في هذا العهد الزاهر التي تمر به المملكة العربية السعودية، بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله-، وولي عهده الأمير محمد بن سلمان صاحب الرؤية الميمونة التي «قفزت» بالإعلام السعودي إلى مستوى المنافسة على الأصعدة كافة، المحلية والإقليمية والعالمية، وفي هذا السياق الحضاري، جاء المنتدى السعودي للإعلام في نسخته (2)، بتعاون مهني عالي المستوى، بين هيئة الإذاعة والتلفزيون، وهيئة الصحفيين السعوديين، لترتيب أوراق المشهد الإعلامي السعودي، ليتناغم مع طموحات رؤية المملكة 2030، وعندما كرَّم وزير الإعلام المكلف الدكتور ماجد القصبي، الأستاذ خالد المالك رئيس تحرير صحيفة «الجزيرة» قبل أيام، باختياره شخصية العام الإعلامية، فإنه بهذا التكريم المستحق، لم يكرم المالك في شخصه وعطائه العظيم، بل كرَّم جيلاً كاملاً من الإعلاميين السعوديين الذين أسهموا بجدارة في مرحلة تطوير صحافتنا السعودية التي تعيش هذه الأيام «قمة» مجدها المهني، وحضورها الفاعل في المجتمع السعودي، رغم التطور الرقمي الذي قفز بوسائل التواصل الاجتماعي قفزات نوعية غير مسبوقة. إن كبير الصحافيين السعوديين الأستاذ خالد المالك، هو من جيل الرواد الذين حملوا مشعل التطوير والتجديد في الصحافة المحلية، بشكل يتناغم مع متطلبات العصر، بعد تأسيسها على أيدي رواد «صحافة الأفراد»، أمثال الشيخ حمد الجاسر، والشيخ عبدالله بن خميس -رحمهما الله-، وغيرهما في مختلف مناطق المملكة، ولا شك أن محاولة رصد إسهامات المالك في تطوير الصحافة المحلية والخليجية من خلال المواقع التي شغلها خلال الفترة الأخيرة، برئاسته مجلس إدارة هيئة الصحفيين السعوديين، واتحاد الصحافة الخليجية، ومن خلال مسيرته الصحفية التي تجاوزت خمسين عاماً، لاشك أن تلك المحاولة صعبة جداً، خاصة مع قامة عظيمة مثل الأستاذ خالد المالك، وإسهاماته المختلفة والمتنوعة بتنوع المواقع القيادية التي شغلها خلال مسيرته الصحفية الطويلة، لكنني أستطيع القول: إنه بشهادة مؤرخي الصحافة السعودية، هو «شاهد عصر» على مراحل تطور الصحافة السعودية والعربية، فعندما تولى رئاسة صحيفة الجزيرة في مراحلها التاريخية المختلفة، ساهم بشكل احترافي في صياغة النجاح والتميز لهذه الصحيفة التي قادت المشهد الصحفي في الرياض العاصمة وما زالت، وعلى المستوى الشخصي رأيته وقابلته في أكثر من موقع فوجدته الأستاذ والمعلم، فمنذ أن بدأت الكتابة اليومية في الجزيرة قبل (21 سنة)، وأنا أجد منه كل الدعم والتشجيع الأبوي الحاني، فهو لم يغب عن حضور حفل مجلس أمناء مؤسسة حمد الجاسر الخيرية السنوي، برعاية سيدي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز -حفظه الله- أمير منطقة الرياض -آنذاك-، والرئيس الفخري للمؤسسة إبان إدارتي لمركز حمد الجاسر الثقافي (1423- 1425هـ) محبةً ودعماً للمركز وصاحبه، علامة الجزيرة الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله-، فقد كان هذا نهج المالك مع الشباب السعوديين دعماً وتوجيهاً وما زال على هذا النهج، فهو مدرسة أخلاقية قبل أن يكون مدرسة صحفية. من خلال متابعتي الشخصية لمسيرته الصحفية عن قرب، وقفت على عدد من الإنجازات المهنية التي جعلت منه أستاذ جيل وأنموذجاً وطنياً يفاخر به: * صحيفة الجزيرة كانت مثالاً للمؤسسات الصحفية المحلية التي استمرت في التطوير المتسارع من خلال استقطاب القيادات الشابة من الصحفيين السعوديين، وصنعت منهم «قيادات إعلامية» تخرجوا من مدرسة الجزيرة، وتحت إشراف مباشر من رئيس تحريرها، ليقودوا كبريات الصحف والمجلات الورقية والرقمية في الداخل والخارج. * إصدارات الجزيرة كانت أنموذجاً رائعاً في تفاعل الصحافة مع قضايا الوطن، ورصد مسيرة قادته من السياسيين والمثقفين، وأذكر هنا: كتاب «حبيب الشعب» الذي أصدرته الجزيرة عن الملك فهد -رحمه الله-، وكتب مقدمته الأمير الراحل سلطان بن عبدالعزيز -رحمه الله-، والذي صدر عام 1426هـ، وكذلك كتاب «الاستثناء: غازي القصيبي.. شهادات ودراسات» ضمن إصدارات (الجزيرة الثقافية)، عندما كان الصديق الدكتور إبراهيم التركي مديراً للتحرير. * الحضور الفاعل والإسهام الفكري في صناعة المشهد الثقافي السعودي، من خلال رؤية معتدلة، تقف من الجميع على مسافة واحدة، جعلت من صحيفة (الجزيرة) ومجلتها (الثقافية) أيقونة اعتدال، وأنموذج وسطية في التعامل مع التنوع الثقافي والفكري بين الأدباء والمفكرين في الداخل، وعلى امتداد الوطن العربي، فلم يمارس الأستاذ خالد المالك «الإقصاء» مع أي مثقف أو مفكر في الداخل أو الخارج، بل جعل من (الثقافية) منصة اعتدال على مدار السنوات الماضية، بدءًا بالدكتور إبراهيم التركي، وانتهاء بالدكتور محمد الفيصل، فقد جعل المالك من المجلة (الثقافية) محوراً أساسياً في المشهد الثقافي السعودي، بل إنها بشهادة النقاد منبر ثقافي سعودي أصيل، يتجاوز المحلية إلى معانقة رموز الثقافة العربية من خلال «الملفات» الاحتفائية الناضجة التي تسبر أغوار مسيرتهم الفكرية، وتقديمه للأجيال بشكل جذاب، من خلال أقلام المعاصرين لهم. ومن خلال هذه الملفات «النوعية» في الاختيار والتناول، بعيداً عن أوهام «التصنيف»، استطاعت (الثقافية) أن تقود المشهد الثقافي المحلي، وتعمل بكل جدارة، على ربط الأجيال المختلفة والمتنوعة في بيت ثقافي معتدل فكرياً، يسوده الحميمية والتواصل الحضاري الراقي، ولا شك أن شخصية وإدارة أستاذنا المالك كانت هي «الخلطة السرية» للطبخة الثقافية التي تقدم بشكل أسبوعي جذاب، كما أنه هو الداعم والمثقف الكبير، وصاحب الحس الثقافي، بل هو «حجر الزاوية» الذي منح الثقافية حضوراً مميزاً وتقديراً خاصاً، جعلها بحق «عروس الثقافة» السعودية، بل العربية، من خلال مسيرتها الثقافية، في المشهد الصحفي المحلي والعربي. * المالك يتمتع على المستوى الشخصي بحضور إعلامي مميز، جعل منه شخصية عامة ذات حضور اجتماعي مختلف، فقد رأيته أكثر من مرة في اثنينية عثمان الصالح -رحمه الله-، مشاركاً ومعلقاً في أمسياتها المختلفة، كما رأيته في خميسية الشيخ حمد الجاسر -رحمه الله-، حاضراً ومشاركاً في برامجها، مما جعل منه رئيس تحرير مختلفاً بحضوره الاجتماعي المميز والفريد، مما صنع منه رمزاً إعلامياً سعودياً، له حضوره الإقليمي والعربي، ولاشك أنه بذلك أصبح مدرسة صحفية نجحت بامتياز في «التواصل والاتصال» الحيوي، بعيداً عن مكاتب التحرير وأصوات المطابع.
مشاركة :