بعد تكامل مسار محاربة الفساد بتولي ولي العهد محمد بن سلمان رئاسة اللجنة العليا لمكافحة الفساد وجدنا عمليات قبض وتسويات عظيمة أثلجت قلوب الشعب السعودي.ثم استمرت أعمال النزاهة بحملات تفتيشية لسائر طبقات الموظفين، وظلت تنشر المعلومات الشفافة عمن يتم إيقافهم بثبوت وقائع فساد العبث بأموال الوطن، أو تلقي الرشوة، أو استخدام مناصبهم بشكل أو بآخر لتعيينات طبقية عنصرية، وترقيات وتجيير صلاحيات يسودها الفساد في وحدات عملهم، مع إحباط وتهميش كفاءات وخبرات كثير من أبناء الوطن.وكم نسعد بكل قائمة تخرج للعلن لتنزيه سلالم الشفافية، وإيقاف أصحابها، وتحويلهم إلى النيابة العامة، ومحاكمتهم لتأكيد جناياتهم وفرض العقوبات عليهم.ومع مرور السنوات، فإن نسبة من الفاسدين لم ترتدع، رغم جدية وحزم المراقبة والمتابعة، لنجدهم ضمن قوائم الفساد الجديدة!والسؤال هنا: لماذا تستمر حالات الفساد والمفسدون بالظهور؟ولتحليل ذلك منطقيا فلا بد من البحث أولا في كيفية التنسيق والتعاون بين جهات الرقابة الحكومية، وحساب نسبة من يتم اتهامهم وإثبات براءتهم بعدها؟الأخطاء تحدث عالميا، بنسب ضئيلة، بوجود قضاء مستقل عادل، يعطي للمتهمين فرص الدفاع عن أنفسهم بالطرق القانونية.ولا بد للأجهزة الرقابية والنيابة العامة، والقضاء من متابعة قياس تلك النسب الاسترشادية، لاكتشاف أي مناطق خلل في الإجراءات المتبعة في تلقي البلاغات والتحقيق، ضمن محاولات التحسين والتطوير.أما على الجانب الآخر، وهو الموظف الفاسد، فالأسئلة لا بد أن تطرح بشكل مستفاض، فهل تعاني عقول الفاسدين من حالات إدمان وصعوبة تفهم جدية قوانين النزاهة الجديدة، أم أنها مسألة تعود لتربية، وجينات ونفسيات وعقليات مختلة تنتهز فرص غزو وسلب الصحراء، ومشاعر العصبية والحمية والقوة الخادعة المؤمنة بأن المنصب خير وسيلة تلوح لهم، ولجماعتهم وأحبتهم، واعتقادهم بأنهم أذكى وأقوى من الجميع، وأن لهم القدرة على مخاتلة القوانين المعمول بها، وتطويعها بطرقهم الملتوية متدثرين بالدهاء والخبث.وربما أن بعضهم يواجه ضغوطات عظيمة في مفاهيم طبقات مجتمعهم تحفزهم ليخترقوا القوانين متسلحين بقوة العين وجسارة القلب، وتمثلا بمسار أقوياء واصلين خرجوا من المسائلات سابقا مثل الشعرة من العجينة، وبمنطوق أن هذا لهم أو للذئب، فيعملوا على أن: يخسأ الذئب!وربما أن البعض منهم يتم تعيينه دون استحقاق من قبل جهات تزرع فيهم الحصانة، أو ربما أنهم طبقة مقامرين دخلوا العمل بنوايا التلاعب بالبيضة والحجر، وتخطيط مرحلي مؤقت، كونهم طبقة مرتاحة، يمتلكون البدائل حال تم فصلهم عن أعمالهم، فيكبرون اللقمة ويسرعون السرْط.السبب الأندر، أن يكون الفاسد ضحية مؤامرة من جهة مستفيدة تختبئ خلف ظله، وتقدمه قربانا لعين العاصفة، فيروح المغفل فطيسا تحت الأرجل.هذه ليست إلا بعض التفسيرات السريعة النفسية والبيئية المحتملة، والتي لا بد من التنبه إليها من قبل جميع الجهات الرقابية والتنفيذية.ولعل الحل الأمثل أن تكلف جامعة نايف العربية للعلوم الأمنية، بدراسة تلك الحالات عبر بحوث ودراسات أكاديمية أمنية نفسية اجتماعية مفصلة يتم خلالها سبر دقائق مجريات المجتمعات ومحيط العمل، حتى نستطيع تحديد الأسباب وإعطاء أسس ضبط وتطوير العمل، وبالتالي منع المتهورين والمقامرين والخونة والأغبياء من الاستمرار بالظهور على قوائم الفساد.[email protected]
مشاركة :