تحتوي المجموعة الشعرية "أجمل ما غنى الأطفال" على 44 أغنية وقصيدة بالفصحى المبسطة للأطفال في مرحلة الطفولة المتوسطة (8 ــ 10 سنوات) وتقع في 48 صفحة وصدرت عن دار الفكر للطباعة والتوزيع والنشر بدمشق عام 1987 / 1407هـ، وهي بذلك تعد من أغنى المجموعات الشعرية المكتوبة للأطفال من حيث الكم ومن حيث الكيف أيضا. أما مؤلفها فهو الشاعر السوري مصطفى عكرمة الذي كان يكتب أغاني برنامج الأطفال المعروف "افتح يا سمسم"، والذي استطاع أن يحافظ على مستوى ثابت في توجهه للأطفال في كل قصائد وأغنيات المجموعة تقريبا. وبالنظر إلى مجموعة هذه الأغاني والقصائد نجد أنه يمكننا تقسيمها ــ بغرض الدراسة ــ إلى سبع مجموعات شعرية هي: 1 ــ الوطنيات 2 ــ الإسلاميات 3 ــ الأسرة والبيت 4 ــ السلوكيات 5 ــ قصائد تعليمية 6 ــ أغاني الطبيعة من حيوان ونبات وطيور وبحر ومطر ... الخ 7 ــ الأدوات والأجهزة العصرية. وسنلاحظ أن نصوص الأغاني الوطنية والإسلامية المباشرة تعد أقل في عددها من نصوص المجموعات الأخرى (نصان)، في حين أن أغاني الطبيعة وقصائدها تشكل أعلى نسبة حيث جاء فيها 16 قصيدة وأغنية، يليها السلوكيات 13 قصيدة وأغنية، في حين جاء في مجموعة الأسرة والبيت 5 قصائد، أما الأدوات والأجهزة فثلاث قصائد. وليس معنى ذلك أن الوطن غير موجود في بقية النصوص، بل على العكس، فإن الوطن موجود ـ بل متغلغل ـ في كيان كل النصوص تقريبا، ولكن التصنيف أو التقسيم الذي قمنا به منذ قليل كان الغرض من ورائه التقاط المعنى المباشر المقدم للطفل من خلال القصيدة أو الأغنية، فـ"دعاء الصوص" على الرغم من أننا صنفناه في مجموعة أغاني الطبيعة وقصائدها، فإنه من ناحية أخرى يصلح لتصنيفه ضمن الإسلاميات، ولنقرأ هذا الدعاء الذي يختتم به الشاعر مجموعته الشعرية "أجمل ما غنى الأطفال": صوصٌ يشـرب ** صوص يـلعـب صوص يـأتـي ** صوص يذهـب كــل يــبـــحــث ** عــمــا يـنــفـع يــأكـــل مـنــه ** حــتــى يشبع لـمــا تــشــبــع ** تـشــرب مـاء تـرفـع لـلـــرحــمـن دعـاء حتى الـصوصُ ** يـنـاجـي الـلـه هـل مَـنْ يـعــرف مـا مـعـنـاه؟ والكلام نفسه ينطبق على أغنيتي الجبل والمطر و ... غيرهما، يقول الشاعر في "الجبل": هــذا الــجبــل الــعــالـي جـدا نـحـو الـغـيم ** أراه امــتـــــدا رفـع الـرأس ** وظـلَّ الـصامد لـيس يـخـاف ** الـثـلــج البارد وإذا هــبــّـتْ ** ريـح عـاصف صـدَّ الـريــح ** فجاءت ألـطف أكـبـر شــيء ** عــندي الجبـلُ وهـو الثابـت ** لا يــنـتــقــــــلُ إنــي أعـرف ** شـيـئــا عـنـه مـن أوجـده ** أكــبــر مـنــه غير أن الشاعر عندما يتحدث عن حرف (القاف) في قصيدة "ق"، والتي صنفناها ضمن القصائد التعليمية، فاته أن يذكر أن هناك سورة في القرآن الكريم تسمى سورة "ق"، إنه يتكئ في هذه القصيدة على حرف القاف فيكرره في معظم مفرداتها وألفاظها، فيقول في مقطع منها: حرفي يسمى القاف .. تحبه الكلمات منها القمر .. هذا القمر .. ضياؤه انتشر سأمسك القانون .. وأبدأ الغناء أشدو بحب القاهرة .. لأنها جميلة في القاهرة .. هناك تبدو قلعة .. من القرون الغابرة وقد نشرت القصيدة كلها بهذا الشكل المكدس للكلمات، ويبدو أن الناشر أراد أن تأخذ القصيدة صفحة واحدة لا أكثر، فنشرها بهذا الشكل المخلِّ بجماليات النص على الورق. وعموما فإن هدفا تعليميا يصلح لبرنامج "افتح يا سمسم" كان الدافع من وراء كتابة مثل هذه القصيدة، وليت الشاعر يكرر المحاولة مع بقية حروف الهجاء العربية. وعلى الرغم من أن شعر الأطفال نشأ في حضن الحكايات على ألسنة الطيور والحيوانات وتتبع شعراؤنا ــ في ذلك ــ خطى الشاعـر الـفـرنسي لافـونـتـيـن (1620 ــ 1696) الذي تأثر بدوره بحكايات كليلة ودمنة وخرافات إيسوب اليوناني وحكم وأمثال لقمان الحكيم، فإن شاعرنا مصطفى عكرمة لم يلجأ إلى هذا الأسلوب في مجموعة قصائد الطبيعة وأغانيها، والتي تحدث فيها عن الحيوان والنبات والطير. إن الطفل أو الصغير هنا هو الذي يتحدث عن الأرنب والأزهار والطائر الحباك والهر والصوص، وعن صوت الطائر والبحر والمطر والفاصوليا والعسل وصغار الحيوان وزينة الحدائق والبيض والدجاج وحدوة الحصان، و... غيرها، وكأن الشاعـر مصطفى عكرمة تقمص شخصية الطفل الشاعر أو الشاعر الطفل، وهو الأمر الذي وجدناه عند الشاعر فؤاد بدوي في مجموعته "مِن أصحابي". يقول الطفل في قصيدة "هري": انظر هري كيف يموءُ يبعد عني ثم يجيءُ أنا أهواه هو يهواني يبدو فرحا حين يراني أنا أطعمه أنا أسقيه أبعد عنه ما يؤذيه خالق هذا الهر الله وأنا ممن خلق الله أما القصائد التعليمية أو المرتبطة بالتعليم فقد اعتمد الشاعر فيها على اليد، والقراءة، ودق الجرس، والضوء، والإنارة، والحرف (ق) وهي كما نرى تصلح بالفعل للسن الموجهة إليه هذه المجموعة من الأغاني والقصائد، يقول في "اليد": بيدي أكتب بيدي ألعب بيدي آكل بيدي أشرب بيدي أعطي بيدي أدفع بيدي أبني بيدي أصنع كلُّ مفيد للأوطان كان بفضل يد الإنسان ولعلنا نلاحظ في ختام القصائد التي نوردها هنا وجود التعبير الوطني غير المباشر، مثل المقطع الأخير في "اليد". أما مجموعة الأسرة والبيت فقد تحدث الشاعر فيها ــ على لسان الطفل ــ عن الأب والأم والبيت (يا بيتنا) وعن أخته سلوى. يقول في أغنية "بابا رجل": قالت سلوى هذا بابا حمل الحلوى والألعابا بابا رجلٌ حسن الخلق يطلب منا قول الصدق بابا الغالي قد علمنا أنتم وأنا نبني الوطنا ولعلنا لاحظنا تغلغل الحس الوطني في نهاية الأغنية فضلا عن محاولة إشاعة بعض القيم السلوكية في هذه المجموعة من الأغنيات والتي تمثلت في هذه الأغنية بـ"قول الصدق". أما في مجموعة السلوكيات فقد تحدث الشاعر عن الراحة والحمَّام والاهتمام بتنظيف الأسنان، والسلوك عند عبور الشارع، والتحذير من سلوك الدرب المخصص للسيارات، وسلوكيات الطفل ذي السنوات الست، يقول في الأخيرة: ست سنين أصبـح عـمـري صرت أسوِّي بيدي شعري وربما يضعنا هذا النص في مأزق الفئة العمرية التي سبق أن ألمحنا إليها والموجهة إليها هذه المجموعة من النصوص، وقد اعتبرنا أن الفئة (8 ــ 10 سنوات) هي الفئة الأنسب، ولكن يعود الشاعر هنا فيحدثنا غنائيا عن الطفل ذي السنوات الست، مما يعني أن مثل هذه الأغنية مكتوبة خصيصا له، ولكن إذا أخذنا في الاعتبار أن هذه الأغاني كتبت لبرنامج تلفازي ناجح يُذاع ويمثَّل، ولم تكتب بهدف نشرها في كتاب أو ديوان لخرجنا من هذا المأزق بقولنا إنه كان على الشاعر ألا يضع مثل هذه الأغنية بين دفتي الكتاب المطبوع، لأن طفل السادسة لن يقرأها (وإن كان من الممكن أن تُقرأ له) أما الطفل (8 ــ 10 سنوات) فإذا قام بقراءتها لأحس بأنها لا تخاطبه، وإنما تخاطب طفلا آخر تجاوزه هو بسنتين أو ثلاث أو أربع سنوات، لذا فإنها لن تقنعه، وإن كانت هذه الأغنية من الناحية الفنية والجمالية تعد من أفضل أغاني المجموعة، يقول الشاعر: سـت سنـيـن أصبـح عـمـري صـرت أسـوِّي بيدي شعـري ألـبـس وحـدي دومـا ثـوبــي أعــرف كـيف أسـوِّي كتبــي جـئــتـك وحـدي يا مدرستـي أهـدي زهــرًا لـمــعـلـمــتــي سـت سـنـيـن أصبـح عمري لـمـا أسـمـع جـرس الهـاتف أرفع أسأل من ذا الهـاتف؟ سـت سـنـين أصبح عمـري أكـتـب درسـي قـبـل الـنــومِ أُرضــي ماما طــول الـيــومِ سـت سنين أصـبح عـمـري وعودة إلى بقية قصائد السلوكيات لنرى الشاعر يتحدث عن سلوك الطفل عند الطبيب، وعن أهمية الأكل بانتظام، وعن الشرطي وكيف يؤدي عمله الذي يحفظ به الأمن في البلاد، فضلا عن سلوك البشر عندما يأتي الصباح، وعن الرياضة وأهميتها وفوائدها، وعن الفنان "الرسام" وعمله، وكيف أن أغنية الفنان كانت سببا لكتابة أغنية "اللون الأزرق" التي يقول فيها على لسان الطفل: لـون الـبحر يـسمـى أزرق وأنـا عــنــدي قـلـمٌ أرزق أرسـم فــيــه لــون الـبحـرِ وبــداخـلــه سـمكٌ يـجـري لـون سمـاء بــلادي أزرق وأنا أهوى الـلـون الأزرق ولا شك أن من أهم مميزات ــ أو أسباب نجاح ــ هذه المجموعة من الأغاني هو ارتباطها بالإطار العصري المكتوبة فيه، ولعل مجموعة الأدوات والأجهزة خير دليل على ذلك، ففي هذه المجموعة يتحدث الشاعر عن التلفزيون والهاتف والساعة، يقول في التلفزيون: التلـفـزيـون ** صندوق فنون أهـلا أهــلا ** بالـتـلـفـزيـون قد صنعتـه ** يـد الإنــسـان وهـو مفيدٌ ** للإنســان يجـمع كـلَّ ** مـسـاء أهـلي حيـن يقدم ** كــلَّ مـــســـلِّ يــعــــرض للأطـــفـــــال ويــحـكي عــن أبــــطـــــــال الــــزمن الماضي يــحــكـي عــــن أشـيـاء جـديدة تـــبـــقــــــى لـلإنــــســــان مـــفــيــدة وغــــــــدا لـــــمـــــــا أكبـــر أكــثـــر أعـــرف عــــنـــه كـــيـــــف يــكـون أعـــــــــرف ســــــر الـتـلــفـزيــــون وليس مجموعة الأدوات والأجهزة هي التي تدلنا على ربط الشاعر أغانيه بروح العصر فحسب، ولكن كل قصائد المجموعة وأغانيها تقريبا تقول لنا إن الشاعر مصطفى عكرمة يكتب أغانيه لأطفال الربع الأخير من القرن العشرين سواء في جانبها السلوكي أو التعليمي أو المتعلق بالطبيعة أو الأسرة والبيت، وهو في طرحه لمفهوم حب الوطن لا يربط الصغير بحب وطنه الذي ولد فيه فحسب، ولكنه يربطه بالوطن العربي كله، فكل بلاد العرب بلاده، وكل أوطان العرب أوطانه. وقد انعكس مفهوم روح العصر، على الجانب الموسيقي أو الإيقاعي، عند الشاعر فنرى أن السطوة الكبرى للأوزان كانت لبحر الخبب وتفعيلاته السريعة الإيقاع (فعِلن فعْلن فاعلُ) فجاء منه 29 نصا، وقد لاحظنا وجود كسر في هذا الوزن بقصيدة "اقرأ" نتج عنه عدم نطق الياء (أو خطفها) في قول الشاعر: اقرأ حتى (ألقى) نجاح أما بقية نصوص المجموعة فجاءت من مجزوء الرجز (10 نصوص) ومجزوء الرمل (4 نصوص)، بينما جاء من تفعيلات المتقارب نص واحد، الأمر الذي يؤكد أن للخبب وتفعيلاته الهيمنة الكبرى على معظم النصوص الشعرية المكتوبة للأطفال في نهاية القرن العشرين.
مشاركة :