تُنهي الإعلامية اللبنانية جومانة بوعيد الموسم الأول من برنامجها «يلّا نحكي» (LBC الفضائية)، العائدة فيه إلى الشاشة بحوارات لا تنزلق. يغادر ضيوفها الحلقات بإحساس أنّ المُحاورة لم تُدخلهم في متاهات تقلل الشأن. وهي، رغم إعجابها بلعبة الأسماء ومحاولتها إخراج الأجرأ من الألسنة والقلوب، فإنها تدرك الفارق بين مطاردة السَّبَق والابتذال. الأول مُشتهى، والثاني تُغلق عليه الباب. من الأفضل لموسم مقبل، ضبط الرغبة في «الإلحاح» على الضيف لتسمية الأشياء بأسمائها، لئلا تُحسب بوعيد ممن يُحرجون ويتسببون بزعل بين الأطراف. هي ليست من الصنف المُصرّ على «تغذية» الحوار بنبش المشكلات وإشعال سوء الفهم. حواراتها راقية، بخلفية المذيعة المثقفة. تحضّر ملفّها وتناقش عمق المسائل، ليقينها أنّ القشور لا تصنع مسيرة يُشهَد عليها. تُغنِي الحلقات بمحتوى، وهذا الأهم. أسماء في الإنتاج والتمثيل والغناء، تثق بأنّ مَن تحاور لن تسمح بخواء اللقاءات. بوعيد أمام صادق الصبّاح ضليعة في إشكاليات الإنتاج وتقلّب الظروف؛ وأمام أسامة الرحباني على اطلاع بمناكفات تحدث وتحدّيات تواجهها العائلة. وهي حين تستضيف رامي عياش تتيح للجوانب الحقيقية الظهور، فيرفض مساوئ التكنولوجيا ويُظهر طابعاً محافظاً في التربية والتشبّث بالجذور. لكل ضيف حكاية، والمُحاور اللامع وسيلة لسردها بصدق. يختار الضيف مكاناً حميمياً يشكل حيّز وجوده بلا قيود، فيستضيفها يوسف الخال في بيته، ويُخبرها عن المُحارَبة وكره الغير للخير. عياش لا يستغني عن منزله الجبلي الذي عمّرته والدته بعزيمتها، وساعدت العمّال في رفع الحجارة. أما جورج خباز، فيشعر بأنّ منطقة البترون الساحلية بأسرها مكانه. في منزل من خشب، يشاركها يومياته على البحر، متجولاً على دراجته الهوائية، جالساً في المقهى بين الناس، مُلملماً ما يغذّي الفن المشهدي الذي يقدّم. كلما أطلّت إيميه الصيّاح على شاشة، تراءى لها أنّ منتجاً من «هوليوود» يُشاهد! صَدَقَت أوهامها الجميلة، حين مُنحت دور البطولة في أول مسلسل لها. «طُرق البشر مختلفة. المسألة ليست حظاً. على المرء أن يجهز»، تقول لمُحاورتها، بدليل أنها في الإعلام بدأت مذيعة نشرة طقس، قبل الفرصة الكبرى بتقديم «ذا فويس» و«ذا فويس كيدز». بوعيد تشارك في الحوار؛ أسئلتها موسّعة. لا تحصر نفسها بدور مَن يطرح السؤال ويهزّ الرأس. لها دور آخر هو تعزيز التفاعل وجعل النقاش من طرفين، لا من طرف الضيف وحده الذي قد يشطح في رأي أو يمتنع عن صراحة. خبرة السنوات تتدخّل، فتجيد التصويب. توجّه سؤالاً جريئاً إلى الصبّاح عن «ظلم» مواهب، و«تلميع» نجوم على حساب آخرين. بثقته بأن لا شيء مما يُشاع يحدث في الشركة، ينفي دخول أي نجم مهما يعلو اعتباره إلى غرفة المونتاج؛ أو أن يقرّر هو بنفسه مَن سيصبح نجماً ومَن سيبقى دون النجومية. «العملية طويلة لها ظروفها»، ويشرح. تُمازح بوعيد تقلا شمعون بالربط بين فنجان القهوة والنميمة، وتبدأ بطرح أسئلة تشاء منها «الإحراج» غير المقصودة منه لعبة الحوارات الصفراء؛ وإلا لكان السؤال عن نقاط ضعف بطلات التقتهنّ في مسلسلات، عوض سؤالها عن نقاط قوة كل منهنّ. تُلمح الضيفة إلى كون المُحاورة «محتالة»، فتريحها لتُخرج منها المستور. وشمعون تملك خبرة حياة تجعلها «تتهرّب» بلطافة. «هل ثمة نجوم على شكل كذبة اليوم؟»، تردّ بأنّ الأكاذيب موجودة لكنها لا تدوم. وإذا كانت نور الغندور لا تحب الخسارة ولا الموقف الضعيف، فإنها لا تعني عدم تقبّلها والتعلّم منها. لجين عمران تصرّ على الاجتهاد وعدم الاكتفاء بالتفرّج على ما يجري. يتقاطع كلامها مع وجع يوسف الخال من أشخاص يرفضون نجاح الآخر وسعادته. وتؤلمها أضواء تُسلّط على مَن لا يستحقون. «سأظلّ محارِبة وبشراسة»، تُلهم الإصرار على الوصول. كارمن بصيبص نموذج في الحضور العفوي، تُلهم بدورها النساء على تقبّل أشكالهنّ والنجاة من التحوّل إلى نسخ. تطلّ في «يلا نحكي» لتعلن بصراحة أنّ «عمليات التجميل تشوّه الجمال». تفضّل نجمة «عروس بيروت» رؤية الفتيات بوجوه وشفاه طبيعية. لكثير من ضيوف بوعيد «خطوط حمر» بمثابة مبادئ، فيرفض سعيد الماروق التجريح الشخصي به وبعائلته، ويصف ما يجري على مواقع التواصل بـ«فوضى تحت شعار الحرية». يُخبر صديقته القديمة عن ظروف الماضي والحاضر، ويدحض أقاويل يراها تجنّياً يمسّ بالكرامة والسمعة. كوفاء رامي عياش لوالده في مرضه، والتحوّل إلى ممرضه طوال 12 عاماً؛ يستعيد الماروق ذكريات مع أبوين من الصم والبكم علّماه حكمة الحياة. دينا الشربيني أيضاً تعلّمت الدرس، وتوصّلت إلى خلاصة: «من الأفضل أن يكون معكِ شخص جيد يشجّع ويدعم عملكِ». كدرس ريهام عبد الغفور حيال انتقاء أدوار تضيف إليها بعد أخرى لَعبتها دون قناعة. «نحن مجموعة تأثّر وتأثير»، يرى جورج خباز الإنسان، ويرفعه إلى مقام أعلى من إنجازاته. فلهاثه خلف أحلامه قد يجعل الغاية تبرر الوسيلة، فيخسر نفسه. لكل ضيف عِبرة، هي حلاوة الحوار.
مشاركة :