«المفاصلة».. اللعبة المكشوفة بين البائع والزبون

  • 2/5/2016
  • 00:00
  • 5
  • 0
  • 0
news-picture

تحقيق: زكية كردي آخر كم؟... كم آخر؟، هذا المقطع الطريف من مسلسل فريج، الذي التصق بذاكرة المواطنين والمقيمين في الدولة، ربما اختصر معاناة كل تاجر وصاحب محل مع هذا النوع من الزبائن المعروفين بشغفهم بالمفاصلة، ومهارتهم التي استطاعوا بها تسجيل بطولات حقيقية في هذا المجال، وصلت حتى أجور الفنادق، والكتب، وسوق الخضار. نتعرف من خلال الأسطر المقبلة إلى المفاصلة ونضحك على طرافتها، ونتعلم من النصائح المقدمة من أهل الخبرة وأبناء الكار، لنتسلل أيضاً إلى الطرف الآخر، ونتعرف إلى حيله في المواجهة.. على الرغم من عمله في أحد المراكز التجارية الكبيرة، يبيع منتجات ماركة شهيرة، فإنه يواجه بعض المشكلات مع بعض الزبائن الذين يصرون على الحصول على مراعاة في السعر، مهما أكد لهم أن المكان لا مجال فيه للمفاصلة في الأسعار. يخبرنا أنتونيك عيسى الكرت، موظف المبيعات، أنه يجد مشكلة في التعامل مع هذا النوع من الزبائن، لأن الشركة التي يعمل فيها لا تلتزم بمواسم التنزيلات، ولا تسمح بأي خصومات، وهذا ما لا يتفهمه الزبائن أحياناً. عن علاقته بالمفاصلة يقول: أنا على قناعة كاملة أنني لا أجيد المفاصلة، وأنه لا أمل في أن أتعلم هذه المهارة يوماً ما، وحتى لو تعرضت للكثير من المواقف التي أكتشف فيها أني غبنت في السعر، أنسى الموضوع ولا أتوقف عنده، فأنا لا أتمتع بهذه المهارة للأسف. زينة حربلية، الموظفة الحكومية، تتخلى عن أي رهان في هذا المضمار مسبقاً أيضاً، فهي متأكدة من أنها ستكون الخاسرة كونها تستحي من أن تفاصل البائع في السعر، فهي تخشى أن تبخسه حقه، إضافة إلى كونها لم تعتد هذا السلوك من قبل، ففي صغرها تعودت شراء حاجياتها من المراكز التجارية التي تبيع السلع بأسعار ثابتة. وعن مغامرتها في هذا المجال تتذكر أنها أحبت أن تجرب في أحد المرات شراء بعض الخضار من السوق أثناء وجودها مع صديقتها، وتقول: للأسف تركتني صديقتي وذهبت تختار أشياءها، فاشتريت القليل من الخضار وأنا أعتقد أني فاصلت البائع، الذي يبدو أنه يستطيع التمييز بين الزبون الشاطر وقليل الخبرة مثلي، فاكتشفت أنه باعني الأغراض بسعر أغلى من سعرها لدى البقالة التي أشتري منها تحت البيت، ولهذا قررت تجنب الشراء من الأسواق الشعبية وغيرها من التي تفتح المجال للمساومة، فأنا فاشلة في المفاصلة، والمراكز التجارية تريحني نفسياً وتناسبني أكثر. حتى في المراكز التجارية الكبيرة يعاني الباعة إصرار بعض الزبائن على الاستمتاع بمهارتهم في المفاصلة، الذين يكون أغلبهم من السيدات، بحسب مثنى قرقماز، موظف المبيعات في محل ألعاب. ويؤكد أن كثيرات من الزبائن، وعلى الرغم من معرفتهن أنه لا يستطيع أن ينزل في السعر الموحد في كل محال الشركة، فإنهن لا يعدمن الحيلة ويطلبن منه الحصول على خصمه الخاص حتى يشترين المنتج، ويضيف: بعض الزبونات لديهن هوس الحصول على سعر أقل، وأذكر أن إحداهن أخبرتني مرة أنها لا تشعر بالغبن إن لم تكسر السعر حتى ولو 5 دراهم، وجعلتني أدفع الفرق من جيبي حتى تشتري المنتج، فكنت مضطراً حينها لأكمل التارجت المطلوب من المبيعات. وعن موضوع خصم الموظف، يوضح قرقماز أن الموظفين في معظم الشركات يكون لهم سعر خاص حين يرغبون في الشراء من منتجات الشركة، ولكن سعر الخصم الخاص بالموظف لا يسمح باستخدامه من أجل الزبائن، ومع هذا يصر بعض الزبائن المطلعين على الأمر على الحصول على هذا الخصم. قد تستمر في عملية المفاصلة والشراء أكثر من نصف الساعة في المحل الواحد، لكنها لا تخرج من المحل إلا وهي تحمل المنتج الذي تريده، وبالسعر الذي تريده أيضاً، بحسب ما تؤكده زينب السيد، رئيسة المتطوعات في جمعية حتا للثقافة والفنون، فهي دائماً تفوز في هذا النوع من التحديات. وتقول: في المراكز التجارية الكبيرة لا مجال للمفاصلة، لكن في الكثير من الأماكن يجب أن نفاصل لأن الباعة يرفعون الأسعار حتى يكون لديهم مساحة لتخفيض السعر للمشتري، واعتدت أن أفاصل في الكثير من السلع، حتى الخضار والذهب أفاصل فيها وأحصل على السعر الذي أقوله، حتى مواد البناء اكتشفت أن المقاول يحضرها بنصف القيمة، فهو على علم بأسعارها، وأنا لا أعرف فيها، وعن طريقتها في تخمين السعر الأصلي للمنتج توضح أن الخبرة واطّلاعها على أسعار الجملة يجعلانها تفاصل بثقة، وهي متيقنة أنها على حق. ويبدو أن المفاصلة ليست مجرد موهبة وحسب، بل هي خبرة نكتسبها من الأهل، ومن الأم تحديداً كما تخبرنا رولا ميخائيل سبع، موظفة المبيعات، التي تفخر بتمتعها بتلك المهارة وتستمتع بها وبشعورها بالفوز على البائع، خصوصاً حينما تكون برفقة زوجها الذي يعتبر أن السعر الذي أعطته قليل جداً، ويكتشف لاحقاً أن البائع وافق عليه. تقول: أفاصل الباعة عادة حين أشعر أن المنتج لا يستحق السعر الذي يخبرونني به، كما أنني أشعر بالفضول والإثارة في عملية المفاصلة نفسها، فأستمتع حقاً بالفوز حين أعطي رقماً وأحصل عليها، وعن الأسواق التي تفاصل فيها تذكر السوق الصيني، والسوق المركزي، وسوق نايف التي يعرف عنها أن الأسعار فيها قابلة للتفاوض. وعلى الرغم من أن كثيراً من الناس يعتقدون أن المرأة هي الأكثر مهارة في هذا المجال، فإن زوج هند بلوق، مديرة علاقات عامة، تفوق عليها وفاقها في مهارات المفاصلة التي يستمتع بها. تقول: أنا جيدة في المفاصلة، لكن زوجي موهوب بالفعل، فأحياناً أشعر بالحرج وهو يعطي نصف السعر فقط، لكنه يحصل على السعر الذي يعطيه دوماً، ولديه قاعدة تقول: إذا أعطيت سعراً أقل من النصف، فستحصل على النصف. وتشير بلوق إلى أنها آتية من بلد أوربي ولهذا لا تعرف الكثير عن هذه التفاصيل، وعن إنجازاته الميزة في عالم المفاصلة تذكر أنها كانت تفاصل ذات مرة في سعر الفندق الذي يحجزونه في خورفكان، في وقت غير المواسم، واستطاع زوجي أن يحصل على حسم جيد حينها، وحتى في الهايبر ماركت استطاع أن يحصل على عدد كبير من الهدايا حين اشترى الأدوات الكهربائية للمنزل، وعلى توصيل مجاني أيضاً. قواعد البيع والشراء يشعر البعض بأن المفاصلة تسيء إلى مظهرهم العام، وتكسر البريستيج الخاص بهم، ولكن للشراء عموماً، وللمفاصلة خصوصاً قواعد يخبرنا بها طارق الشميري خبير الإتيكيت. يقول: المفاصلة ترتكز عادة في الأسواق الشعبية، فلا يمكن أن نتجه إلى المحال ذات الأسعار الثابتة، ونطلب سعراً خاصاً، فهذا غير لائق، أما في الأسواق الشعبية، فيكون البائع وضع لنفسه هامشاً للربح، ومساحة يستطيع مفاصلة الزبون من خلالها، وينزل له بالسعر، فإذا اشترى الزبون من دون مفاصلة سيكون ربحه كبيراً، لكن إذا كان الزبون ماهراً في المفاصلة، فهو حصن نفسه، واستعد له مسبقاً، ولهذا على المستهلك أن يكون أكثر خبرة، فمن حقه أن يشتري بالسعر الحقيقي في السوق. وعن إتيكيت المشتري، يقول: على المشتري أن يعرف أولاً أن من حقه أن يفاصل، لكن عليه أن يمتنع عن بخس البائع حقه بالسلعة، فلا يذكر سعراً بعيداً تماماً، وأقل مما تستحقه، أو أن يظهر فيها العيوب، وعليه أيضاً أن يمتنع عن الكذب والادعاء بأنه رآها في مكان آخر بسعر أقل بكثير إن لم يكن هذا حدث بالفعل، والأهم ألا يكون هناك تطاولاً في الكلام. أما عن الأشخاص الذين يمتنعون عن المفاصلة، أو لا يجيدونها فيوضح أنهم ينتمون لأحد النموذجين الآتيين: فإما أن يكون هذا الشخص تربى على تصديق الآخرين، وهذا سلوك جيد، والمفروض أن يعوض البائع على هذا النوع من الزبائن بالهدايا الإضافية حتى يكسبهم إن لم ينزل لهم بالسعر الوهمي الذي دفعوه له، فالبائع يجب أن يكون لديه إتيكيت أيضاً، وهناك البعض الآخر الذي يشعر أنه ينتقص من قيمته إذا دخل في مفاصلة، لأنه يعتقد أنه لا يجب أن يفاصل خصوصاً أمام الأصدقاء، وهذا خطأ، فالكثير من الشباب يعتقدون أن هذا السلوك ينتقص من قيمتهم، ويتغاضون عن حقوقهم في السعر الأصلي. ويخبرنا الشميري عن أحد الأسرار التي يستخدمها الباعة في الأسواق الشعبية، قائلاً: الأسعار في المحال التي في بداية السوق تكون أغلى بكثير منها في المحال التي في الوسط، لأن التجار هناك يتوقعون أن الزبون اطلع على الأسعار مسبقاً، ولهذا يشعر كثيرون بأنهم خدعوا عندما يكتشفون الأمر.

مشاركة :