كان يجلس بجانب “جدته” العجوز واضعاً راحتيه تحت “ذقنه” وعيناه مغروستان على صفحة وجهها حول “كانون” النار في ذلك الشتاء القارس كمثل هذه الايام لا يختلط بصوتها سواء صفير الريح وهي تتخلل شقوق النافذة.. كان يستمع اليها وهي “تحكي” له عن ذلك الفارس الذي أتى في الليل “البهيم” على حصانه الابيض وخطف حبيبته ومضى بها.. او ذلك الذي يصول ويجول في ساحة الميدان.. والرجال تفر من بين يديه كالجراد المنتشر.. او ذلك ابن الحارة الذي يتحرك في عنفوان حول “النار” وفي يده ذلك “الشون” الذي سقاه “بالحناء” والسمن .. وفي رأسه ادخل جلد ذيل “البقر” ليعطيه قوة اكثر. ليدور به حول النار بكل عنفوان. صور عديدة كانت تأخذه الى عالم من الاساطير والاعجاب بأصحابها، كان يستمع اليها مذهولا.. لا يريد منها ان تصمت.. الى ان تغمض عيناه.. بسحر ذلك – الكلام.. فينام. مضت “جدته” الى خالقها.. اصابه حزن عميق بفقدها لم يعد يستمع الى تلك البطولات. كبر وكبر معه احساس بان لا بطولات في هذا الزمن ضاقت نفسه بهذه الانكسارات وبهذا الهوان الذي يعيشه الناس.. في ذلك اليوم وهو يرى محمد الدره.. وايات الاخرس.. وعشرات من ابناء فلسطين وهم يتصدون لهذه المجنزرات وهذه الطائرات.. وهذا الرصاص بصدورهم العارية الا من الايمان.. تمنى لو ان جدته.. بجانبه لترى الحقيقة امامها ولنسيت كل تلك الاساطير التي “حبكتها اخيلة” الرواة.. ولشعرت بضألتها امام هذه البطولات. عندما يتزنر الوطن بابنائه يعيش أزهى أيامه وأبهى لياليه.. هذا الوطن المتغلغل في تجاويف قلوبنا حباً وولاءً – له العزة على كل الاوطان.
مشاركة :