حققت الدول الخليجية قفزات حضارية لا يستهان بها خلال العقود الماضية على مختلف الأصعدة. فقد تطورنا في مبانينا ومآكلنا ومشاربنا وملابسنا وشوارعنا وموانينا وتحديث مناهجنا التعليمية. والمعالم شاهدة على أرض الواقع.. من شبكات طرق واتصالات وسكك حديدية وكهرباء ومياه وخدمات صحية وشوارع وحدائق ومبان سكنية وأبراج جدرانها بألواح زجاجية وموانئ جوية وبحرية وشواطئ مزينة بأجمل الأرصفة والحدائق والممرات، ربما تضاهي ما هي عليه في الدول المتقدمة.. لكن الذي لم نبدأ فيه حتى الآن هو رفع مستوى الوعي العام. حقيقة، نحن بحاجة إلى مشروع بحجم ميزانية وزارة لتطوير عاداتنا وثقافاتنا وقناعاتنا. نحتاج إلى مشروع يوجه بحرص وعناية بأساليب فاعلة إلى مختلف شرائح المجتمع السعودي. ويرصد له اعتمادات بحجم المشاريع التنموية الاستراتيجية وترسم له خطة شاملة وواضحة تشمل برامج وآليات يمكن قياس مدى تحقيقها لأهدافها، وفي إطار محددات المخاطر المحتملة اقتصاديا وسياسيا، وضمن محددات التعاليم الإسلامية والتقاليد العربية الحميدة، والمكانة التي نحتلها في قلوب مجتمعات العالم ونظرتهم لنا من مختلف الجوانب. ولعله يكون مثالا تحتذي به بقية الدول العربية والإسلامية. بداية، يجب أن ندرك أننا بحاجة إلى مشروع يستهدف ردم الهوة بين مستوى الوعي العام الذي نحن عليه وبين ما يجب أن نكون عليه. ونتعلم كيف يمكن ترتيب الأولويات ومهارات وأساليب إدارة ميزانية الأسرة. وكيف يمكن تحقيق الوفر والرفاه عن طريق رفع مستوى الدخل أو ضغط المصروفات لمصلحة الاحتياجات الأساسية على حساب الترفيهية. نحتاج لتعلم كيف نعمل بجد حتى نكسب ونعرف قيمة المال وكيف نصرف مداخيلنا بفكر اقتصادي.. يفرق بين البخل وحسن استغلال الموارد. ونخلص مجتمعنا الخليجي من الالتزامات الوهمية وما يتبعها من نفقات غير مبررة أكثرنا غير مقتنع بها، في مناسبات الزواج والأعياد وفي أسفارنا ومآكلنا ومشاربنا وملابسنا وتسوقنا داخليا وخارجيا. فهناك من يملك معظم (أو ربما كل) مقومات السعادة ومع ذلك تراه يعيش عيشة التعساء، لأنه بحاجة إلى معرفة معنى «جودة الحياة»! وهناك من هم في الحقيقة أغنياء لكنهم مقتنعون أنهم فقراء، ولذلك فهم ينتظرون مد أيادي المحسنين! ولدينا موارد اقتصادية وإمكانات وطاقات لم تستغل على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع. نحتاج إلى فهم التعريف المنطقي والموضوعي للسلع والخدمات الأساسية والكمالية. فلا ينبغي أن تنقص عن مجتمعنا سلع وخدمات ضرورية. وفي المقابل لا يمكن مساواة الدخول، كما لا يمكن مساواة الاحتياجات الكمالية في أي مجتمع! وقبل كل ذلك يجب أن نشخص مواضع مشاكلنا وأسبابها لكي ندرك أننا بحاجة ماسة إلى معالجتها. ختاما.. أتمنى لميزانية هذا العام أن تعتمد برامج لرفع مستوى الوعي العام، وأن يعتبر ذلك من نفقاتنا على مشاريع البنية التحتية، لأن بناء الفكر وتطوير البشر أهم من بناء المدن وتطوير الحجر.. وهذا ما يغيب عن الموازنة العامة للدولة في كل عام! s.alahmad@asharqalawsat.com
مشاركة :