لصاحب الهمة العالية عينان ليستا كأعين الآخرين ، يرى بها أهدافه مهما توارت عن أعين المخذلين أو غابت عن أذهانهم يبصر بثقته سبيل الوصول إليها ممهداً بالصبر ومضاءً بالأمل حين يتجنب غيره ذاك الطريق لوعورته وشدة عوائق جنباته بل قد يراه البعض متاهة وليس طريقا موصلاً لأي مبتغى نبيل . وحين يكون الطموح متعدي النفع واسع الشمول ممتد العطاء فإنه يرتقي بصاحبه ليكون من الرواد في مجتمعه وكلما كثر الرواد في مجتمع دانت له الرفاهية وعانقته التنمية المستدامه والتعليم العام أساس لكل حضارة نامية ترمق بعين الإصرار مقعدها في مقدمة الأمم ، ولهذا كان هاجس التعليم الحديث المشتمل على ثوابت الوطن من أولى اللبنات التي وضعها موحد الجزيرة رحمه الله وأبدع من بعده أبناؤه البررة ليكملوا إنجاز صرحها الشامخ وكان لابد لهذا الهدف العظيم من رواد متميزين بقدراتهم الإبتكارية فاختيار الرجال القادرين على حمل الأعباء لا يتأتى إلا لمن لديه نظرة فاحصة في الرجال وقبل ذلك في المنجز المبتغى وكان اختيار والدي الشيخ صالح بن سليمان العُمري رحمه الله خطوة في هذا السبيل النبيل ، حيث تولى تأسيس التعليم النظامي في منطقة القصيم والخروج به من طوق الكتاتيب إلى رحابة المعرفة الشاملة ولم يكن ذلك بالأمر الهين في مجتمع لايرى تجاوز التعاطي مع غير العلوم الشرعية وحدها ولا تفريغ الأبناء ليلتحقوا في صفوف يومية تأخذهم بعيدا عن متاجر أهلهم أو مزارعهم فكان يزور الأهالي ويبين لهم فارق المصلحة في حصول أولادهم على التعليم مادياً ومعرفيا واجتماعيا وكان يشرك في عملية التعليم أساتذة الكتاتيب ليحجب صوت اعتراضهم ويكسب بوجودهم ثقة الأهالي وقد يعمد الى استئجار مبنى للمدارس من وجهاء البلدات والقرى كي يضمن دعمهم للتعليم وكان يلتقي بالطلاب وينتقي بخبرته الفاحصة المبرزين منهم ومن تظهر عليهم علامات النبوغ فيضفي عليهم مزيد اهتمام وتشجيع ويؤملهم بمستقبل مشرق متى اجتهدوا ، كما حصل له مع فضيلة الشيخ صالح الفوزان حين قال له يابني إن اجتهدت وواصلت تعليمك الشرعي لكأني أراك من علماءالأمة وكان حينها في الصف الخامس الابتدائي وكذا ما قاله لمعالي الدكتور مطلب النفيسه محفزاً له أن يجتهد فهو يرى فيه نابغة سيكون له شأنه في المجتمع وغيرهم كثير كثير ممن تبوأوا مناصب عليا وكان لهم أثرهم البالغ في دعم مسيرة التنمية في المملكة وكان يتابع من ينقطع عن التعليم ويعين بالسكن والمعيشة من يحضر من قرية ليلتحق بالتعليم وحرص على أن يوظف الدفعة الأولى من خريجي الابتدائية بمرتبات لم يتوقعها أهاليهم فكان في ذلك فتح عظيم في إقبال أعداد كبيرة من الطلاب وقد رأوا عيانا مدى النفع المتحقق لأقرانهم والمجال مع اختصاره لا يتسع لتفاصيل أكثر شهد بها أهل القصيم قاطبة ممن عاصر تلك المرحلة بالفضل له رحمه الله وهكذا يكون الأثر الطيب الذي يحفره المجتهدون في جدار تاريخ أوطانهم رحم الله موحد الجزيرة وأبناؤه البرره وحفظ ووفق بقيتهم وخلفهم ورحم الله والدي وكل المخلصين من أبناء وبنات هذا الوطن الكريم
مشاركة :