دخول التقدير الزمني في التفكير البلاغيّ سوّغ أنْ يُنظر للكلمة والتركيب أنّه زمنيٌّ، ودليل ذلك أنّ الأصل يُرجعُ له الفرع وغيره؛ لأنّ (الأصل) في التفكير سابِقٌ في الزّمن، وهذه الإشارة التي أشير إليها هي محاولةٌ وليدة في تفكيك الإدراك داخل التفكير البلاغي، وهو الذي انتبه له ابن تيمية في نقض المجاز، ولعلّ الانتباه إلى طريقة الإدراك داخل التفكير البلاغي تجلي كثيرًا معالم بلاغة المتكلمين عن معالم بلاغة الأدباء؛ ليكون بحث البلاغة العربية بحثًا في تنمية الذوق وتجديد الهويّة العربيّة التي جابت الصحراء زمنًا طويلاً، واصطُفيَت على غيرها من اللغات لما هي عليه، ولما هو عليه أهلها تجاهها. وعندما نقول: رأيتُ دموع الورد. فأنت في التفكير البلاغي على طريقة المتكلّمين تفترضُ أنّ التركيب يحتوي كلماتٍ تتردد بين (الأصل) و(الفرع) مثل: (دموع) التي يقصد بها (قطرات النّدى)، وقد شبّهت شيئاً بشيء ثم حذفت المشبّه، أي: إنّك إدراكيًا أدخلت الزمن في تفكيرك البلاغي، ودليل ذلك أنّه أنشأ لديك مستويين من الكلام: المستوى الأول: قطرات النّدى. المستوى الثاني: دموع. والمستوى الأول أصلُ المستوى الثاني، ولا يمكنك بناء الفرع على الأصل ما لم يكن تفكيرك تفكيرًا زمنيًّا؛ لأنّك لا تستسيغ أنْ تكون الأشياء خارج الإطار الزمنيّ الذي يحكمك، أو أنّ هذا التفكير تعمّم دون انتباه لأنّك ترى في الاستعارة عملاً معنويًّا، ولو كانت رؤيتك للاستعارة على أنّها ضربٌ من اللفظيّة التي لا تتجاوز الزخرفة التي لا تتأثّر بها المعاني لكان تفكيرك الزمنيّ ضربًا من تحميل الشيء ما لا يحتمله. يتبقى شيء مهم وهو كيف نستطيع فهم الحركة الزمنيّة في التفكير البلاغي؟ وهذا شيء لم أفرغ له، وأظنّني لا أستطيع؛ لأنَّ الطريق ضاقت به الصدر ولم يبق إلا العودة إلى الأماكن القديمة. ** ** - جامعة الحدود الشمالية
مشاركة :