سمعت الخبر فلم تصدق. اعتبرته مجرد موجة جديدة من الشائعات والتضليل، ولابد للنجم أن يدلي بتصريح لتكذيبها. انتظرت التصريح، فجاءتك الصدمة الثانية مع مقطع فيديو، يقطع الشك باليقين، ويقدم لك دريد لحام يؤدي وصلة التبجيل للمرشد الأعلى لإيران، ويلقي أمامه قصيدة رفع بها خامنئي إلى حد التأليه، وأنزل نفسه من علياء النجومية إلى... إنه هو نفسه، ذلك الفنان الذي رأيته مناضلاً مع الفقراء البسطاء، الصادق في التحامه مع القضايا الإنسانية، والحامل شعار الشعب المسكين، بعيداً عن السياسة والكراسي والمناصب والقصور، الناقم على الأمم المتحدة، والمتخلي عن لقب سفير النوايا الحسنة، هو الحامل قضايا وهموم الأطفال في قلبه وباله، والساعي لتوعية الآباء الصغار. هو من وقف ووشاحه الأبيض يلف عنقه، يقرأ الكلام المغزول بحبر النفاق، وعيناه لا تنظران إلى فوق أبداً، ربما خجلاً من أن تلتقي عيناه بعيني الكاميرا فتفضحه، وتصغر نفسه أمام ذاته، ويرى حقيقة خدعته في عيون جمهوره. هو من قرر أن يطعن دريد لحام، ومعه غوار الطوشي الفنان الجميل الضاحك المتألم العفوي الساكن في وجدان كل عربي، ليقتلهما معاً بلا رحمة. وهو من قرر أن يسقط قناعه بيديه، ليقول للجمهور العربي: أنت ساذج لأنك صدقتني كل تلك السنوات. يصدمك الفنان حين يقرر بعد سنوات طويلة، أن يمزق هويته الفنية بيديه. يصدمك حين يقرر أن يكشف عن وجه لم تكن تعرفه، فيزيل قناعاً عرفته به منذ إطلالته الأولى، وأقنعك كل تلك السنين بأنه إن مثل دوراً أو قال كلمة، فإنما يجسد قناعته الذاتية. هل أنت من رسم للنجم تلك الصورة الجميلة وصدقها فوقع في فخ الرسم؟ أم أن الهالة الملتصقة به طغت على الصورة الحقيقية فلم ير الجمهور غير الضوء المتوهج، والكلام الجميل والمبادئ والوطنيات والقيم التي كان يتحدث عنها خلال مسيرته؟ لا، دريد لحام عاش طوال عمره الفني ماغوطي الفكر والأداء أمام الجمهور، حفظنا مسرحية كاسك يا وطن عن ظهر قلب، ودخلت كلمات محمد الماغوط إلى عمق وجداننا، وتربعت في عقولنا فتأثرنا بها وضحكنا وبكينا معها، فازداد حبنا وتقديرنا لدريد لحام الذي عاش الحالة، بكل مشاعره على خشبة المسرح. فكيف يكون هو نفسه الواقف اليوم أمام خامنئي ينافق إلى حد تصغير نفسه؟ كيف يرضى أن يبيع تاريخه ونجوميته، وحب الجمهور له في سوق السياسة؟ حر هو في أن يحب من يشاء، وأن يسلك طريق السياسة الذي يختاره، وحر الجمهور العربي في رد فعله تجاه دريد لحام، ومن حقه أن يسحب منه لقب نجم وفنان وحتى اسم غوار الطوشي، لأنه لم يعد يليق به، بعدما كشف عن كذبة كبيرة، أوهم الناس بها طوال تلك السنوات حين تحدث عن العروبة والوطنية والكرامة.. فأي كرامة هذه لرجل يقول للمرشد الإيراني: في روحك القداسة، في عينيك الأمل، في يديك العمل، وفي كلامك أمرٌ يلبى، ازدادت قدسية ترابنا، حين ارتقى بعضٌ من رجالاتك إلى عليائها، لك الحب والتقدير والإجلال من شعب صامد، وجيش عتيد... إعلان انتمائه السياسي والوقوف إلى جانب طرف ضد طرف في سوريا شيء، ونزوله إلى حد النفاق وبيع كل المبادئ التي تغنى بها لسنين طويلة شيء آخر. إنه النفاق، ذلك الخطاب الغزلي المستفز لكل الجمهور العربي، هو نفاق سياسي لا يقوله رجل متعمق في السياسة، ولا صاحب المبادئ والقيم، مهما بلغ حبه للمرشد الإيراني، تماماً كما مارس نفاقه سابقاً يوم تغزل بالعروبة، وبكل قضية وطنية وبكل شعب عربي زاره، ووقف إلى جانب أهله وأطفاله ومظلوميه. دريد لحام.. كيف استطعت أن تجسد كلمات محمد الماغوط بكل هذه البراعة، دون أن تتأثر بها؟ وكيف استطعت أن تحمل مشعلاً يخالف قناعاتك كل تلك السنوات، ولم تتعب؟ أم أنك اليوم قررت أن تلعب دوراً جديداً يليق بالمرحلة المقبلة؟ أين الحدود وغربة وكاسك يا وطن..؟ هل نصدقك بعد اليوم؟ هل نحبك بعد اليوم؟ وداعاً دريد لحام، فموت الفنان لا يكون سريرياً، بل يكون حين يضع نهاية لنفسه ولفنه. فأنت من أسقط نفسه في هوة الكذب، ونزل إلى القاع ليصغر في عيني كل عربي، وأنت من توشح بالأبيض ليكذب كذباً أسود ويشطب على ماضيه، ويغلق باب جماهيريته بالشمع الأحمر. مارلين سلوم marlynsalloum@gmail.com
مشاركة :