أعلنت هيئة الشارقة للآثار عن إدراج أربعة مواقع أثرية تابعة لإمارة الشارقة على القائمة التمهيدية للتراث العالمي في اليونسكو مطلع الشهر الجاري. و سجلت الهيئة كلا من: موقع مليحة: فترة ما قبل الإسلام في جنوب شرق الجزيرة العربية ومواقع النقوش الحجرية في خطم الملاحة وخورفكان وموقع وادي الحلو: شاهد على تعدين النحاس في العصر البرونزي بشبه الجزيرة العربية وموقع المشهد الثقافي لعصور ما قبل التاريخ في الفاية كبديل عن ملف المشهد الثقافي للمنطقة الوسطى وذلك إعداداً للتسليم النهائي لملف الترشيح في فبراير 2024. وقال الدكتور صباح جاسم مدير عام هيئة الشارقة للآثار إن تسجيل هذه المواقع يأتي بعد سلسلة من الدراسات التي أجرتها الهيئة بالتعاون مع خبراء ومختصين أكاديميين لتقييم القيمة الثقافية وأهميتها الأثرية على المستوى العالمي كما تناولت هذه الدراسات الأبعاد الأثرية والقيمة التاريخية وتقارير حالة الصون والحفاظ. وأكد الدكتور صباح أن مشروع تسجيل المواقع الأثرية على القائمة التمهيدية والذي بدأ في 2021 يأتي في إطار استراتيجية الهيئة لاستدامة وصون التراث الثقافي المادي للإمارة ومشاركته مع العالم بإبراز هذه المواقع وتسجيلها على القوائم الدولية للتعريف بها محلياً وإقليمياً ودولياً حيث تضمن المشروع جرد مواقع التراث الثقافي بالإمارة ودراسة خصائصها وإظهار قيمتها الثقافية التي تضمن تصنيفها كتراث عالمي ويستوفي الموقع متطلبات التراث العالمي باستيفائه أحد المعايير العشرة وتوثيق قيمته الاستثنائية العالمية. ويُعتبر إدراج المواقع على القائمة التمهيدية أو الأولية لليونسكو تمهيداً لتسجيلها على القائمة النهائية للتراث العالمي وعاملاً لتنشيط الحركة السياحية مستقبلاً في هذه المواقع طبقاً لدراسات وإحصائيات عالمية. ويُعتبر موقع جبال الفاية مثالاً استثنائياً للبيئة الصحراوية خلال العصر الحجري والذي يؤرِّخ الاستيطان البشري المبكر في المنطقة إلى بدايات العصر الحجري الأوسط وحتى العصر الحجري الحديث خلال ظروف مناخية متغيرة في شبه الجزيرة العربية ووثقت الدراسات الأثرية والبيئية للطبقات التاريخية في الموقع استمرارية الاستيطان البشري منذ 210.000 سنة . وتؤرخ المكتشفات الأثرية بالموقع تطور الاستيطان والمستوطنين من جماعات الصيادين إلى جماعات الرعاة الرحل الذين كان لهم شعائر جنائزية خاصة، مما ساعد العلماء على وضع تصور جديد لطبيعة تكيف الإنسان مع المشهد الطبيعي للمنطقة في ظروف مناخية قاسية أدت دورات التغيرات المناخية كل 20000 عام إلى تأرجح المنطقة بين صحراء قاحلة وبيئة غزيرة المياه حيث تتجمع المياه في البحيرات وتتدفق على طول قنوات الوادي الممتد من جبال الحجر وحتى الفاية وتوثق السمات الجيومورفولوجية على طول نطاق الفاية هذه الأحداث والتغيرات مما ساعد على فهم هذه الحقبة الزمنية الهامة من تاريخ المنطقة ساهم المزيج الاستثنائي لتوافر مصادر المياه والمواد الخام والكهوف التي تم استيطانها في جعل الفاية أقدم مشهد صحراوي مأهول بالسكان في العالم مما يسد فجوة معرفية لفهم التطور البشري المبكر وتكيفه في صحراء شبه الجزيرة العربية. و تمثل مدينة مليحة في فترة ما قبل الإسلام ذروة الحضارة القديمة في هذه المنطقة امتد تأثيرها الثقافي من القرن الثالث قبل الميلاد وحتى الثالث الميلادي وأكدت المكتشفات الأثرية القيمة الثقافية المتمثلة باتصالات مليحة الخارجية والدور الحيوي الذي لعبته في تجارة القوافل كونها جزء رئيسي من شبكة التجارة عبر صحراء شبه الجزيرة العربية والتي ربطت بين سواحل المحيط الهندي والبحر الأبيض المتوسط وسكّت مليحة عملات معدنية خاصة بها ونال حكامها وتجارها ثراء مكنهم من امتلاك أفضل الجمال والخيول وبناء قبور على شكل أبراج تعبيراً عن منزلتهم الرفيعة وهو ما أثبتته دلائل الممارسات الجنائزية والعمارة الجنائزية المكتشفة والتي تشكل شهادة استثنائية لهذه الحضارة ودورها في تاريخ البشرية في المنطقة خلال ستة قرون وتعتبر مدافن الإبل والخيول الأكثر روعة في المنطقة مما يشير إلى الدور الأساسي الذي لعبه هذا الموقع في نشر هذا النوع من الممارسات الجنائزية في المنطقة. وتُعتبر النقوش الصخرية في إمارة الشارقة أول موقع فن صخري يُكتشف في منطقة جبال الحجر في مطلع القرن الماضي ويوثق الترشيح المتسلسل مجموعات تقدر بمئات النقوش المكتشفة والمحفورة على صخور الجابرو في موقع خطم الملاحة بكلباء ومواقع المديفي واللؤلؤية ووادي شي بخورفكان ويُشير التقدير الزمني لهذه النقوش إلى الألفية الخامسة قبل الميلاد وحتى عقود قليلة مضت وهو دليل على الاستمرارية الزمنية للفن الصخري من الفترات المبكرة إلى الأزمنة الحديثة وعلى مدى سبعة آلاف عام . وتُعتبر درجة تعقيد هذه النقوش ووجود رسومات فريدة من نوعها لم يتم اكتشفاها في النقوش الصخرية الأخرى بالمنطقة دلالة على استثنائية مجموعة الفن الصخري في إمارة الشارقة كما يتفرد النقش الصخري في الإمارة باعتماد الإنسان في عصور ما قبل التاريخ على استخدام الصخور المنفصلة عن النتوءات الصخرية الثابتة كمنصات لهذا الفن ويوفر الفن الصخري أساسًا هاماً لفهمنا للمجتمعات السابقة في شبه الجزيرة العربية وأرشيفًا تصويريًا هائلاً يمكن استخدامه لفهم الأحداث التاريخية والاقتصادية والتقاليد والمعتقدات الدينية بشكل أفضل من بين العديد من الجوانب الأخرى للمجتمعات السابقة. و يقدم وادي الحلو أول دليل على التعدين في جنوب شرق شبه الجزيرة العربية أثناء الفترة الانتقالية من العصر الحجري الحديث إلى العصر البرونزي ويعتبر الموقع الأثري المكتشف في وادي الحلو شهادة متكاملة لتقنيات تعدين النحاس محلياً وعلاقة سكان الوادي قديماً بالبيئة من خلال تكيفهم مع العوامل الجيولوجية والجغرافية الخلابة للموقع ويتميز نحاس وادي الحلو بدرجة نقاوته الفائقة التي قد تصل أحياناً إلى نسبة 100% تقريباً مقارنة بالمعادن المصنعة في المواقع المجاورة. وتشير الدلائل الأثرية إلى أن وادي الحلو كان جزءًا من شبكة تبادل تجاري كبيرة بين مواقع العصر البرونزي حول الخليج العربي وكان المزود الرئيسي للنحاس الخام لمواقع إنتاج البرونز الأخرى في المنطقة مثل تل أبرق وكلباء وأم النار وسجلت النقوش الصخرية الممتدة على تضاريس الوادي حركة الإنسان والمنتجات عبر الوادي باتجاه الساحل الشرقي والساحل الغربي .ويعتبر نقش القارب في أعماق الوادي والنقوش المميزة لخناجر تعبر عن الفترة البرونزية دليلاً على علاقة الموقع بشبكة التجارة المحلية والإقليمية.
مشاركة :