يُعرّف الباحثون الخيال العلمي بأنه الخيال الممزوج بالحقائق العلمية والرؤية التنبئية، وهو تخمين واقعي للأحداث المستقبلية المحتملة، أُسس على معرفة كافية بالعالم الخارجي والماضي والمستقبل وفهم الطريقة العلمية، كما أنه مصالحة بين الأدب والعلم اللذين اعتقد كثيرون أنهما متعارضان، لأن أحدهما يقوم على الخيال، والآخر يقوم على التجربة والاستقراء. يمكن القول إن الانطلاقة الحقيقية لروايات الخيال العلمي بدأت في عام 1818م حين نشرت ماري شيلي روايتها فرانكنشتاين، لكن الخيال العلمي الجاد بدأ مع كتابات الفرنسي جول فيرن، في منتصف القرن التاسع عشر، وكذلك هـ.ج.ويلز المعاصر له. وكانت تلك الكتابات تصنف من باب القصص العلمية، أو قصص المغامرات العلمية، ولم يُعتمد مصطلح الخيال العلمي حتى جاء هوجو جرنسباك، الذي أسس لهذا المصطلح في أول مجلة صدرت في مجال الخيال العلمي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1926 بعنوان قصص مدهشة، ثم توالت إصدارات المجلات المتخصصة بعد ذلك. لعل أمريكا نالت السبق في هذا المجال في ثلاثينات وأربعينات القرن العشرين، فازدهر الخيال العلمي الأمريكي، وربما تفوّق على آداب عالمية مشابهة، بسبب الاعتناء الظاهر بالدوريات والمجلات المتخصصة التي ساعدت على انتشار هذا النوع الأدبي لرخص ثمنها وكثرتها، فمع بدايات الثلاثينات من القرن الماضي كانت هناك 40 مجلة متخصصة في الولايات المتحدة تنشر مئات المواضيع والقصص المتعلقة بالخيال العلمي في جميع أنحاء البلاد، نذكر منها: قصص عجائب العلم وقصص عجائب الهواء وحكايات غريبة وكل القصص وقصص العلم الفائق والمجرة، وغيرها. هذه المجلات كانت ذات أثر لدرجة تخصيص جائزة سنوية في أدب الخيال العلمي سميت باسم هوجو، ومن بعد ذلك جائزة نيبولا، وشهدت الفترة من 1926م حتى أوائل الخمسينات، أيضاً العديد من المجلات البريطانية الكبرى، فصدرت في بريطانيا أول مجلة متخصصة في أدب الخيال العلمي هي حكايات العجائب عام 1937، لكن أشهر المجلات البريطانية هي عوالم جديدة التي صدرت في عام 1939، ثم توالت المجلات إلى اليوم في أغلب أنحاء العالم المتحضر والمهتم بهذا النوع من الأدب. وفي نهاية الأربعينات ظهر كتّاب خيال علمي جدد، من أمثال إسحاق عظيموف وثيودور سترجيون، وفي الخمسينات ظهر آرثر كلارك وهنري كوتنير وراي برادبري وغيرهم، ثم تتابع ظهور كتاب الخيال العلمي مع تقدم العلوم والتكنولوجيا في عالمنا المعاصر. وبشكل عام يطرق كتاب قصص الخيال العلمي أبواب المستقبل من خلال خيالهم الخصب من دون زمن محدد. وفي قصصهم نظرة واسعة إلى العالم حين يدخل العلم ويمتزج بحقائقه مع خيال الكاتب، وتُرسم أحداث تنقل القارئ إلى المستقبل، أو الماضي السحيق، فتثيره وتذهله. والحقيقة أن انتشار أدب الخيال العلمي اتسع في العالم، وأصبح يفرض نفسه على النماذج الأدبية الجديدة، وكثر الإنتاج الغث لبعض الكتّاب الذين أخذوا يكتبون من دون ثقافة علمية، كتباً غلبت عليها الخرافة والشطحات المبالغة البعيدة عن المنطق العلمي، وأصبح أدب الخيال العلمي أحياناً صرعة لدى بعض الكتاب الذين رأوا فيه منفذاً إلى عوالم الحبكات البوليسية والخرافية. ولكن تلك الكتب التجارية اصطدمت بنقاد كانوا أقسى من نقاد الفنون الأدبية الأخرى، لأنهم وجدوا فيها خطورة على الأجيال الناشئة. ومع ذلك فإن الأدب العلمي الحقيقي يظل فاعلاً وله استمراريته. ففي عشرينات القرن العشرين كتب تولستوي عن رحلة إلى المريخ في آيليتا كما كتب عن آلة جبارة تثقب الأرض وتستخرج الذهب من باطنها هيروبوليد المهندس غارين وكتب عن الطبقات الداخلية للأرض والنفوذ إليها وعن المفاعل النووي بشكل قريب من الحقيقة. ويحتل إسحاق عظيموف مكانة وثيقة بين كتاب الخيال العلمي لخياله الواسع ومعرفته العلمية الممتازة. ووُلد عظيموف في روسية عام 1920 وهاجر إلى الولايات المتحدة حيث حصل على الجنسية الأمريكية مع أهله عام 1928، ويعد أحد علماء الكيمياء الحيوية اليوم إذ حصل على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه في العلوم من جامعة كولومبية بمدينة نيويورك، وعمل كيميائياً في البحرية الأمريكية في الحرب العالمية الثانية، وأصبح في عام 1949 عضواً في هيئة التدريس بكلية الطب بجامعة بوسطن. ومن المشهور عنه أنه كتب قصصاً كغيره عن كائنات العوالم الأخرى، وفي إحدى محاضراته، التي كان يتحدث عن الحياة في العوالم الأخرى، سألته إحدى الطالبات عن رأيه بالأطباق الطائرة وهل يعتقد أنها موجودة فأجاب: لا يا آنسة، وأعتقد أن كل من يؤمن بوجودها هو إنسان خيالي. صحيح أنني أكتب عنها ولا أنفي بكتاباتي وجودها ولكن كتاباتي مجرد خيال، خيال محض. وكتب عظيموف مقالاً في صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية في عالم 1964، تصور فيه كيف سيكون العالم بعد 50 عاماً. وبالفعل تحققت العديد من توقعاته، إذ رأى عظيموف أن منتجات الخميرة المصنعة والطحالب ستكون متاحة بمجموعة متنوعة من النكهات، وبالفعل تحقق إلى حد ما هذا التنبؤ العلمي على أرض الواقع قبل عامين، عندما كشف العلماء النقاب عن أول برغر مُصنّع في المختبر. لعل أول أفلام الخيال العلمي التي ظهرت في السينما، الفيلم الذي أخرجه جورج ميليس عام 1902، وهو فيلم صامت بطول 16 دقيقة، واستوحى قصته من رواية جول فيرن من الأرض إلى القمر وقصة ويلز رجال القمر الأوائل. وأظهر الفيلم المعارك بين القادمين من الأرض وسكان القمر، وكانت أجواء القمر التي ظهرت، شبيهة بالصور المنقولة حالياً عن مركبات الفضاء الدائرة حول هذا الجرم القريب من الأرض. وتتابعت سلسلة أفلام الفضاء والخيال العلمي فظهر فيلم الشيء عام 1936 وفيلم 20 مليون ميل عن الأرض عام 1957 ثم فيلم آلة الزمن اعتماداً على رواية ويلز الشهيرة وأخرجه جورج بال عام 1961. وفي عام 1968 أخرج ستانلي كوبريك فيلمه الشهير 2001 أودية الفضاء الذي تميز بوصفه أفضل فيلم علمي خيالي أُنتج في الستينات. وتتابعت الأفلام فظهر حرب النجوم لجورج لوكاس الذي تحدث عن احتمال حدوث حرب فضائية، بين الكائنات التي تسكن الكواكب، نتيجة للتطور السريع للعلوم والتكنولوجية، كما ظهر فيلم لقاء من النوع الثالث من تأليف عظيموف الذي يتحدث عن طبق طائر هبط في منطقة من الأرض وأجرى لقاء مباشراً مع سكانها، كما تحدث فيلم سولاريس لأندريه تاركوفسكي عن المشكلات البيولوجية والنفسية التي يمكن أن تحدث لرواد الفضاء. أما فيلم أصداء من الفضاء لريتشارد فيكتوريف، فيتحدث عن رحلة فضائية كبرى يقوم بها رواد فضاء شبان صغار مدربون، يتعرضون لمشكلات في اختراقهم الفضاء، وهم يتجهون نحو كوكب في مجموعة كاسيوبيا، ليساعدوا سكانه على حل المشكلات التي يعانونها. ويتحدث فيلم E.T للمخرج ستيفن سبيلبرغ، عن مخلوق هبط من الفضاء إلى الأرض يعلم الناس الحب والتسامح والسلام، على الرغم من منظره البشع. وتوالت أفلام الخيال العلمي حتى أصبحت توجهاً جديداً في الإنتاج، بعد أن كانت محدودة، قبل أن يغزو الإنسان الفضاء ويهبط على القمر عام 1969. وانتقلت العدوى إلى التلفزيون، فتنافست شركات الإنتاج في إنتاج مسلسلات تتحدث عن رحلات فضائية إلى عوالم بعيدة، مثل الغزاة والفضاء عام 1999 ورحلة النجوم وستارتريك التي مثّلت نقلة نوعية في تخيل الفضاء الخارجي، وأغلبها من إنتاج أمريكي بسبب تنافس شركات الإنتاج الأمريكية ضمن هذا التوجه الجديد في رحلات خيالية تشد الناس إلى المستقبل، فينتقلون بأحلامهم إلى عوالم غامضة مجهولة في حكايات تبدو خرافية. هناك أيضاً ستار شيب تروبرز، أحد أفلام الخيال العلمي الذي يصور أفراد لجيش دفاعي في مقدمته روبوتات، تصد الهجمات الخارجية بعدما تغزو حشرات ضخمة المنطقة، لنجد أشتون كارتر وزير الدفاع الأمريكي يعلن في ديسمبر الماضي، أن الولايات المتحدة ستعتمد على الروبوت، في حال حدوث عجز عسكري سواء كان في المعدات أو العسكريين. ه. ج ويلز وآلة الزمن الكاتب الإنجليزي هربرت جورج ويلز، أو شكسبير الخيال العلمي، كما وصفه النقاد. وُلد في بروملي وهي ضاحية من ضواحي لندن عام 1866، وكتب أولى رواياته العلمية الخيالية آلة الزمن عام 1895، التي تعد أعظم روايات الخيال العلمي على الإطلاق، وفيها يتخيل أن بطله صنع آلة، وحين يدير عجلتها يستطيع أن يقفز فوق الزمن، ويعود إلى الماضي أو يخترق المستقبل. وتخيل ويلز في آلة الزمن أن مصير الإنسانية التي انغمست في الرفاهية والسلام سيكون قاسياً، فحين ينتقل بطل الرواية إلى المستقبل بعد أن يدير عجلة آلته، فإنه يرى البشر وتحولوا إلى قبائل بدائية ضعيفة حركتهم واهنة، وجمالهم كاذب، وجُنّدوا لخدمة قبائل المرلوك المتوحشة، التي تستوطن الكهوف تحت الأرض. ويبلغ به الحزن حد الفجيعة وهو يرى فناء الذكاء البشري، وكيف آل أمره إلى الانتحار على يد الإنسان الذي خلد إلى حياة المذلة والنعيم. وفي عام 1901 كتب روايته رجال القمر الأوائل وكان كتب قبلها روايته المشهورة أيضاً حرب العوالم عام 1898، وغيرها. محاولات عربية هل عرف العرب الخيال العلمي من قبل؟ الجواب عن السؤال يبدو صعباً، لأن الخيال العلمي لم يكن معروفاً عند الناس بهذه التسمية المحدودة. ولو جرت العودة للتاريخ في محاولة سبر الإبداعات في الأدب على اختلاف توجهاته لتبين أن أسطورة حي بن يقظان لابن الطفيل، قريبة من ذلك النوع من الأدب. فأسطورة ابن يقظان تحوي مقومات الخيال العلمي بصورة واضحة وتتحدث عن عملية التكوين الإنساني والخلق والمؤثرات الطبيعية، وترسم شكلاً واضحاً لحياة نشأت مع الطبيعة من دون مؤثرات بشرية بصورة غنية بالخيال العلمي. وربما عرف العرب في العصر الحديث أدب الخيال العلمي بدءاً من الستينات متأثرين بالطبع من الترجمات، فنشر الدكتور مصطفى محمود روايته العنكبوت ثم روايته رجل تحت الصفر وغلب على الأولى الأسلوب الغيبي إذ مزج الكاتب فيها بين القضايا العلمية وقضية تقمص الأرواح. أما الثانية رجل تحت الصفر فتمثل عالم القرن الحادي والعشرين عندما تصبح وسيلة النقل فيه صاروخاً يضيِّق الفوارق بين البلدان والمدن والأقاليم، وتسهم كل أمة بقسطها في إغناء الحضارة الإنسانية ويكون الحب هوائياً يكافح القوى المجهولة من حقد وحسد وبغضاء. كذلك ظهرت في السبعينات محاولات أخرى لنهاد شريف في رواية قاهر الزمن وهي تتحدث عن فكرة السّبات عند الإنسان بتجميد جسده لسنوات ثم إحيائه، وتحولت إلى فيلم سينمائي من إخراج كمال الشيخ، ثم مجموعة قصص بعنوان رقم 4 يأمركم وهي تلفت النظر إلى سعة خيال كاتبها ومدى فهمه الدقيق لتطور العلوم، مع أنه يحمل إجازة في التاريخ. ويتحدث نهاد شريف في قصصه عن الإنسان الآلي وإمكانية سيطرته في المستقبل إلى أن يطرد البشر ليستقل بنفسه في إدارة المصانع والآلات، ويتخيل الكاتب أن بوادر الانقراض بدأت تهدد الإنسان الآلي إذ بدأت العاطفة بالتحكم فيه. ويتحدث عن كائنات المريخ العاقلة التي تحذر البشر من خطر تكديس السلاح النووي ومن تمكن العلماء العرب من الوصول إلى كوكب المشتري حيث يقع الرواد في أسر كائنات هلامية، كما يرصد في تلك المجموعة عالم المستقبل الحافل بالمفاجآت العلمية. وظهرت لنهاد شريف رواية مردة المجال الثاني وظهرت محاولات في قصة الخيال العلمي للكاتب رؤوف وصفي. ولطالب عمران عدة قصص من الخيال العلمي، بينها ما هو للأطفال مثل كوكب الأحلام (1978) ومحطة الفضاء، وبينها ما هو للكبار مثل العابرون خلف الشمس (1979) وليس في القمر فقراء (1983) وخلف حاجز الزمن (1985). صاروخ جول فيرن من يكتب في هذا النوع من الأدب لا ينجح إلا بثقافة علمية ممتازة يستخدمها في أحداث قصصه ورواياته. ويعد الكاتب الفرنسي جول فيرن الأب المؤسس لقصص الخيال العلمي، وكتب أول أعماله 5 أسابيع في منطاد في فرنسا عام (1863)، ثم أتبعها بروايته رحلة إلى جوف الأرض عام (1864) وبعدها كتب رائعته من الأرض إلى القمر (1865) التي تخيل فيها رحلة تحمل الإنسان إلى القمر. وتحقق هذا الخيال من الرواية بعد قرن وبالتحديد في 20 يوليو/تموز 1969 حين هبط أول إنسان على القمر. وكتب فيرن الكثير من الأعمال في الخيال العلمي إضافة إلى ما ذكر، من بينها: 20 ألف فرسخ تحت الماء عام (1870) التي وصف فيها غواصة تنتقل تحت الماء. وفي عام 1877 كتب روايته هكتور سيرفاداك التي تتحدث عن مذنب يقتطع قطعة من كوكب الأرض، وترافق هذه القطعة المذنب في رحلته حول الشمس. كما كتب فيرن أيضاً قبل عام واحد من وفاته روايته سيد العالم (1904). ويلاحظ في روايات فيرن خيال مجنح يغلب عليه المنطق العلمي، وهذا ما جعله أشبه بنبوءة علمية. فتخيل في روايته من الأرض إلى القمر انطلاق محطة فضاء من الأرض إلى القمر بوساطة مدفع هائل الطول هبطت على القمر. ووصف الرواد سطحه والمناظر من فوقه وعادوا إلى الأرض حيث هبطوا بمظلة في البحر، بطريقة شبيهة بما فعله رواد المركبة الفضائية أبولو - 11. كما كتب عن الغواصة ووضع وصفاً لها، وكتب عن الطائرات النفاثة والصواريخ بعيدة المدى والغوص في أعماق المحيطات، وكلها تنبؤات تحولت إلى حقيقة في العصر الحالي.
مشاركة :