بغداد – دفعت التوترات الأمنية جراء الهجوم المزدوج في قضاء المقدادية شمال شرقي محافظة ديالى (180 كيلومترا شرق بغداد) ليل الاثنين/الثلاثاء برئيس الوزراء العراقي محمد شياع السوداني إلى التعهد بملاحقة المتورطين، وسط شكوك من تجرؤه على فعل ذلك. ويستبعد مراقبون أن يكشف السوداني عن الجناة الحقيقيين في هذا الهجوم الدامي، الذي شهده قضاء المقدادية الليلة الماضية واستهدف منازل مدنيين رافقها انفجار عبوة ناسفة ما أدى إلى مقتل ثمانية مدنيين وإصابة ثلاثة آخرين بجروح. ويشير هؤلاء المراقبين إلى أن السوداني، الواقع تحت سيطرة الإطار التنسيقي الموالي لإيران يضم أحزابا مرتبطة بالميليشيات، لا يمكنه الإفصاح عن هوية منفذي الهجومين حتى في حال توصل الجهات الأمنية إليها، لاعتبارات عديدة أبرزها تخوفه من سحب الإطار الغطاء السياسي عنه وإجباره على الاستقالة. ويقول مراقبون إن تحذيرات السوداني وتوعده بملاحقة المتورطين في الهجوم لا تعدو أن تكون مجرد زوبعة في فنجان، لا تختلف عن إظهار عزمه على مكافحة الفساد، فكل الحكومات السابقة عجزت عن حل عقدة الميليشيات المسلحة، بل منها من تغطى بها للاستمرار على رأس السلطة لسنوات طويلة، مشيرين إلى أن المحاصصة الطائفية في تشكيل الحكومات من بين العوامل التي تجعل العراق يعاني من وضع أمني متوتر. وخلال استقباله الثلاثاء وفد من أهالي محافظة ديالى ضمّ عددا من الوجوه الاجتماعية وشيوخ العشائر أكد السوداني، وهو أيضا القائد العام للقوات المسلحة، حتمية إنفاذ القانون في البلاد، مشيرا إلى أنه لا توجد خطوط حمراء أمام تأدية الدولة مسؤولياتها وواجباتها. وجدد السوداني التأكيد على متابعة الجريمة الغادرة التي شهدتها محافظة ديالى، وراح ضحيتها الطبيب أحمد طلال المدفعي"، لافتا إلى أن "من ارتكبها سيكون تحت طائلة القانون عاجلاً وأنّ دماء المواطنين أمرٌ لا يقبل المساومة ولا التساهل" . وأعرب رئيس الوزراء عن ثقته بالدور الإيجابي الذي "تضطلع به العشائر ووجهاء المجتمع في ترسيخ السلم الاجتماعي واصلاح ذات البَين وتعزيز القيم الاجتماعية الأصيلة للعراقيين". واستمع السوداني خلال الاجتماع إلى عرض عن الأوضاع المعيشية والخدمية في محافظة ديالى، بأقضيتها ونواحيها وأهم التحدّيات التي تواجهها وجهود الاستقرار وعملية تقديم الخدمات وتلبية احتياجات المواطنين. وسلط الهجوم المزدوج في قضاء المقدادية الضوء مجددا على المطالبات الشعبية المتزايدة للحكومة العراقية بإعلان محافظة ديالى منزوعة السلاح، وسحب القرار الأمني من الميليشيات والجماعات المسلحة، والدفع بقوات أمنية إضافية إلى مدن المحافظة. وعقب الهجوم شهدت المنطقة توترا أمنيا بالغا، حيث أفادت بعض وسائل الإعلام المحلية بوجود تحشيد من قبل أطراف مسلحة، في وقت تباينت المواقف حول الهجوم، حيث اعتبره بعض النشطاء على مواقع التواصل الاجتماعي أنه إرهابيا، فيما ربطه آخرون بميليشيات مسلحة نافذة تسعى إلى تحويل الاعتداء على أنه عملية ذات بعد طائفي. وأغلقت قوات الأمن العراقية منطقة الحادث، فيما شوهدت قوات من الجيش تنتشر في قضاء المقدادية وضواحيها. ونقلت وسائل إعلام عراقية محلية، عن مصادر لم تسمها، تأكيدها أنّ رئيس الوزراء العراقي وجه بفتح تحقيق فوري في الهجوم الجديد، مشيرة إلى أن هناك اتصالات بين السوداني وبعض القيادات الأمنية ونواب في البرلمان العراقي، وصدرت عدة أوامر مباشرة للتحقيق الفوري بمجريات ما حصل وتقديم تقرير خلال 24 ساعة يوضح حقيقة ما حصل. ويأتي التصعيد الأمني الجديد، بعد سلسلة من الأحداث الدامية شهدتها المحافظة خلال الشهر الماضي، كان أبرزها مقتل وإصابة 17 مدنياً بهجمات نفذتها ميليشيات مسلحة، على قرية الجيايلة شرقي ديالى، أعقبتها عمليات اغتيال طاولت طبيبا بارزاً ثم ضابطاً بالجيش العراقي السابق. وتُحمّل الأوساط الشعبية في محافظة ديالى، المليشيات المسلحة المسؤولية عن استمرار التوتر الأمني في المحافظة، مطالبة الحكومة بحصر الملف الأمني في قوات الجيش والشرطة فقط. وتنشط عدة مليشيات في المحافظة، أبرزها "بدر"، و"عصائب أهل الحق"، و"لواء البقيع"، و"سرايا السلام"، إلى جانب جماعات مسلحة أخرى تتقاسم النفوذ بين مدن المحافظة. وعلى الرغم من هذا العدد الكبير من الفصائل الموجودة إلى جانب القوات النظامية، فإن تنظيم داعش، يسجّل بين وقت وآخر اعتداءات إرهابية بالمحافظة ذات المساحة الجغرافية الصغيرة. وأظهرت صور ولقطات بثتها وسائل إعلام وناشطون تكدس جثث ضحايا الهجوم في مستشفى حكومي وسط تجمهر العشرات من أهاليهم. ودعا الأمين العام للمشروع الوطني العراقي، الشيخ جمال الضاري، رئيس الوزراء العراقي، إلى "إعلان حالة الطوارئ في المحافظة، وتسليم إدارة الملف الأمني لشخصية عسكرية مهنية واجبها حفظ الأمن وضبط الحدود، وفرض هيبة الدولة وتعزيز سلطة القضاء لمحاكمة القتلة المجرمين". وطالب الضاري، عبر حسابه على تويتر، بـ"عدم التستر على المتورطين أو على الجهات التي تقف خلفهم وتحاول إثارة الفتنة بين صفوف العراقيين". من جانبها، دعت النائب في البرلمان عن محافظة ديالى، ناهدة الدايني، رئيس الوزراء إلى "التحرك العاجل، وإيجاد حلول جذرية لأمن ديالى"، وقالت في تصريحات مقتضبة للصحافيين، إنّ "حوادث القتل والاغتيالات يزداد ضحاياها يوماً بعد يوم في ديالى".
مشاركة :