أنقرة - يستعد تحالف المعارضة التركي المؤلف من ستة أحزاب (طاولة الستة) للإعلان عن مرشحه لخوض الانتخابات الرئاسية المقررة في مايو/أيار، وسط بوادر خلاف على منافس الرئيس رجب طيب أردوغان الذي يطمح إلى الفوز بولاية جديدة في مهمة لا تبدو سهلة، بينما تسود مشاعر الغضب والمرارة إزاء تعامل الحكومة مع كارثة الزلزال الذي عصف بالبلاد وأودى بحياة عشرات الآلاف من الأتراك وتعول المعارضة على انتهاز فرصة تاريخية لطي صفحة عقدين من حكم الإسلاميين. وأعلن التحالف أنه سيكشف عن اسم مرشحه يوم الاثنين رغم وجود مؤشرات انقسام حول هذه المسألة وقضايا أخرى في حزب (الجيد) القومي ثاني أكبر حزب في التحالف، فيما أفاد الحزب بأنه سيجري محادثات اليوم الجمعة. وأخفقت المعارضة في انتخابات وطنية سابقة في أن تشكل تحديا حقيقيا لأردوغان المتولي للسلطة منذ عقدين، لكن شعبيته تراجعت وسط تدهور الأوضاع المعيشية حتى قبل زلازل الشهر الماضي الذي خلف دمارا هائلا في البلاد، إذ قدر خبراء أن تناهز كلفة إعادة البناء 100 مليار دولار وتحذف بين نقطة واحدة إلى نقطتين مئويتين من النمو الاقتصادي للبلاد في العام الجاري. وأشار أردوغان يوم الأربعاء إلى أن الانتخابات ستجرى في 14 مايو/أيار، متمسكا بخطته السابقة لتنظيم الاقتراع في موعده دون النظر لتأثير الزلازل التي تسببت في توجيه انتقادات لتعامل حكومته مع الكارثة، إذ أكد العديد من المنكوبين أنهم تركوا وحيدين في مواجهة المحنة. وكانت المعارضة قد حذرت الرئيس التركي من تأجيل الانتخابات بذريعة الانشغال بتداعيات الزلازل، إذ تعوّل على استغلال فرصة قد لا تتكرر في إنهاء حكم العدالة والتنمية مراهنة على الآمال في أن ترتد حالة الاحتقان الشعبي تصويتا عقابيا. واجتمع قادة أحزاب المعارضة الستة الخميس مع توقع أنهم سيتفقون على مرشح مشترك يعتقد على نطاق واسع أنه سيكون كمال كليجدار أوغلو زعيم حزب الشعب الجمهوري المعارض الرئيسي وقالوا في بيان "توصلنا إلى تفاهم مشترك حول مرشحنا الرئاسي المشترك للانتخابات الرئاسية الثالثة عشرة وخارطة الطريق لعملية الانتقال". وأضاف البيان، الذي وقعه قادة كل الأحزاب الستة، أن الزعماء سيطلعون المجالس التنفيذية لأحزابهم قبل الاجتماع مرة أخرى يوم الاثنين "لمشاركة البيان النهائي مع الجمهور". وذكرت تقارير إعلامية أن قادة الأحزاب عبروا بشكل كبير عن دعمهم لترشيح كليجدار أوغلو، لكن لا تزال هناك معارضة لترشيحه داخل حزب "الجيد" بزعامة ميرال أكشينار. وقال مسؤول من حزب الجيد، طلب عدم ذكر اسمه، "هناك آراء مختلفة عن الخطوة المقبلة. من الأفضل ألا نخوض في تفاصيل في هذه المرحلة. لا أستطيع أن أقول إننا راضون عن النقطة التي وصلنا إليها. اليوم سيكون حاسما"، مضيفا أن "كليجدار أوغلو مرشح قوي لكن ينبغي أيضا مناقشة صلاحية مرشحين آخرين، فيما طرحت مسألة ترشيح رئيسي بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو ورئيس بلدية أنقرة منصور يافاش وهما من حزب الشعب الجمهوري وأشارت استطلاعات رأي إلى أن وضعهما ربما يكون أفضل من كليجدار أوغلو في مواجهة أردوغان. وقالت زعيمة الحزب الجيد القومي التركي المعارض ميرال أكشينار اليوم الجمعة "طرحت ترشيح رئيسي بلدية أنقرة وإسطنبول لخوض الانتخابات الرئاسية لكن الأحزاب الخمسة الأخرى لم تقبل بذلك ورشحت كمال قليجدار أوغلو". وقال مسؤول في حزب الشعب الجمهوري إن هناك اتفاقا واسعا على اختيار كليجدار أوغلو، مضيفا "لا نتوقع أي مشاكل بعد الآن. سيُتخذ هذا القرار بالإجماع. لا أريد التفكير في أي خيار آخر". وتواجه حكومة أردوغان انتقادات بسبب طريقة إدارتها للاستجابة الطارئة للزلزال وتحميلها مسؤولية التغافل عن فساد قطاع البناء لتحقيق أهداف انتخابية، مما فاقم ما كان يتوقع بالفعل أن يكون أكبر تحد انتخابي له خلال حكمه المستمر منذ عقدين. وتعاونت المعارضة بشكل أوثق منذ نجاحها في الفوز برئاسة بلديات كبرى مثل إسطنبول وأنقرة منتزعة إياها من يد حزب العدالة والتنمية الحاكم بزعامة أردوغان في الانتخابات المحلية التي جرت عام 2019. ومع ذلك، أشارت تقارير إلى وجود خلاف داخل تحالف المعارضة وسط شكوك في قدرته على الاستفادة من تآكل شعبية أردوغان التي أظهرتها استطلاعات الرأي. أنقرة – تتعالى أصوات المعارضة في تركيا محذرة الرئيس رجب طيب أردوغان من تأجيل الانتخابات بدعوى الانشغال بالكارثة وباحتمال نقل عشرات آلاف الأشخاص بعيدا عن مناطقهم التي دمرها الزلزال وهو ما يؤثر على الاقتراع عموما. وقال زعيم حزب 'المستقبل' المعارض أحمد داود أوغلو من جهته، إنه لا يمكن إرجاء الانتخابات بسبب الزلزال المدمر الذي راح ضحيته أكثر من 35 ألف تركي. واعتبر داود أوغلو وهو رئيس وزراء سابق وكان حليفا مقربا لأردوغان قبل ان ينشق عن حزب العدالة والتنمية، أن تأجيل الانتخابات يعني استمرار التيار الحالي بالسلطة لفترة أطول و"هو أكبر ظلم يمكن ارتكابه بحق الشعب التركي". ولا تريد المعارضة التركية بمختلف ألوانها إضاعة هذه الفرصة التي تراها الأنسب لإنهاء حكم العدالة والتنمية عبر صناديق الاقتراع مستغلة حالة الغليان الشعبي وفقدان الأتراك الثقة في أردوغان وحزبه. وتأجيل الانتخابات يعني إعطاء أردوغان فرصة لترميم الشروخ في حزبه وإاعادة ترتيب أوراقه واستقطاب صوت الناخب عبر إجراءات مالية واجتماعية. وقال زعيم حزب المستقبل "في هذه الفترة العصيبة لا تفكروا بالانتخابات. سيتم عقدها عندما يحين الموعد. عليكم الآن أن تشعروا بالألم، لكن أنتم والمقربون منكم والدوائر المحيطة بكم تتحدثون بشكل مباشرة عن سيناريوهات إرجاء الانتخابات. لا تفعلوا هذا". وحذر في المقابل من اي خطوة قد تتخذها هيئة الانتخابات بأن تقرر بدفع من أردوغان لتأجيل الانتخابات، معتبرا أن اي خطوة من هذا النوع ستعتبر انقلابا مدنيا وانتهاكا للقواعد الدستورية. وعزف داود أوغلو بدوره على الوتر الحساس في غمرة الغضب الشعبي من الاستجابة الضعيفة للحكومة مع الكارثة، داعيا الأتراك إلى أن لا يفكروا كثيرا في الانتخابات وأن يلتفتوا في الوقت الراهن إلى ممارسة أعمالهم وإلى تقديم المساعدات للمتضررين من الزلزال. وقال "السلطة الحالية قد تفكر في استغلال الزلزال ضمن حسابات قصيرة المدى بل وقد تنفذ انقلابا مدنيا على الديمقراطية لأجل هذا، لكن اعلموا أننا حاضرون. سنحافظ على الدولة والديمقراطية وسنعمل ليلا ونهارا لرفع هذه الغمة عن الشعب". وكان زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليجدار أوغلو قد شدد أمس الأربعاء على ضرورة عدم تأجيل الانتخابات وهو واحد من المعارضين الذي قد يكون خيار تحالف طاولة الستة الذي كان يميل لترشيح أكرم إمام أوغلو، لكن حكما قضائيا ابعد الأخير عن ممارسة السياسية وحرمه من الترشح للانتخابات ولا يزال يقاوم هذا الإقصاء من خلال الطعن في الحكم، إلا أن المسار القضائي قد يكون طويلا. وتشير تصريحات قادة أحزاب المعارضة التركية وخاصة قادة تحالف 'طاولة الستة' وتلميحات من مسؤولين حكوميين إلى معركة مفتوحة حول إجراء الانتخابات في موعدها أو إرجائها، فالشق الأول كثف في الفترة الأخيرة من التحذير من تأجيل الانتخابات، بينما يطلق الشق الثاني إشارات التأجيل وبشكل مكثف، في حين تبدو المسألة مرتبطة بمشهد جديد رسمه الزلزال المدمر والذي من المتوقع أن تؤثر نتائجه على حظوظ الطرفين. ويبدو حزب العدالة والتنمية الحاكم في ورطة حقيقية لا تنفع معها الصور والفيديوهات التجميلية التي تشتغل عليها وسائل الإعلام المقربة من النظام لتحسين وتلميع صورة الرئيس رجب طيب أردوغان. الرئيس التركي الذي زار أكثر من منطقة منكوبة وأطلق الكثير من الوعود وبدا عليه التأثر بشكل كبير وهو يواسي ضحايا الزلزال يدرك جيدا أن صورته اهتزت بشدة على وقع الهزات الزلزالية وآلاف قبروا تحت الأنقاض وكان يمكن إنقاذهم لو كان التدخل الحكومي سريعا ولو لم يكن مستوى الاستجابة للتعامل مع الكارثة كارثيا. وهذا الاستنتاج لم يأت على لسان المعارضة لوحدها فقد سبق للناجين من الزلزال أن اشتكوا وبحرقة تأخر التدخل الحكومي على جميع المستويات سواء لإنقاذ ما يمكن إنقاذه من الأرواح أو لجهة مساعدات الإغاثة من ماء ودواء وغذاء وخيم، فقد ظل آلاف يبيتون في السيارات أو يفترشون الأرض ويلتحفون السماء في طقس نزلت معه درجة الحرارة إلى ما دون الصفر. وتحت الأنقاض ظلت عائلات بأكملها تصرخ وما من مجيب فلا أحد من الموجودين من السكان كان بمقدوره فعل شيء في ظل غياب الجرافات وأدوات التدخل لانتشال المستندين عبثا ممن خفتت أصواتهم تدريجيا إلى أن صمتوا نهائيا. والحرقة كانت أكبر لكثيرين يسمعون صرخات ذويهم: أبناء وأمهات وزوجات من دون أن يملكوا القدرة على مساعدتهم في غياب تدخل عاجل في المناطق الأكثر تضررا وبعضها ظل لأكثر من يوم ينتظر المدد. وهذا جزء من المشهد وحتما سيرتد تصويتا عقابيا في مراكز الاقتراع إن كتب لها أن تفتح أبوابها في الموعد الذي حدده أردوغان في مايو القادم. والواضح أنه ليس من مصلحة حزب العدالة والتنمية أن يغامر في ظل غضب شعبي ومعارضة تبدو قوية رغم اختلافاتها، تحاول استثمار حالة الاحتقان لإنهاء عقدين من حكم الإسلاميين.
مشاركة :