من يحاول أن ينفذ إلى أعماق الشرق سيتجه غرباً، وتحديداً إلى المخطوطات العربية الموزعة في مكتبات البلاد الأجنبية، التي وصل عددها وفق بعض المصادر إلى 350 مكتبة موزعة في أكثر من 21 دولة حول العالم، ما جعل المختصين والمهتمين في عدد من المؤسسات المعنية، يسعون إلى جمع تلك المخطوطات والعناية بها وحفظها وتحقيقها، ومحاولة معرفة أسباب هجرتها. وأكد الدكتور خالد الجريان محرر كتاب "المخطوطات العربية المهجّرة"، الذي أصدره مركز الملك عبدالله بن عبدالعزيز الدولي لخدمة اللغة العربية أخيرا، ضمن السلسلة العلمية "مباحث لغوية"، أن العالم الإسلامي تعرض لعدد من الأحداث على مدى التاريخ أسهمت في طمس بعض المؤلفات العربية وإحراقها وسلبها. وأوضح الدكتور الجريان، أن هناك جهوداً لباحثين ومهتمين في عدد من المؤسسات المعنية لجمع هذه المخطوطات والعناية بها وحفظها وتحقيقها، وأن من المشاركين في جمع تلك المخطوطات، معهد المخطوطات العربية في جامعة الدول العربية، إضافة إلى فهارس المكتبات، وأقسام الدراسات العليا في الجامعات والمراكز البحثية والعلمية في مختلف أنحاء العالم. وتضمن الكتاب ستة بحوث تناول الأول منها موضوع "المخطوطات المهجّرة ــ التاريخ والأسباب والأدوات"، والبحث الثاني تناول "جغرافية المخطوطات العربية خارج الوطن العربي"، والثالث عن "المخطوطات العربية خارج الوطن العربي"، وجاء الرابع بعنوان "نفائس المخطوطات العربية خارج الوطن العربي"، والبحث الخامس "المخطوطات العربية في تركيا"، أما السادس فجاء بعنوان "المخطوطات العربية في المكتبات الإيرانية". وشارك فيه عدد من المختصين والمتخصصين، وهم الدكتور فيصل الحفيان، الدكتور عابد المشوخي، الدكتور نذير أوهاب، الدكتور أحمد رجب أبو سالم، الدكتورمحمود مصري، الدكتور ياسر البدري، وحرر الكتاب الدكتور خالد الجريان، حيث صدر ضمن مشروع الإصدارات العلمية الذي يديره الدكتور خالد الرفاعي، ضمن الجهود السعودية في دعم حركة التوثيق للمخطوطات والمحافظة على التراث العربي والإسلامي. وذكر الباحث الدكتور عابد المشوخي عددا من الأرقام التقديرية التي أطلقها عدد من المهتمين والمعنيين بالتراث الإسلامي، حاصرا أسباب ضياع هذا الموروث في سببين: الأول يتمثل في العوامل الطبيعية التي تتعرض لها الأرض ولا دخل للإنسان فيها مثل الزلازل والفيضانات والبراكين، والآخر يتمثل في العوامل البشرية، ومنها الحروب وحركات الاستشراق وتجارة المخطوطات وغيرها. ولفت إلى أن بعض الدراسات تشير إلى وجود أكثر من 160 مكتبة كبيرة في الدول الأوروبية والأمريكية تغص بعدد كبير من هذه المخطوطات، ذاكرا عددا من الفهارس التي تتضمن معلومات عن هذه المخطوطات في مختلف أنحاء العالم. وتساءل الدكتور فيصل الحفيان مدير معهد المخطوطات العربية في جامعة الدول العربية في بداية بحثه عن سرّ ظاهرة تهجير تراثنا عموما والمخطوط خصوصا، وواقع هذا التراث خارج الوطن العربي. وهل كان هذا من مصلحته؟ معتبرا هذه التساؤلات مدخلا مهما لبحثه. وأكد الحفيان في بحثه أن الغرب مولع بالحضارة العربية والإسلامية التي تربعت قرونا تحكم العالم، مستغرقا في تحليل ولع الغرب بالشرق، مشيرا إلى أن عدد المكتبات التي لديها مخطوطات عربية في البلاد الأجنبية الخالصة وفق بعض المصادر يصل إلى 350 مكتبة موزعة في أكثر من 21 دولة حول العالم. واستعرض الباحث الدكتور نذير محمد أوهاب أهم الدول التي تستحوذ على المجموعات الكبرى من المخطوطات العربية في العالم، فيما أسماه (خزائن المخطوطات)، وتحتل الدول الأوروبية المساحة العظمى منها، متطرقاً في بحثه للتجارب العربية في استعادة هذه المخطوطات. ومن الجهود التي سلط الضوء عليها: مركز الملك فيصل للدراسات والبحوث الإسلامية، ومكتبة الملك فهد الوطنية، وجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، ومركز جمعة الماجد للثقافة والتراث في دبي وغيرها.
مشاركة :