الرواية الجديدة للروائي أحمد فضل شبلول "ثعلب ثعلب" تبحر في عالم غير شائع في الرواية العربية، حيث الصراع بين الكائنات البحرية، بين مجموعة منطقة "بئر مسعود" ومنطقة "المنتزة" ولا يخلو النص من الكائن البشري الذي يتدخل لحل المشكلة، وله مقامة متميزة (المحافظ) لعل يتناسب ومقامة الوزير "ثعلب". يقع النص في 321 صفحة حجم متوسط، ومقسمة ﺇلى فصول (47 فصلا) ما يشي بقصر الفصول حجما، مما يسهل القراءة ويرفع الملل، كما يسهل على الكاتب والقارىء الانتقال المكاني والزمانى والشخصيات مما يكسب النص حيوية واصحة. ما يلاحظه القارىء هو توافر فهرست بأسماء الفصول ورقم الصفحة ثم "الحواشي" التي غالبا لا تتوافر كثيرا فى النصوص الروائية، وهي في مجملها شرح لغوي لبعض المفردات المعجمية للروائح مثلا، وغيرها. وقد أوجز الروائي فكرة النص ورؤيته الخاصة بقوله: "أتناول في رواية 'ثعلب ثعلب' صراعًا بين الكائنات الحيوانية بزعامة الثعلب الوزير، والكائنات المائية بزعامة "أم الماء"، حيث تتمحور الأحداث حول تعلب هو الحاكم أو وزير المستوطنات بينما يوظف المتاح وما تصل ﺇليه يداه لصالحه، فتقاومه كائنات البحر.. ما يشى برغبة الرواى إبلاغ القارىء أنه بصدد النص الرافض للظلم واﻹحتيال والفساد". من خلال تلك التيمة التي تبدو قريبة ﺇلى نفس القارىء والذوق العام، تتوالد بعض القيم والمفاهيم التي يسعى الروائي بثها بخفة ومرح أحيانا.. مثل العلاقات بين أصحاب المقام ومن دونهم، ومقاومة ظواهر اﻹجبار والاحتيال. ربما اﻹقتراب من هذا النص من خلال التعرف على "عتبات النص" وتفسير هذا التضمين الملازم للنص السردي، يضيف بُعدًا جديدًا لدلالات الرواية ورؤية الروائي التى يسعى فى بثها ويتسلل بها من فصل الى فصل.. ترى ماذا عن "الغلاف الأصلي أو الغلاف والعناوين الفرعية للنص- الاهداء – المقدمة ان وجدت - الهوامش ان وجدت - مختلف الإشارات والعبارات التى ترافق النص السردي؟". لتلك العتبات بكل عناصرها أهميتُها في ﺇلقاء الضوء والكشف عن الكثير من مضمون النص أو المتن السردي، وربما طرح ما لم يتناوله السرد مباشرة، ولكنه كاشف له، ويعتبر تقديمه بما يسمى بمفاتيح للنص وبالتالي تسهل على القارىء استيعابها، كما لا نغفل أهميتها في ربط الواقع الخارجي (عن النص) والواقع النصي. تشير العتبات غالبا إلى حالات وآراء وأوصاف ربما تبدو غير مدرجة بذاتها في النص، ولكنها تضيئه وتشير ﺇلى جملة من أفكاره. العنوان: "ثعلب ثعلب" حيث الثعلب هو الشخصية المحورية، كونه وزيرا يملك السلطة والأمر، ومن ثم يتجه نحو اغتصاب حقوق الغير، قكانت "أم الماء" (زعيمة الكائنات البحرية) في مواجهة أطماعه.. وبدوام الصراع، تتدخل كائنات بشرية لفض اﻹشتباك لصالح مدينة اﻹسكندرية كلها، وهي المكان الذي يعتبر مسرح عمليات الصراع بين تلك الكائنات الحيوانية، والتي يبدو معها الكائن البشري أقل قيمة وفاعلية. أما وقد سجل "اﻹهداء"؛ "ﺇلى حفيدي مالك وحفيدتي كندة، فلتعلما".. ترى يطلب الرواي من الحفيدين أن يعلمانه.. هل يعنى تلقين أسرار الصراع حتى يمتلكا ملكة الحذر من كل الكائنات.. أم هي الرؤية التقليدية بالتنبيه بالانتباه من أجل المستقبل، ويجب عليهما التحوط من أجل كل القيم المضمرة في النص.. ففي النص حروب ومعارك من أجل مقاومة الظلم والفساد، كما فى ص 213 حيث كان قرار ملكة البحار "ام الماء"، وهذا نصه: "قررنا نحن ملكة البحار، أم الماء العظيمة، تعيين السمكة المنشار قائدًا لجيوش البحار، لما لها من حنكة ودربة في الحرب والنصر وقت صفاء الماء ووقت اﻹعصار، والتخطيط للدفاع عن مائنا القومي وشواطنا الغالية، والتخطيط لهجوم جبار ﺇذا لزم الأمر وكان القرار". المثال يوضح قدر الربط المناسب بين اﻹهداء والمتن، حيث التنبيه بأن الجيل الجديد هو من يجب عليه اﻹنتباه وأن نربيه على قيمة الدفاع عن الوطن.. في ذلك تتعدد الأمثلة بتعدد التناولات السردية، ورؤية الروائي. كما يعد الغلاف حيث مدخلا غير بسيط ولا هين لجذب القارىء وتقديم النص بكل دلالاته أي يصبح الغلاف الخارجى ﺇضافة حقيقية للكتاب والنص السردي. تلاحظ تصميم الغلاف كالتالي: من أعلى اسم الروائي ومن أسفل "رواية ثعلب ثعلب أي العنوان، ثم في الأسفل اسم دار النشر.. تلك المعلومات الأولية التي لا يمكن ﺇغفالها بل ولا يمكن الدخول ﺇلى المتن قبل التعرف على هذا النشكيل الفني.. حيث خلفية الكلمات المشار ﺇليها؛ حيوان الثعلب في صدر الصفحة حجما ولا يمكن ﺇغفال أن الرسم يوضح رأس ثعلب وجسد فارس من الفرسان المدججين بالحلة والدروع الحربية.."جهد فني متميز". بذلك التشكيل نتعرف على أهم شخصيات النص، فضلا عن تعرفنا على العنوان وكون النص روائيا وليس مجموعة قصص (مثلا) فضلا عن التعرف على الروائي اسما، ودار النشر التي بذلت جهدا في ﺇبراز تلك الدلالات. أما المقدمة والتي لا تتوافر في كل الروايات، وقد استقبلنا الروائي بدلا عنها بآية قرآنية "ويخلق ما لا تعلمون" سورة النحل-8" وسوف نعتبرها مقدمة حاول فيها الكاتب اﻹشارة ﺇلى أننا سوف نقرأ عجبًا، فلا تتعجبون، لأن الله خلق ما لا تعلمون، والصراع القائم والقادم بين طيات النص السردي مع العجيب والغريب وهو كثير، فلا نتعجب. أما العناوين الداخلية؛ من أكثر الكلمات أو المفردات التي تضمنتها العناوين الداخلية هى: الثعلب – كلمات حول الصراع: مجلس الحرب – بوم الملحمة – بالروح بالدم – أحلام الدماء. كما تلاحظ أن بعض العناوين هي حكمة أو بعض منها أو بعض من بين شعر والأمثال الشائعة الشعبية: "الصبيان أقسى الخلق وأقلهم رحمة - يوم الملحمة- ويخلق ما لا تعلمون – أبكت تلكم الحمامة أم غنت؟ - لولا الوئام لهلك الأنام – اللبؤة تضعف عند الولادة – وغيره". لعله من اللافت في تلك الرواية أن توافر فيها تحت عنوان "الحواشي" قدر غير هين من المفردات المتروكة أو القاموسية والتي التقطها الروائي وضمنها النص ﻹبراز صفات وأحوال أكثر دقة في دلالاتها ومعناها، وﺇن صعبت على القارىء فليرجع ﺇلى الحواشى، مثال: ص11 "وقالوا عنى ﺇني وذرة.. وفشوش، مع أني لم أكن قد تزوجت بعد.. لم أسلم من ﺇطلاق هذه الأوصاف، وهي: امرأة كريهة الرائحة - امرأة يخرج منها ريح عند الجماع - رائحة مكروهة في قبل المرأة". لعل السرد المتسلسل والرائق بالأسلوب الدال المعبر، مع رسم ملامح الشخصيات (الكائنات) بما يناسب أفكارها، من أهم سمات تلك الرواية السابعة للروائي أحمد فضل شبلول.. وتضيف ﺇلى مجمل أعماله اﻹبداعية الشعرية والروائية معا.
مشاركة :