جاسم العبود تحتضن مكاتب شركات التأمين على المركبات إدارة مرور الأحساء، ويستحيل دخول هذا المرفق العام إلا بالعبور أمام هذه المكاتب المتراصة على طول الشارع الملاصق لإدارة المرور، وكأنها فعاليات مهرجان تسوق عالمي. العمل في هذه الدكاكين قائم على قدم وساق لبيع وثائق التأمين على المركبات بمختلف أنواعها وأشكالها، ويشبه هذا الازدحام والبيع والإقبال على هذه المكاتب الازدحام على مطاعم الفول الأفغاني. ما إن تركن سيارتك في مواقف إدارة المرور إلا وترى نفسك أمام منظومة ممتدة من مكاتب شركات التأمين التي أغرقت السوق من كل حدب وصوب، الهندية منها والعربية، هذه الشركات أطلقت إعلاناتها الترويجية، وقامت بزخرفة وتلميع لوحات مكاتبها من أجل جذب العملاء، وفشلت في الالتزام والتقيد باستقبال طلبات المتضررين من الحوادث المرورية بذرائع وأعذار واهية، وحجج باطلة، جعلت من هذه المكاتب دكاكين لبيع وثائق تأمين لا تسمن ولا تغني من جوع، مثل صمام لا رجوعي «check valve»، أما إجراءات تسوية المطالبات فهي في محافظات أخرى مثل «الخبر»، أو «جدة»، وإن حاولت التواصل مع تلك الشركات البائسة فلن تجد أرقام هواتف صحيحة في إعلانات ودعايات، امتلأت، وفاضت بها الصحف، وصفحات الإنترنت! رحلات عسيرة، يتكبدها صاحب السيارة المتضررة من الحادث، حيث إن أنظمة شركات التأمين تحتم عليه أخذ ثلاث تسعيرات من ثلاث ورش تصليح معتمدة، فيشد الرحال إلى تلك المحافظات، حيث تتوفر فيها مكاتب لإجراءات التسوية، وتقديم المطالبات لهذه الشركات، التي انتشرت مثل وباء الكوليرا في المستنقعات والمياه الراكدة، وبعد تقديم أوراق الحادث، والتسعيرات الثلاث، يعود المتضرر إلى محافظة الأحساء ليبقى تحت رحمة الانتظار حتى تتفضل عليه شركة التأمين باتصال ليعاود الكرَّة مرة أخرى، والسفر إلى تلك المحافظة، ليتسلم مستحقات التعويض، هذا إذا كان المتضرر من الحادث واسع الصدر، أما إن كان لا يستطيع السفر بسبب أي ظرف من الظروف، فتأخذه العزة، ويتخلى عن مطالبته بالتعويض، ويدخل سيارته في إحدى ورش التصليح على حسابة الخاص، وبهذه الطريقة تجد شركات التأمين البائسة ضالتها في التخلي عن مسؤولياتها بتسوية المطالبات، ودفع التعويضات! على شركات التأمين استقبال وعمل إجراءات تسوية المطالبات للطرف المتضرر في نفس مكتب مبيعات وثائق التأمين على المركبات، وعلى مؤسسة النقد السعودي سد هذه الثغرة، التي تتملص من خلالها شركات التأمين من مسؤولياتها، ويقع المتضرر من الحادث فريسة لهذه الشركات بسبب ظروف قاسية لا تسمح له بالسفر إلى تلك المحافظات لإكمال إجراءات تسوية المطالبة، وتحصيل مستحقات التعويض. من الطبيعي أن يتقدم صاحب المركبة إلى أرخص شركة للتأمين على مركبته، والحصول على وثيقة ليس لها مفعول سوى أنها مجرد خطوة روتينية لاستكمال أوراق ومتطلبات نظامية لتجديد رخصة سير المركبة، فأضحت بذلك مكاتب شركات التأمين أشبه بدكاكين «أبو 10 ريالات»، فمفعول تلك الوثيقة ينتهي داخل سور إدارة المرور بعد تجديد رخصة سير المركبة! نحن في حاجة إلى قرار يجعل لوثيقة التأمين دوراً فاعلاً، وهيبة، وتوثيقاً، واعتماداً رسمياً، وإلزاماً لشركات التأمين باستقبال المطالبات في نفس مكاتب المبيعات، كما أن على مؤسسة النقد تولي إجراءات الدفاع عن صاحب المركبة المتضررة أمام القضاء ضد هذه الشركات البائسة في حال تعثر سداد مستحقات التعويض تحت أي ظرف، وسد الباب أمام أي حجج واهية تتملص من خلالها شركات التأمين من دفع التعويضات. اللوائح والأنظمة في المملكة العربية السعودية واضحة، ولم ينشأ نظام التأمين على المركبات إلا لحماية المتضررين من الحوادث، ولكن مع الأسف، هرب المتضررون بسبب مماطلة الطرف المتسبب في الحادث، ووقعوا في تحايل وتلاعب شركات التأمين المستبدة، وكأنهم «طلعوا من حفرة ووقعوا في دحديرة».
مشاركة :