دمج الفن بالحياة اليومية ونقله للناس، يعتبر الهدف الرئيسي لمعرض Do itبالعربي، الذي تنظمه مؤسسة الشارقة للفنون ببيت الشامسي، وهو من تقييم الشيخة حور بنت سلطان بن محمد القاسمي، رئيسة المؤسسة، والفنان السويسري هانس أولريخر أوبريست. والتفاعلية هي الثيمة الرئيسية للمعرض الذي تقوم فكرته الأساسية على إشراك الجمهور في كل تفاصيله الفنية، كما أنه يحتل فضاء الرواق الفني المقام فيه بأكمله بدءاً من الساحة الخارجية للمبنى وطوابقه الأرضية والعلوية، حتى شرفاته التي تزينت بتشكيلات فنية مختلفة، بمشاركة 61 فناناً، و25 مؤسسة، في معرض تجريبي يرسي تجارب جديدة في الفنون البصرية، أبرزها إحالة المساحات إلى فضاء فني، يتجلى فيها الدور الجمالي على الوظيفي، ويشارك فيها الجمهور بمختلف فئاته كجزء رئيسي في المعادلة الفنية، فيما يبدو أنه محاولة لإعادة تعريف التلقي وأدواته. بمجرد دخولك إلى ساحة بيت الشامسي وإلى يسار المدخل مباشرة، تقع عيناك على لافتة باللون الأسود عليها عبارة لا تتبع التعليمات وهي عمل فني تفاعلي للفنانة سوزان حفونة، كما أنه دعوة ذكية للمشاركة في المعرض، في إشارة للتعليمات الموجودة أسفل كل عمل فني داخل فناء الرواق، وهي توجيهات يتاح للزوار تنفيذها في ساحات المعرض، أو أخذها لتنفيذها في فضاء آخر. وعلى الرغم من العبارة التحذيرية الموضوعة في مدخل ساحة العرض، فإنه وبالمرور على الأعمال المعروضة المختلفة، تجد أن لا مفر من اتباع التعليمات الموجودة أسفلها، ولا يكتمل تلقي تلك الفنون البصرية المختلفة إلا بها. يقول دليل Do it بالعربي، إن المعرض وليد حوار في مقهى باريسي بين هانس أولريخ أوبريست، والفنانين كريستيان بولتانسكي، وبيرتراند لافيير، في العام الأول لبينالي الشارقة للفنون، ليخرجوا بصيغة جديدة لإقامة المعارض بشكل مرن، كما ينطوي على استجواب عن التأليف الفني والتقييم، وجرى اختباره وفحصه واكتشافه وتفعيله لأكثر من 20 عاماً، من قبل فنانين وجمهور ومؤسسات حول العالم. ومهما قرأت الدليل لفهم هذا المعرض المغاير، لن تصل إلى حقيقته، فهو سلسلة من التعليمات المكتوبة لابتكار عمل فني، قدمت بسخاء من فنانين محترفين، وجُمعت في منشور بمثابة دليل لكل زائر، يمنحه الخطوات، والوصفات لكي ينجز عملاً فنياً بنفسه، ولن يدرك المقصد منه إلا باتباع التعليمات، التي تعتبر المكون الرئيسي لأعمال المعرض المنجزة بأنامل الجمهور. يتكئ Do it بالعربي، على إرث فني كبير منذ أن كان منشوراً جمعت فيه تعليمات 12 فناناً تُرجمت إلى 9 لغات في العام 1993. كما أن المعرض الذي تستضيفه الشارقة هذه الأيام لن يكون الأخير، إذ سيجري تنفيذ تعليماته في جميع أنحاء الدولة والبيوت والمدارس والمراكز الثقافية والمجتمعية، وستُفعّل هذه التعليمات عبر مجموعة من وسائل التواصل الاجتماعي. على أحد أركان ساحة المعرض، يقف العمل الفني للفنان التشكيلي الإماراتي ناصر نصر الله، وهو عمل مختلف تماماً عمّا يبدعه، فهو لم يرسم بيديه هذه المرة لوحة تشكيلة كما عودنا في معارضه المختلفة، إنما اكتفى ببذل تعليماته الفنية فقط في عمله صديقي العزيز، الذي تقوم فكرته على 4 خطوات: الأولى، أن يأخذ الزائر ورقة وقلم، ثم يذهب بعدها إلى أي مكان عام، ثم يغمض عينيه لوهلة، ويكتب رسالة تبدأ بصديقي العزيز، هكذا تقول تعليمات نصر الله التي اتبعها مجموعة من الزوار، تركوا الأوراق في نهاية المطاف في مكان العرض، كأثر فني على زيارتهم، سطروها بخطوطهم المتعرجة والمتباينة، بعبارات الصداقة المخطوطة بأعين مغمضة، لتسفر عن تشكيلات وشخابيط مختلفة. تبدو التجربة مثيرة للاهتمام، لذلك وجد المعرض تفاعلاً جماهيرياً كبيراً على الرغم من أنه مستمر في ذات المكان حتى 23 إبريل/ نيسان المقبل. على الطابق الأول للمبنى المطل على البحر، يجذبك صوت الفنانة اللبنانية فيروز، وهي تردد رائعتها سنرجع يوماً إلى حيّنا، في فضاء أعدته الفنانة سهى شومان، التي تقول في تعليماته: تخيل أنك تعيش في مدينة تحت الحصار، تخيل أنك تعيش بلا كهرباء، تخيل أنك تقف في طابور للحصول على الماء أو الطعام. تحاول شومان أن تنقلنا لعالم مختلف تماماً، إذ تطلب من الجمهور احتلال مساحة متر واحد مربع، للتخييم فيها 10 ساعات يومياً لمدة 50 يوماً، بالتناوب مع الأصدقاء، يشربون خلالها الماء والشاي فقط ويطبخون العدس للأكل. لا تبارح وصفة شومان غرائبيتها حتى ترجعنا لها مجدداً مكملة تعليماتها: اقرأ قصيدة محمود درويش (سجل، أنا عربي)، واقرأ كتاب فرانز فانون معذبو الأرض واستمع لفيروز مجدداً. تختتم شومان عملها تخيل القائم على صوت فيروز في فضاء فني معد بعناية فائقة، بأن يتخيل الزائر أنه فلسطيني في غزة، في تجربة يبدو الهدف منها استشعار معاناة الآخرين واستحضارها بجميع تفاصيلها، حتى لا تبقى هناك حدود تفصل بين الإنسان وأخيه. حتى لا تبقى حدود عمل آخر، يحتل مساحة مجاورة لتخيل، على ذات الطابق، أعدته الفنانة منى حاطوم، وبمجرد دخولك إلى السطح ستلحظ أن الطبشور بألوانه المختلفة يلون سطح الطابق الأول، في شكل خرائط مختلفة ومتداخلة، فجميع من مر بعمل حاطوم، رسم الخريطة السياسية الحالية للعالم مستخدماً الطبشور أو الفحم وجعلها تغطي المساحة الأرضية الكاملة لمكان العرض، كما أن جزءاً من الفكرة أن تكون الرسومات مُعرّضة لأقدام الزوار حتى يمشوا فوق الحدود التي تفصل بين الدول لتمحوها آثار الأقدام، وبنظرة بسيطة ستجد أن السطح تحول، بفعل الرسم المتواصل والمشي، إلى لوحة فنية كبيرة. إناء كبير شفاف مكتظ بالقطع القماشية الصغيرة والجوارب التي تحولت لكرات متباينة الأحجام، عمل فني للفنان السوداني خالد البيه، الذي يشير في تعليماته إلى أنه استوحى فكرة العمل من آخر أيامه في بلده السودان، حيث كانت الأوضاع الاقتصادية صعبة للغاية في تسعينات القرن الماضي للدرجة التي تجعل من شراء كرة قدم للصغار أمراً عسيراً، إلا أن أطفال السودان تغلبوا على الحاجة بالاختراع، فأصبحوا يأتون بالجوارب ويملؤونها بالأقمشة حتى تتكور وتتحول لكراتٍ صغيرة سرعان ما يلعبون بها. تقول تعليمات البيه: اصنع كرة قدم من الجوارب وانطلق لتعلب، لتجد الإناء البلاستيكي الشفاف الموجود مملوءاً عن آخره بالكرات التي يمكنك أن تلمح أحدهم وهو يلعب بها داخل ساحة العرض. تتنوع أعمال المعرض والمواد المكونة منها على نفس تلك الوتيرة المختلفة، فعلى المدخل في ساحة الطابق الأرضي، هنالك عمل فني على طاولة طعام بلا مقاعد، محتشدة بالأدوات الغريبة، وتقف بالقرب منها لوحة تختبر قدرات التلوين لدى الزوار، تطلب من كل زائر أن يضع بصمته حتى تحولت لتحفة فنية، كذلك تقف في ذات الساحة منصة عُرضت عليها تعليمات تطلب من الزائر أن يقف بطريقة معينة، إلى جانب اللوحات التشكيلية والأعمال الأخرى المعروضة من مواد التخزين.
مشاركة :