية إلى تجنب أيّ هجوم على المدنيين أو المنشآت المدنية. ولفتت إلى أنه "ينبغي على أطراف النزاع الالتزام الصارم بالقانون الإنساني الدولي وتجنّب مهاجمة مدنيين أو منشآت مدنية". وشددت البنود على ضرورة احترام سيادة كافة الدول وتطبيق القانون الدولي بشكل موحد والتخلي عن المعايير المزدوجة كما أشارت إلى أهمية "نبذ عقلية الحرب الباردة" مع احترام المصالح المشروعة والمخاوف الأمنية لجميع البلدان ومعالجتها بشكل مناسب. ووضعت الأزمة الأوكرانية بكين في موقف حرج، فالصين الحليفة الوثيقة لروسيا لم تدعم أو تنتقد علنا الغزو الروسي لأوكرانيا، لكنّها أعربت مرارا عن دعمها لموسكو في مواجهة العقوبات الغربية وشدّدت على وجوب مراعاة المخاوف الأمنية الروسية ودعت في المقابل مرّات عدة إلى احترام وحدة أراضي أوكرانيا. وقالت الولايات المتّحدة هذا الأسبوع إنّ الصين تعتزم إمداد روسيا بالأسلحة لدعم هجومها في أوكرانيا، في تهمة سارعت بكين إلى نفيها، فيما أعلن وزير الخارجية الصيني تشين غانغ أنّ بلاده "قلقة للغاية" من النزاع الدائر في أوكرانيا والذي "يتفاقم بل يخرج عن السيطرة". وتشهد العلاقات بين روسيا والصين تناميا متصاعدا، مما عزز مخاوف حلف شمال الأطلسي "الناتو" بشأن إمكانية تقديم بكين دعما "عسكريا" لموسكو في الحرب الدائرة. وقال الأمين العام لحلف الناتو ينس ستولتنبرغ الثلاثاء الماضي إن هناك "قلقا متزايدا" بشأن اعتزام الصين "تسليح روسيا ودعمها في الحرب" الدائرة في أوكرانيا. وأضاف في مؤتمر صحفي عقده في العاصمة البلجيكية بروكسل: "الرئيس بوتين هو من بدأ حرب الغزو الإمبريالية هذه وهو من يستمر في تصعيدها ويتزايد قلقنا أيضا من احتمال أن تكون الصين تخطط لتقديم دعم فتاك للحرب الروسية". في غضون ذلك، أوضح وزير الخارجية الصيني وانغ يي عقب لقائه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في العاصمة الروسية موسكو أن العلاقات بين روسيا والصين "ليست موجهة ضد دول ثالثة". وأكد حلف شمال الأطلسي "الناتو" اليوم الجمعة أنه "مصمم على مساعدة أوكرانيا" على التصدي للغزو الروسي، معتبرا أن موسكو "لم تتمكن من كسر عزيمة الشعب الأوكراني" مع مرور عام على بدء الهجوم. وأعلن أن على روسيا أن توقف "فورا" هذه "الحرب غير القانونية" التي انعكست على إمدادات المواد الغذائية والطاقة في العالم، مطالبا بمحاسبة موسكو على "جرائم الحرب" المرتكبة في أوكرانيا. بدوره قدم الاتحاد الأوروبي مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 3.6 مليارات يورو، بغية مواجهة الحرب الروسية المستمرة منذ عام، فيما أرسلت العديد من الدول الأوروبية آلاف الأسلحة والذخائر إلى أوكرانيا. ورغم أن الاتفاقيات والمعاهدات المؤسسة للاتحاد الأوروبي تحظر استخدام الميزانية العامة لتمويل العمليات العسكرية، استخدم الاتحاد "صندوق السلام الأوروبي" لتمويل صفقات السلاح لأوكرانيا وتدريب جيشها. وبعد يومين من بدء الحرب الروسية، قرر الاتحاد الأوروبي تقديم أول حزمة مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 500 مليون يورو. وأرسلت ألمانيا 500 صاروخ مضاد للطائرات من طراز "ستينغر" و2700 صاروخ آخر من طراز "ستريلا" إلى جانب 6000 ذخيرة دبابة بالإضافة إلى العديد من أنظمة الدفاع الجوي أبرزها منظومة باتريوت وصواريخ "إيريس - تي" وطائرات استطلاع مسيرة وعربات مضادة للألغام ومنظومات مدفعية متحركة. ومن المنتظر أن ترسل 14 دبابة قتال رئيسية من طراز "ليوبارد 2 إيه 6" إلى أوكرانيا بنهاية مارس/ آذار المقبل. كما أرسلت فرنسا مساعدات عسكرية إلى أوكرانيا بقيمة 550 مليون يورو، شملت أحزمة واقية، ومناظير ليلية، ومساعدات طبية، وتقديم دروات تدريب لجنود أوكرانيين، بينما أرسلت هولندا 200 صاروخ مضاد للطائرات من طراز "ستينغر"، و50 قذيفة مضادة للدروع، وصواريخ جو- جو من طراز "إيه آي إم-120 أمرام" بقيمة 15 مليون يورو، وعدد غير محدد من صواريخ هاربون المضادة للسفن. وأعلنت هولندا أنها سترسل ما لا يقل عن 100 دبابة ألمانية من طراز "ليوبارد 1" وستساهم في تدريب الجنود الأوكرانيين على استخدامها، أما إيطاليا فقدمت مساعدات عسكرية لأوكرانيا بقيمة 450 مليون يورو تضمنت أنظمة مدفعية وصواريخ مضادة للدروع وقذائف هاون عيار 120 ملم وناقلات جند مدرعة، كما قررت إيطاليا إرسال منظومة دفاع جوي من طراز سامب تي إلى أوكرانيا. من ناحيتها، أرسلت إسبانيا منظومات دفاع جوي من طراز "هوك" و"أسبيد" وعددا غير محدد من ذخائر المدفعية و22 مركبة عسكرية خفيفة و30 سيارة إسعاف. وألقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي خطابا قاتما للشعب اليوم الجمعة في الذكرى الأولى للغزو الروسي الشامل لبلاده قائلا بنبرة تحدي "سنهزم الجميع". وقال في الخطاب الذي استمر 15 دقيقة "في مثل هذا اليوم قبل عام ومن نفس المكان في حوالي السابعة صباحا توجهت إليكم بخطاب مقتضب لم يتجاوز 67 ثانية"، متابعا "نحن أقوياء ومستعدون لأي شيء سنهزم الجميع. هكذا بدأ الأمر في 24 فبراير/شباط 2022.. أطول أيامنا وأصعب الأيام في تاريخنا الحديث. لقد استيقظنا مبكرا ولم ننم منذ ذلك اليوم" وحالت القوات الأوكرانية دون تحقيق روسيا نصر سريع مبكر في 2022 وأصبح الصراع الذي تصفه موسكو بأنه "عملية عسكرية خاصة" حرب خنادق طاحنة في الشرق والجنوب، بينما لا يبدي أي من زعيمي البلدين إشارة على التراجع لذا لا تلوح في الأفق نهاية للصراع في أي وقت قريب. وأعلن البيت الأبيض الخميس أنّ واشنطن ستقدّم لكييف حزمة جديدة من المساعدات العسكرية بقيمة ملياري دولار وذلك عشيّة مرور عام على بدء الغزو الروسي لأوكرانيا. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جيك ساليفان لشبكة "سي إن إن" الإخبارية إنّ "الولايات المتحدة تعلن اليوم عن مساعدات عسكرية إضافية لأوكرانيا بقيمة ملياري دولار" ولم يذكر تفاصيل عن هذه الحزمة الجديدة. ولفت المسؤول الكبير الذي رافق الرئيس جو بايدن في زيارته المفاجئة إلى كييف هذا الأسبوع إلى أنّ الإدارة الأميركية تبحث باستمرار عن سبل "تزويد أوكرانيا الأدوات التي تحتاجها للانتصار" على روسيا، مضيفا أنّ بايدن وعد نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عندما التقاه في كييف بـ"مزيد من المدفعية والمزيد من الذخيرة والمزيد من راجمات هايمارس". ودعت الجمعية العامة للأمم المتحدة مرة أخرى في قرار يوم الخميس إلى انسحاب القوات الروسية من أوكرانيا، حيث صوت 141 عضوا من أعضائها وعددهم 193 عضوا لصالح إدانة الغزو الروسي في عشية الذكرى الأولى لإنطلاقه. وبرغم أن القرار غير ملزم إلا أن التصويت في أكبر هيئة بالأمم المتحدة ينظر إليه باعتباره اختبارا عالميا للرأي بشأن الحرب التي شنتها روسيا ضد جارتها. وباستثناء 32 دولة امتنعت عن التصويت، صوتت ضد القرار ست دول فقط، هي بيلاروس وكوريا الشمالية وإريتريا ومالي ونيكاراجوا وسوريا، إلى جانب روسيا. وأعرب زيلينسكي عن امتنانه للدول التي أيدت القرار الذي وصفه بـ"الحاسم". وألقت الحرب الروسية الأوكرانية بظلالها الثقيلة خلال هذه الفترة على أسواق الطاقة الأوروبية، خاصة قطاع الغاز الطبيعي الذي أعاد تشكيل الأسواق من جديد. وفي الوقت الذي كانت اقتصادات الدول تحاول التعافي من آثار جائحة كورونا، شهد صيف 2021 حدوث خلل في التوازن بين العرض والطلب داخل أسواق الطاقة العالمية، لتأتي الحرب الروسية الأوكرانية وتعمّق الأزمة. وردا على العقوبات الأوروبية المفروضة عليها بسبب الحرب على أوكرانيا قررت روسيا تقليص حجم تدفقها من الغاز الطبيعي لدول أوروبا، عبر تعليق الإمدادات من عدة قنوات أبرزها "نورد ستريم 1". ودفعت هذه الخطوة الروسية بالاتحاد الأوروبي إلى البحث عن بدائل للغاز الروسي وضمان ملئ مخزونها قبل دخول الشتاء واتخاذ تدابير أخرى تحد من تبعات تقليص الغاز الروسي. جميع هذه التطورات أدت إلى ارتفاع أسعار الغاز الطبيعي لمستويات قياسية لم تشهدها من قبل. مؤشرات مركز "TTF" المرجعي وهو مؤسسة تعنى بتداولات الغاز الطبيعي في هولندا وبمنزلة "بورصة الغاز" وتشكّل أسعاره مرجعا للتبادلات في أوروبا، كانت خير دليل على ما شهدته أسواق الغاز الطبيعي في أوروبا. ففي الوقت الذي كانت فيه أسعار عقود الغاز الآجلة بواقع 30 يورو للميغاوات/ساعة خلال سبتمبر/أيلول 2021 ارتفع الرقم إلى 346 يورو للميغاوات/ساعة في أغسطس/آب 2022. وفي 23 فبراير/شباط 2022، أي عشية اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، كانت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا تناهز 87 يورو للميغاوات/ساعة، لكنها اليوم عادت للتراجع إلى متوسط 55 يورو. بقاء مخازن الغاز الطبيعي الأوروبية في مستويات أعلى من المتوقع والظروف الجوية المعتدلة، أدى إلى انخفاض الطلب على الغاز، الأمر الذي حال دون تفاقم أزمة الغاز في أوروبا خلال موسم الشتاء الحالي. المحاولات الأوروبية لكسر التبعية للغاز الروسي وتعزيز استثماراتها في البنى التحتية لهذا النوع من الطاقة كانت بمثابة تطورات هي "الأولى" من نوعها في أسواق الطاقة. وكنتيجة لهذه التطورات انخفضت واردت الغاز الأوروبية من روسيا بنسبة 76 في المئة خلال سنة واحدة. وفي معرض تعليقها، قالت آنا ماريا جالر ماكاريفيتش، محللة أوروبا لدى معهد اقتصاديات الطاقة والتحليل المالي (IEEFA) للأبحاث، إن 40 في المئة من واردات الغاز الأوروبية كانت من روسيا قبل اندلاع الحرب، مضيفة أن أوروبا حاولت تقليص تبعيتها لروسيا بهذا الخصوص، الأمر الذي دفعها لزيادة وارداتها من الغاز الطبيعي المسال بنسبة 60 بالمئة، خلال الفترة الماضية. وشددت ماكاريفيتش على أن زيادة أوروبا وارداتها من الغاز المسال أدى إلى ارتفاع أسعار هذا المنتج إلى مستويات قياسية وتابعت: "الغاز الطبيعي المسال بات قطاع باهظ الثمن، وخطير ومتلاعب".
مشاركة :