باريس/ليبرفيل - أعلن الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون الاثنين أنه سيواصل "المضي قدما" لتعزيز علاقة فرنسا بكل من الجزائر والمغرب، بعيدا عما وصفه بـ"الجدل" الراهن، فيما تتقلب العلاقات الفرنسية الجزائرية بين توتر وآخر، في حين يطغى الفتور على العلاقات مع الرباط بسبب موقف باريس الملتبس من مغربية الصحراء وتحرك فرنسي في الاتحاد الأوروبي يشوش على العلاقات الإستراتيجية مع المملكة. وتأتي تصريحات ماكرون فيما يسعى خلال جولة افريقية لترميم الشروخ في العلاقات مع عدد من دول المنطقة على وقع تراجع نفوذ بلاده التي تواجه أيضا موجة عداء آخذة في التصاعد ضد وجود القوات الأجنبية في إفريقيا. وقال الرئيس الفرنسي خلال مؤتمر صحافي تناول فيه إستراتيجيته في إفريقيا "سنمضي قدما. المرحلة ليست الأفضل لكن هذا الأمر لن يوقفني"، منتقدا من "يحاولون المضي في مغامراتهم" ولديهم "مصلحة بألا يتم التوصل" إلى مصالحة مع الجزائر. وأضاف "هناك دائما أشخاص يحاولون أن يستغلوا الظروف، مثل فضائح التنصت في البرلمان الأوروبي التي كشفتها الصحافة". وفي توصية جرى إقرارها بغالبية كبيرة نهاية يناير/كانون الثاني ويعتقد أن فرنسا تقف وراءها، انتقد البرلمان الأوروبي في سلسلة افتراءات ومغالطات، السلطات المغربية وزعم "عدم احترامها لحرية التعبير وحرية الإعلام". وطالب بوضع حد لما وصفها بـ"المضايقة التي يتعرض لها الصحافيون". وكان المغرب قد رد على تلك الافتراءات خاصة أن معظمها يعتبر تدخلا في شؤون سيادية ومنها ما يتعلق بأحكام قضائية وهو ما يعتبر مساسا وتدخلا في القضاء المغربي واستقلاليته. ورأت بعض الأصوات في المغرب أن فرنسا تقف وراء توصية البرلمان الأوروبي فيما كانت العلاقات متوترة أصلا بين باريس والرباط خصوصا في ما يتعلق بوضع الصحراء المغربية وكذلك شعور الفرنسيين بتراجع مكانتهم من خلال بروز شراكة مغربية أميركية واسعة وأكثر موثوقية إلى جانب تنامي دور المملكة في افريقيا بينما يتراجع الدور الفرنسي. وقال ماكرون "هل كان ذلك صنيعة حكومة فرنسا؟ كلا! هل صبّت فرنسا الزيت على النار؟ كلا! يجب أن نمضي قدما رغم هذه الخلافات"ن في تصريحات عكست حالة من الإرباك في التعاطي مع فتور العلاقات مع المغرب وفي محاولة لتصدير أزمة داخلية وفشلا فرنسيا في افريقيا، بينما أصبح يُنظر للمغرب كقوة وازنة ورقما صعبا في معادلة الأمن والاستقرار في القارة الإفريقية، بينما يتراجع النفوذ الفرنسي. من جهتها استدعت الجزائر سفيرها لدى فرنسا "للتشاور" في 8 فبراير/شباط للاحتجاج على "الدخول غير القانوني" عبر تونس للناشطة الفرنسية الجزائرية أميرة بوراوي. وتابع ماكرون "أعلم أنه يمكنني الاعتماد على صداقة والتزام (الرئيس الجزائري عبدالمجيد) تبون. سنحرز تقدما معه أيضا". وقال إن فرنسا ستقوم تدريجيا بإدارة قواعدها العسكرية في أفريقيا بالاشتراك مع الدول التي تستضيف تلك القواعد وذلك بعد أن واجهت باريس سلسلة انتكاسات في دائرة نفوذها السابق. وأضاف خلال كلمة قبل جولة تشمل أربع دول أفريقية هذا الأسبوع أنه سيتم تقليص وجود الجيش الفرنسي وخفض عدد الجنود في محاولة لنزع فتيل التوترات في غرب أفريقيا حيث تتزايد المشاعر المعادية لفرنسا. وقال للصحفيين في قصر الإليزيه في باريس قبل يومين من توجهه إلى الغابون وهي أول دولة في جولة سيزور خلالها أيضا دولا لم تكن مستعمرات فرنسية من بينها أنغولا وجمهورية الكونغو الديمقراطية "القواعد كما هي الآن تراث من الماضي. هذه القواعد لن تغلق بل سيعاد تنظيمها". وأضاف أن القواعد أو "الأكاديميات" الجديدة ستبدأ تدريجيا في التحول إلى "أفريقية" وتدار بالتعاون مع شركاء أفارقة وأوروبيين. وتأتي الجولة بعد ما يزيد قليلا عن أسبوع من قيام بوركينا فاسو بإنهاء اتفاق عسكري سمح لفرنسا بقتال المسلحين في الدولة الواقعة في غرب أفريقيا لتصبح أحدث دولة أفريقية ترفض مساعدة باريس. وسحبت فرنسا قواتها من مالي العام الماضي بعد أن بدأ المجلس العسكري هناك العمل مع متعاقدين عسكريين روس. وانتشرت أيضا مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة في جمهورية أفريقيا الوسطى مما أثار مخاوف في باريس من استعانة دول أخرى بهذه المجموعة في وقت تحاول فيه الدول الغربية حشد الضغط ضد روسيا بشأن غزوها لأوكرانيا. وقال ماكرون إنه فخور بالسجل العسكري الفرنسي في مالي ولن يسمح بأن تصبح فرنسا كبش فداء لتدهور الوضع الأمني في منطقة الساحل حيث أحرز المتمردون الإسلاميون تقدمان مضيفا أن "دور فرنسا ليس إصلاح كل المشاكل في أفريقيا". ويحاول الرئيس الفرنسي بذلك الالتفاف على الإخفاق في كبح تمدد التنظيمات الإرهابية، فيما تثار في الداخل الفرنسي سجالات سياسية حول فشل مهمة قوة برخان وكيف أنها جاءت بنتائج عكسية، ففي الوقت الذي يفترض فيه أن يتراجع نفوذ تلك الجماعات أصبحت أقوى وأكثر تنظيما ووسعت من نطاق انتشارها. وقال ماكرون أيضا إن الدول الأفريقية ستتوقف في النهاية عن اللجوء إلى مجموعة فاغنر لأنها ستعرف أنها لا تنشر سوى الشقاء فقط، مضيف أنها "مجموعة من المرتزقة المجرمين والتأمين على حياة أنظمة فاشلة وانقلابيين". واتهم ماكرون روسيا بتغذية دعاية مناهضة لباريس في أفريقيا لخدمة طموحات "عدوانية". وقال إنه رفض الانجرار إلى منافسة عفا عليها الزمن بين قوى عدوانية ويشعر بأنه "لا حنين للفرانكفريقية" التي تمثل العلاقات الغامضة بين فرنسا ومستعمراتها السابقة التي شهدت في بعض الأحيان دعم باريس لأنظمة استبدادية. وتابع "ولكني لا أريد أن أترك فراغا بعد ذلك" وحث الشركات الفرنسية على تقديم عطاءات للحصول على عقود هناك وأن تكون أكثر احتراما للدول الأفريقية من خلال إرسال كبار المسؤولين التنفيذيين للتفاوض معهم وليس مديرين يشغلون مناصب أدنى. وسيركز ماكرون خلال الجولة على البيئة وسيشارك في قمة حول الغابات في الغابون فضلا عن لقاء فنانين أفارقة. وتحاول فرنسا إعادة بناء علاقاتها مع الدول الإفريقية بصعوبة في قارة تشكك شريحة متزايدة من سكانها في وعود الرئيس إيمانويل ماكرون بتغيير نهجه الدبلوماسي بشكل جذري. ويزور ماكرون من الأول إلى الخامس من مارس/اذار أربع دول في وسط إفريقيا لحضور قمة مخصصة لحماية الغابات الاستوائية وتعزيز العلاقات الثنائية في منطقة نفوذ تثير أطماع روسيا والصين بشكل متزايد. وتأتي رحلته بعيد انسحاب القوات الخاصة الفرنسية من بوركينا فاسو بطلب من سلطات هذه الدولة. ولم تقطع العلاقات الدبلوماسية مع واغادوغو، لكن إلغاء الاتفاق العسكري يشكل إشارة أخيرة موجهة إلى القوة الاستعمارية السابقة لإعادة التفكير في إستراتيجيتها. وفي السنوات الأخيرة حاولت فرنسا قطع صلاتها بسياستها القديمة بالقارة وممارساتها المبهمة وشبكات نفوذها الموروثة من الاستعمار، لكن في القارة، ما زال ماكرون يواجه انتقادات بسبب استمرار اجتماعاته مع القادة الأفارقة الذين يعتبرون مستبدين. وقالت سكرتيرة الدولة كريسولا زاكاروبولو التي سترافق الرئيس الفرنسي في جولته التي تشمل الغابون وأنغولا والكونغو برازافيل وجمهورية الكونغو الديمقراطية "اليوم تختار الدول الإفريقية شركاءها بحرية وسيادة وهذا أمر جيد". وترى أن الشعور المناهض لفرنسا في إفريقيا الناطقة بالفرنسية يدفع باريس إلى تطوير "موقفها باتجاه مزيد من الإصغاء والتواضع". وقالت الرئاسة الفرنسية في بيانها إن ماكرون "سيحدد أهداف زيارته وعلى نطاق أوسع أولوياته ونهجه في تعميق الشراكة بين فرنسا وأوروبا والقارة الإفريقية". لكنها تحذر أيضا من الذين يلجؤون إلى روسيا ومجموعة المرتزقة الروسية فاغنر. وقالت "نحن نعتمد على الاحترام المتبادل وسيادة شركائنا بينما يعتمد آخرون على الترهيب والمعلومات المضللة". لكن هذا الموقف لا يلقى حاليا الصدى المتوقع خصوصا بين الشباب في قارة نصف سكانها دون سن العشرين، ويبدو أنه يتقبل الرسائل المعادية لفرنسا التي تُنشر على شبكات التواصل الاجتماعي. وقال حسن كونيه الباحث في معهد الدراسات الأمنية في دكار إن "الدبلوماسية الفرنسية يجب أن تصغي" لمطالب الدول الإفريقية، مضيفا أن الوضع الأمني في دول الساحل يتدهور "يوما بعد يوم" منذ عشر سنوات. وتابع "إذا طلبت دعما بمعدات وأغلقت فرنسا الباب فستتوجه هذه الدول إلى روسيا والصين وتركيا" وهو ما عبر آلان أنتيل مدير مركز أفريقيا جنوب الصحراء التابع للمعهد الفرنسي للعلاقات الدولية، مشيرا إلى أن توريد المعدات العسكرية هو "نقطة أساسية". لكنه أشار إلى أن هذا الطلب يصعب سماعه من دول مثل فرنسا "لأن بعض دول منطقة الساحل ترتكب انتهاكات ضد السكان المدنيين". وبالإضافة إلى ذلك وبعد فشل عملياتها العسكرية لا سيما في مالي، تبدو فرنسا أكثر ميلا إلى محو وجودها العسكري في القارة والتركيز على فرص التعاون عبر مدارسها ومعاهدها ومدربيها وشركاتها. وقالت كريسولا زاكاروبولو إن "الشق الأمني كان مرئيا جدا في السنوات الأخيرة على حساب شراكتنا المدنية" وبالتالي يمكن أن تكون العلاقة بين فرنسا وإفريقيا عند منعطف. وحاليا يشبه الوضع "زوجين" تشهد العلاقة بينهما "خلافات"، حسب حسن كونيه. ويبدو أنه لا يمكن التوفيق بين الزوجين لكن الباحث يقول إنه "متفائل جدا" بسبب "العلاقات القديمة" التي تربط فرنسا بهذه البلدان. وقال مصدر دبلوماسي فرنسي "علينا مراجعة برامجنا باستمرار"، معترفا "بمعرفة غير كافية" بإفريقيا "عبر رؤية شديدة التبسيط". وتابع المصدر نفسه أن إفريقيا ليست دولة واحدة بل نحو خمسين دولة، مشددا على أن "البعد الأساسي إنساني". لكن حسن كونيه يرى أن على فرنسا أيضا أن تبرهن تمسكها بهذه العلاقة لا سيما في سياق الحرب في أوكرانيا لأن الاهتمام بالأوكرانيين "يثير تساؤلات كثيرة لدى الأفارقة حول ما يمثلونه بالنسبة للفرنسيين". ولتفسير الاستياء المتزايد في بلدان مثل مالي أو السنغال يُنظر إلى المساعدة الكبيرة المقدمة للأوكرانيين هناك على أنها معايير مزدوجة. وقال كونيه "عندما يحاول الأطباء الشباب المتخرجون بالفعل الحصول على تدريب متقدم في فرنسا ويضطرون إلى البحث عنه في ألمانيا أو في بلدان أخرى، فهذا يثير تساؤلات". وتؤكد زاكاروبولو أن أن باريس وشركاءها الأوروبيين يقفون إلى جانب الأفارقة أثناء الأزمات، بما في ذلك وباء كوفيد-19 وأنهم اليوم يتصدون لـ"حالة الطوارئ الغذائية" التي تسببت بها الحرب في أوكرانيا. وكتب أنطوان غلاسر أحد مؤلفي كتاب "مصيدة ماكرون الأفريقية" أن خلاصة القول هي أن فرنسا "لم تقدر حجم هذا الماضي الذي لا يمر"، مشددا على أن "روسيا لم تحرض على مشاعر معادية لفرنسا، بل تستغل هذا الاستياء". وفي غياب تهدئة فورية مع المستعمرات السابقة، يتابع إيمانويل ماكرون أيضا تقاربا مع البلدان الناطقة باللغة الإنكليزية وتلك الناطقة بالبرتغالية في القارة.
مشاركة :