لماذا يتم الاحتفاء بـ«التليّ»، أحد فنون التطريز في الموروث الثقافي لمجتمع دولة الإمارات، حيثُ سُجل مؤخراً على قائمة «اليونسكو» للتراث الثقافي غير المادي، وما الذي تعنيه كل تلك الحركة الحرفية لأيادي النساء، وهي تنسج ضفائر من خيوط معدن الفضة أو الذهب، ممزوجة بأشكال هندسية، متداخلة مع خيوط قطنية بألوان مختلفة، تزهر بها حواف القطعة، وما ينتج عنها تصميمات زخرفية، تحتفي بها النساء في الحفلات والمناسبات والأعياد، وهو ما جعل حضورها في المنصات الثقافية والفنية، بمثابة قراءة جمالية واجتماعية لتاريخ المرويات الشفاهية في التوثيق الإنساني المحلي والعالمي؟ أخبار ذات صلة حاكم الفجيرة: الإمارات تواصل الوفاء بالتزاماتها الإنسانية التوطين يدخل مرحلة جديدة.. و«نافس» يرفع التحدي ارتباط بالهوية أسئلة مهمة لإثراء مفاهيم البحث الفني، حول «بيت التليّ» في مهرجان سكة للفنون والتصميم، الهادف إلى بناء منصة حوارية مستدامة، حول الفنون الحرفية، من خلال إلهام الفنانين الشباب، نحو ابتكار سياقات فنية جديدة، تمنح «التليّ» مسارات وظيفية وفكرية وفنية ذات مدلولات عصرية، بأبعاد تاريخية تؤصل الارتباط بالهوية، وقدرتها على الانفتاح والتطور، وهي إحدى السمات الرئيسة لمشروع الفنانة الشابة سارة الخيال، إحدى المشاركات في «بيت التليّ»، مبينة في حوارها مع «الاتحاد» أنها سعت منذ البداية إلى توثيق قصص النساء، بمخيلة إبداعية، تتخذ من حرفة التليّ اليدوية طريقاً لإدراك لغة التواصل الفريدة بين النساء وأياديهن، التي تمارس عزفاً إيقاعياً بين الخيوط والأداة الداعمة لعملية النسج وهي وسادة التطريز المتموضعة على حامل معدني يطلق عليها محلياً «كاجوجة». وبهذه المُلاحظة المتفردة التي أشارت إليها الفنانة الشابة سارة الخيال، نعود إلى مفهوم سجله المتخصصون في المجال، وتحديداً في كتاب «منصة التصميم الإماراتي» فيما يتعلق بالنسيج اليدوي التقليدي، أنه لطالما كان نشاطاً للترويح عن النفس، ويُمارس ضمن مجموعات مترابطة، ويغذي الاحتياجات المادية المباشرة، معززاً الأواصر والتماسك المجتمعي. ومن الجزئيات الحيوية في تجربة الفنانة الشابة سارة الخيال، عندما طلبت من جدتها أن تعلمها طريقة عمل «التليّ»، ما تحدثت عنه قائلةً: «كل مره أتابع الأنماط الموجودة في التليّ، في محاولة لاستخراج الاشكال، أكون غير مقتنعة بالنتيجة، فقررت أن أتعلم الحرفة من جدتي، واكتشفت أنها ليست مجرد حرفة، فبينما أحرك يديّ، كنت أمارس فعل التكرار، وأتأمل كي يعيد الشكل نفسه مرات عديدة، وتعمقت أكثر في آلية تشكل النمط، وقرأت سيكولوجية الألوان، وكيف تتفاعل مع الأجساد، والأجمل عندما أدركت أنه خلال عملية النسج، فإن على الأيدي أن تكون مرتاحة ومرتخية في مواقع، ومشدودة ومتزنة في مواقع أخرى، ما جعلني أتصورها إيقاعاً متكاملاً، ألهمني للاشتغال على الفكرة، برؤية مخرجات الأنماط بمستوى ثنائي وثلاثي الأبعاد. وقمت بتجريدها من الأشكال، لأراها بلغة مختلفة، ودُهشت كيف أن في كل نمط هناك لغة مختلفة، على رغم بساطتها في المخرج النهائي، إلا أنها مليئة بالتفرعات القابلة للتداول التاريخي والبصري والقصصي». وتابعت الفنانة سارة حديثها، أن الأمر برمته يذهب إلى التوازن الذي يمكن أن نحدثه بين طبيعة الموروث والفن المعاصر، بأن نسمح للمشاهد باكتشاف سيرورة العمل في داخل تلك الأنماط، ونفتح مجالاً أوسع للتساؤل والاكتشاف. دراسة بحثية والتعاون الذي جمع الفنانة الشابة فريال البستكي، والفنانة الشابة منيرة الملا، مثل استمرارية للدراسة البحثية التي قدمتها الفنانة الشابة سارة الخيال، كونهن يشتركن جميعاً في مساحة «بيت التليّ»، في تعبير عن الإمكانية المعاصرة لحرفة يدوية لأن تتطور في المشهدية الفنية المحلية، وفي هذا السياق توضح الفنانة الشابة منيرة الملا، أنه ليس هناك الآن، ما يمكن أن نسميه بالمعنى العلمي بنموذج ماهية الأثاث المحلي، كونه يتشكل من مجموعة من المدخلات الثقافية لاستخدامات المادة والشكل، وما سعت إليه من خلال مشروعها هو عملية الدمج بين الأثاث العصري وحرفة التليّ. وقد تركز تعاونها مع الفنانة الشابة فريال البستكي، على تكوين الأنماط عبر تصميم لقطعة متعددة الاستخدامات المنزلية، بإمكانها أن تقدم طابعاً محلياً لذاكرة المُستخدم للقطعة. ومن جهتها، اعتبرت الفنانة الشابة فريال، أن الأنماط مستوحاة من السدو، وزخارف الجبس القديمة المستخدمة في البيوت، معتبرة أنه نموذج أولي، لفكرة تعزيز المساحة الداخلية بموروث حسيّ، يهدي الأشخاص ارتباطاً بعائلاتهم وجداتهم، ويعطي إحساساً بالوجود، في العالم المعماري للذاكرة المجتمعية.
مشاركة :