رغم توضيح الصين المتكرر بأن دخول منطاد مدني صيني غير مأهول إلى المجال الجوي الأمريكي كان غير مقصود وغير متوقع تماما، وهو حادث عرضي حدث لظرف قهري، فإن الولايات المتحدة، دون أي دليل، شهرت بالمنطاد باعتباره "منطاد تجسس" وأساءت استخدام القوة لإسقاطه. لقد انتهك "فعل واشنطن الهستيري الذي لا يمكن تصوره" بشكل صارخ التزاماتها بموجب اتفاقية شيكاغو والعديد من المبادئ الأساسية للقانون الدولي، إذ أصر بعض السياسيين الأمريكيين على مثل هذه الأشياء السخيفة فقط لحاجتهم السياسية الخاصة على حساب العلاقات بين الصين والولايات المتحدة. إساءة استخدام للقوة يتم إطلاق مناطيد الطقس بانتظام في جميع أنحاء العالم للتنبؤ بالطقس والبحث العلمي. كل يوم، يجري إطلاق مناطيد اللاتكس ذات الارتفاع الحر من حوالي 900 موقع حول العالم، مع قرابة ألف منطاد لجمع الملاحظات اليومية التي توفر مدخلات في الوقت الفعلي، بحسب ما أحصته المنظمة العالمية للأرصاد الجوية التابعة للأمم المتحدة. ومع ذلك، في الأسبوعين الأولين من فبراير، أسقطت الطائرات المقاتلة الأمريكية أربعة أجسام تحلق فوق أمريكا الشمالية، بما في ذلك المنطاد المدني الصيني الذي قال البنتاغون إنه "لا يمثل تهديدا عسكريا أو جسديا للناس على الأرض"، أو خطرا كبيرا لجمع المعلومات الاستخباراتية. كما اعترف الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الخميس بأن الأجسام الثلاثة الأخرى "مرتبطة على الأرجح بشركات خاصة أو مؤسسات ترفيهية أو بحثية". وقال الدبلوماسي الصيني البارز وانغ يي، على هامش مؤتمر ميونيخ للأمن الـ59، متسائلا إن "الكثير من المناطيد تحلق فوق الأرض كل يوم. هل تريد الولايات المتحدة إسقاطها جميعا؟". إن رد فعل واشنطن الشديد على منطاد الطقس لا يتعارض مع الحس العلمي السليم فحسب، بل ينتهك أيضا الممارسات والاتفاقيات الدولية العرفية. قبل كل شيء، يجب تسوية أي نزاع دولي بالوسائل السلمية حتى لا يتعرض السلام والأمن والعدالة الدولية للخطر، وفقا لميثاق الأمم المتحدة. واستنادا إلى المبادئ العامة للقانون الدولي، تعفى الطائرات غير المصرح لها بدخول المجال الجوي لبلدان أخرى من المسؤولية القانونية في ظروف القوة القاهرة والاستغاثة والضرورة. منذ العام الماضي، حلقت مناطيد أمريكية بشكل غير قانوني فوق المجال الجوي للصين أكثر من 10 مرات دون موافقة السلطات الصينية ذات الصلة. لكن الصين تعاملت مع تلك الرحلات الجوية غير القانونية بطريقة هادئة ومهنية. وقد اظهر ذلك احترام بكين للقانون الدولي وإخلاصها في إدارة العلاقات الصينية الأمريكية بشكل صحيح. وفيما يتعلق بـ"المنطاد الشارد"، طلبت الصين بوضوح من الجانب الأمريكي التعامل مع المسألة بشكل صحيح بطريقة هادئة ومهنية ومنضبطة، فيما استخدمت الولايات المتحدة "أنظمة الأسلحة الأمريكية الأكثر تقدما" - كما صورتها صحيفة ((واشنطن بوست)) - للقضاء على الجسم الطائر. من الجلي أن واشنطن لجأت مرة أخرى إلى المعايير المزدوجة. وفي عام 2016، احتجزت الصين غواصة غير مأهولة -- أعلن البنتاغون مسؤوليته عنها لاحقا -- في بحر الصين الجنوبي لمنعها من الإضرار بسلامة الملاحة والأفراد لدى السفن المارة. ودعت وزارة الدفاع الأمريكية الصين إلى "إعادة غواصتنا غير المأهولة على الفور والامتثال لجميع التزاماتها بموجب القانون الدولي". وتتناقض دعوتها بشكل حاد مع إسقاطها للأجسام المدنية الطائرة الأربعة. صورة التقطت في 19 فبراير 2020 للبنتاغون من طائرة تحلق فوق العاصمة الأمريكية واشنطن. (ششينخوا) -- قوة عظمى للمراقبة الولايات المتحدة، كقوة عظمى للمراقبة، لديها تاريخ طويل في إرسال مناطيد وطائرات مراقبة خارج حدودها لجمع المعلومات الاستخباراتية. وهذا يساعد في تفسير لماذا يمكن لرواية "منطاد التجسس" التي لا أساس لها من الصحة أن تثير الهستيريا الجماعية في وسائل الإعلام والمجتمع السياسي الأمريكي. قبل دخول طائرة الاستطلاع لوكهيد يو-2 وأقمار التجسس في الخدمة، طورت القوات الجوية الأمريكية برامج مناطيد استطلاع تُعرف باسم دبليو إس-119 إل ودبليو إس-461 إل لمهمة جمع المعلومات الاستخباراتية فوق أوروبا الشرقية والاتحاد السوفيتي بين أواخر الخمسينيات وأوائل الستينيات من القرن الماضي. في الوقت الحاضر، باعتبارها مركز ثقل الإنترنت العالمي والنشاط الاستخباراتي، عززت الولايات المتحدة مكانتها المتميزة في المراقبة. ومن بين الدول التي تتجسس عليها الصين، التي تعرضت لمضايقات من أجهزة تجسس أمريكية عدة مرات خلال السنوات القليلة الماضية. وأكدت وزارة الخارجية الصينية في يونيو 2022 أن الولايات المتحدة قد نشرت العديد من الطائرات العسكرية والسفن الحربية في بحر الصين الجنوبي بشكل منتظم وأن طائراتها الاستطلاعية انتحلت إلكترونيا رموز طائرات مدنية لدول أخرى هناك مرارا وتكرارا. وقالت الوزارة، نقلا عن إحصاءات من مؤسسات ذات معرفة مهنية، إن عدد مهام الاستطلاع العسكرية الأمريكية القريبة ضد الصين زاد بأكثر من الضعف مقارنة بما كان عليه قبل عشر سنوات. وفي سبتمبر من العام الماضي، أصدر المركز الوطني الصيني للاستجابة الطارئة لفيروسات الحاسبات وشركة الأمن السيبراني 360 على التوالي تقارير تحقيقات حول هجمات طالت جامعة نورث وسترن للفنون التطبيقية في الصين من قبل وكالة الأمن القومي الأمريكية، حيث بينت أن وحدة عمليات الوصول المخصصة التابعة للوكالة شنت مئات الآلاف من الهجمات الإلكترونية الخبيثة مستهدفة أهدافا صينية. وتستهدف شبكة المراقبة الأمريكية، التي تتغلغل في كل جزء من العالم، حلفاء واشنطن أيضا. في مايو 2021، ذكرت هيئة الإذاعة الوطنية الدنماركية ((دي آر نيوز)) أن جهاز استخبارات الدفاع الدنماركي منح وكالة الأمن القومي وصولا مفتوحا إلى الإنترنت للتجسس على رؤساء دول مستهدفين، إضافة إلى قادة وسياسيين اسكندنافيين بارزين ومسؤولين كبار في ألمانيا والسويد والنرويج وفرنسا، من بينهم المستشارة الألمانية آنذاك أنجيلا ميركل. ولم يكن ذلك غريبا على القادة الأوروبيين. في 2013، كشف المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي إدوارد سنودن أن واشنطن كانت تتجسس على البريد الإلكتروني واتصالات الهاتف الخلوي لما يصل إلى 35 من قادة العالم. وكشف سنودن أيضا أن برنامج مراقبة أمريكي أطلق عليه اسم "ستيت روم" أمر بتركيب معدات استخباراتية سرية في نحو 100 سفارة وقنصلية دبلوماسية أجنبية في دول أخرى للتجسس. ونقلت مجلة ((فوكس)) الألمانية ذات مرة عن خبير في السياسة الخارجية قوله إن "واشنطن تفقد أرضيتها الأخلاقية". وذكرت ((فوكس)) أنه من خلال شبكة المراقبة العالمية ا لخاصة بها، "فإن الولايات المتحدة نفسها هي المتنصت الحقيقي"، رغم أنها تفضل تصوير نفسها كضحية للتجسس.■
مشاركة :