دخل العراق في سباق بحثا عن سبل إزالة التحديات والعراقيل أمام تنمية قطاع التجارة، والذي تعول عليه الحكومة هذه الفترة في مشروعها الطموح لإعادة بناء الاقتصاد وفق رؤيتها الإصلاحية رغم التشكيك في قدرتها على اجتياز هذه المشكلة في وقت قريب. بغداد- تحاول الحكومة العراقية بشتى الطرق وضع قدم باتجاه توسيع آفاق قطاع التجارة بالرهان على تقديم تسهيلات ائتمانية أكبر ومناقشة سبل تخفيف الرسوم والضرائب عن الشركات والتجار حتى يتمكنوا من تنشيط أعمالهم بشكل أكبر. وقدم مشاركون من اتحاد الغرف التجارية ورابطة المصارف الخاصة العراقية والبنك المركزي وأعضاء من لجنة الاستثمار والتنمية النيابية في ملتقى أقيم الأحد في العاصمة بغداد رؤيتهم لما يجب أن يكون عليه القطاع في المرحلة المقبلة. عبدالرزاق الزهيري: كافة المتدخلين مهتمون بتسهيل عمل التجار والمستوردين عبدالرزاق الزهيري: كافة المتدخلين مهتمون بتسهيل عمل التجار والمستوردين ونقلت وكالة الأنباء العراقية الرسمية عن رئيس اتحاد الغرف التجارية عبدالرزاق الزهيري خلال افتتاح الملتقى قوله إن “الأيام الحالية خصبة للقطاع الخاص، وهناك تسهيلات من قبل جميع المؤسسات لحل المشاكل التي تواجه القطاع التجاري”. وأضاف أن “هدف مشاركة جميع المؤسسات الفعالة بهذا الملف، وهي البنك المركزي ورابطة المصارف الخاصة واللجان النيابية ذات الاختصاص بالإضافة الى مصلحة الضرائب ومسجل الشركات هو تسهيل المهام للتجار والمستوردين”. ولطالما أكدت تقارير دولية، وخاصة تلك الصادرة عن البنك الدولي، أن قطاع التجارة في العراق هش، وأنه من المُهم تنميته وتنويعه لدعم النمو والازدهار للبلاد والسكان. وجعلت أربعة عقود من الحروب والفساد والأزمات المتنوعة الأخرى البلد النفطي، العضو ضمن منظمة أوبك، في حالة فريدة فيما يتعلق بالتجارة والسياسة التجارية التي لم تتطور بالشكل الأمثل. ويقول محللون إن العراق يعد من أقل الدول تنويعا في الصادرات، ففي السنوات الخمس الأخيرة لم يكن سوى 4.1 فقط من الصادرات خارج مبيعات النفط رغم أنها انخفضت عما كانت عليه في العام التالي من الغزو الأميركي عام 2003 حينما بلغت 8.5 في المئة. وأدى التخلي عن المزارع والمصانع خلال سنوات الحرب إلى إضعاف القدرة الإنتاجية للعراق بشكل كبير. ونتيجة لذلك انخفضت الحصة المشتركة للزراعة والتصنيع في الناتج المحلي الإجمالي بنحو ثلاثة أرباع منذ أواخر ثمانينات القرن الماضي. ومن بين العوائق الأخرى أن البلد يفرض على التجارة الكثير من اللوائح التنظيمية، إذ تتطلب ثلاثة أرباع الواردات الحصول على ترخيص خاص، علاوة على ترخيص آخر للحصول على العملة الصعبة اللازمة للاستيراد. وتكاد تكون وزارة التجارة العراقية الوحيدة في العالم المسؤولة عن توزيع الحصص التموينية على السكان، وهذا ميراث يعود إلى فترة العقوبات الدولية خلال تسعينات القرن الماضي وبرنامج الأمم المتحدة للنفط مقابل الغذاء الذي انتهى في 2003. وثمة عدد كبير من الشركات المملوكة للدولة تضطلع بتنظيم جوانب مختلفة من الاستيراد ولكن النظام عرضة للفساد وسوء الاستخدام. 4.1 فقط من الصادرات في السنوات الأخيرة خارج مبيعات النفط رغم أنها انخفضت عما كانت عليه في العام التالي من الغزو الأميركي ويشير خبراء إلى أن تلك الحالة تسببت في استخدام الطلبات المزيفة للاستيراد في تهريب النقد الأجنبي إلى الخارج، وخاصة إلى إيران، وهو ما تسبب خلال الآونة الأخيرة في انهيار الدينار أمام الدولار قبل أن تحدد الحكومة سقفا لقيمته من أجل تفادي الأسوأ. كما حدت تلك الوضعية من المبالغ المتاحة للشركات التي تعمل تحت مظلة القانون للحصول على المعدات المستوردة والسلع الوسيطة. وإلى جانب ذلك كله، فإنه في بعض المواقع تبدو حدود البلد صعبة التنقل والعبور وفي مناطق أخرى مليئة بالثغرات رغم قيام الحكومة السابقة التي ترأسها مصطفى الكاظمي بشن حرب على الفاسدين الذين يسيطرون على المنافذ التجارية البرية. ورغم إعادة فتح نقاط التفتيش الحدودية ومراقبتها بصرامة، مازال التجار يواجهون تأخيرات طويلة ورسوم امتثال عالية، فضلا عن عبء استخدام تقديم المستندات الورقية. وقال خبراء البنك الدولي في أحد تقاريرهم قبل فترة إن “الإجراءات غير متسقة وثمة نقص في التنسيق بين دوائر الامتثال الحدودي مما يسهم في زيادة التأخير”. وتطرق خبراء البنك في تقرير “النهوض من واقع الهشاشة في العراق”، تم إصداره في نوفمبر 2021، إلى أن “هناك انطباعا بأن الجمارك وغيرها من دوائر الامتثال الحدودية فاسدة وتفتقر إلى التدريب المهني”. ويؤدي تدهور حالة الطرق العامة والسريعة إلى زيادة تكاليف النقل. وفي الوقت نفسه هناك بضائع تعبر الحدود بشكل غير رسمي في بعض المواقع، لاسيما على الحدود الطويلة مع إيران، حيث يكون الحافز عالياً للتجارة غير الشفافة لتجنب العقوبات. عمار حمد: المركزي يركز على تمويل التجارة الرقمية ونشر أدواتها عمار حمد: المركزي يركز على تمويل التجارة الرقمية ونشر أدواتها واليوم يسعى العراق إلى تخطي إحدى أهم العقبات في خططه الإصلاحية الطموحة، التي تتبناها حكومة محمد شياع السوداني والمتمثلة في إنعاش دور القطاع الخاص وتسليمه جزءا من برامج التنمية بعد أن بات جذب الاستثمار أحد الرهانات في النهوض بالتنمية. ولمعاضدة تلك الجهود تعمل السلطات النقدية على ترسيخ تجربة الدفع الإلكتروني رغم الصعوبات والتحديات التي تعترضها بسبب ضعف البنية التحتية للاتصالات جراء سنوات الحرب. وقال نائب محافظ البنك المركزي عمار حمد إن “البنك المركزي مستمر بعملية الإصلاح للنظام المصرفي، ونركز حاليا على عملية تمويل التجارة الإلكترونية ونشر أدوات الدفع الإلكتروني”. وأضاف أن المركزي “عمل على تسهيلات لتجار التمويل والتحويل الخارجي للتجارة، وهناك التزام واضح في قانون مكافحة غسيل الأموال لتمويل الإرهاب”. وفي أواخر يناير الماضي كشف البنك أنه سيفرض استخدام أدوات الدفع الإلكتروني في القطاعين الحكومي والخاص، ليس بسبب ما تفرضه الرقمنة لتغيير نمط التعاملات التجارية والتقليل من التعاملات النقدية في السوق، وإنما لقطع الطريق أمام الفاسدين والسوق السوداء. ويأتي هذا التحول رغم أن نظام الدفع الإلكتروني بالعراق متأخّر عن أقرانه في الشرق الأوسط كونه لا يمتلك تكنولوجيا متطورة في مجال الإنترنت والاتصالات، بالإضافة إلى أن الاقتصاد العراقي مازال يعاني من أزمات صعبة تمنعه من التقدم. وتشير تقارير دولية إلى أن خدمات الدفع الإلكتروني في البلد لا تزال ضعيفة، ومع ذلك سعت الحكومة عبر سياسات اتخذتها إلى تقليل التعامل بالأوراق المالية والتحول تدريجيا إلى نظام الدفع الرقمي للأموال.
مشاركة :