لا يطوي النسر جناحيه طالما هنالك قمّة تنتظره : وكيف يطوي جناحيه ذلك العاشق للقمم أو بمعنى أصحّ هو فتى أحلام القمم التي تتهافت عليه وتناديه للوصول إليها إنّه بيار داغر الذي يواصل طيرانه قُدُمًا دون الإلتفات للوراء باحثًا عن الأعلى والأسمى . كحجرٍ كريم نادر يتمنّى المخرجين ترصيع عملهم به ويتباهون بحضوره الآخّاذ وكيف لا وهو القيمة المضافة أينما حلّ . كبهلوانٍ يلاعب الأدوار بسحرٍ وتوازن وخفّة على حبلٍ رفيع تشدّ الناظر إليه وتحبس الأنفاس دون ملل بل على العكس متمنّيًا ألّا تُسدل الستار ويستمر بعرضه الساحر . هو الحاضر الدائم لتقديم كلّ ما يُسند إليه فهو العاشق , الحبيب ، ال mafioso , الضابط ، أسير الماضي ، المحارب ، الحنون ، اللئيم ، الديكتاتوري ،.... ، حتّى في دور ال chef كان حاضرًا بتوابل إبداعه فأثبت أنّ السرّ والتحدّي يكمنان في طيّاته لا تعجزه شخصيّة فهو كال master key حتّى لو كانت تاريخيّة تجده كأميرٍ يدخل كتاب التاريخ يقبّل الشخصيّة كالأميرة النائمة ل يوقظها ويعيدها للحياة إليكم هذا الحوار الشيّق الذي دار بيننا : بيار داغر إسم كبير لمع في الوطن العربي منذ فترة زمنيّة طويلة وعُرف بأصعب الأدوار وتعدّد اللهجات واللغات ، هل كان بيار داغر حقّق ما حقّقه لو بدأ مسيرته في وقتنا الحالي ؟ الناجح والطموح ينجح في أيّ زمان ومكان ، صناعة الإسم والشهرة في ذلك الوقت كانت بالكدّ والمجهود الشخصي ضمن ظروفٍ قاسية فالوصول ليس بهذه السهولة على كافة الأصعدة فلم يكن الإنتشار إلّا عن طريق بعض القنوات ، حتّى الأجور لم تكن عالية ، أمّا اليوم فالوصول ل باب الشهرة أسهل بكثير عبر المنصّات ومواقع السوشال ميديا بالإضافة إلى بعض العلاقات والتواصل فأصبح باب الشهرة متاح للجميع لو وضعنا كتاب حياتك أمامك وطلبنا منك تصفحّه ما هو المحور الذي تحنّ إليه وتتمنّى إعادة سطوره ؟ لو عاد بي الزمن للوراء ل كنت بقيت على مهنتي لكنّي كنت في عمر الثلاثين سلكت نهجًا مختلفًا كنت سافرت إلى هولييود فهي ليست بالمستحيلة بل تستقطب كمًّا لا يستهان به من النجوم والمواهب فقد كنت منذ فترة هناك فلم أجدها الغول المخيف الذي نسمع عنه بل على العكس كنت على يقين أنّني كنت وصلت لو كنت آنذاك سلكت الطريق إليها أمامك ممرّ طويل وعدّة أبواب ( باب الشهرة العالميّة ، باب المال ، باب الحظّ ، باب الصحّة ، باب السعادة ) أين يقع نظرك رتّب الأبواب بمنظارك الشخصي ؟ الباب الأهمّ بالنسبة لي بالدرجة الأولى باب الصحّة ، السعادة ، الحظّ ، المال ، الشهرة العالميّة . تعتبر فنّك مدرسة أو نهجًا خاصًّا بك أم ما زلت تعتبر نفسك تلميذًا بمدرسة ما تأثّرت بها ؟ أنا كنت تلميذًا ولا زلت ، تتكوّن شخصية الفنّان ونهجه باللاوعي عن دون قصد من خلال دراسته ، ثقافته ، ومخالطته بممثّلين قديرين والعمل مع كبار المخرجين ، حتّى صنع الآداء الخاصّ به يتكوّن من خلال نظرته العامّة التي كوّنها ولملمها في شخصيته أيّ دور من أدوارك الأقرب لقلبك ولشخصيتك ؟ كلّ دور أدّيته كان له طابعه الخاص ورسالته الإنسانيّة ، يلامس شيئًا ما في كيان الإنسان يؤثّر بي شخصيًا ، لكن الأدوار الشرّيرة أقوم بآدائها للمتعة فقط فأحاول إظهارها بنمط معيّن لكن في الواقع لا تترك عندي أيّ أثر ، أمّا الشخصيّات الكبيرة التي لعبتها من تاريخيّة إلى كبار الشعراء وغيرهم فإنّها تؤثر بي كثيرًا وتترك عندي انطباعًا خاصّا لا سيّما وأنّ أصحاب هذه الشخصيّات هم شخصيّات مؤثّرة وأصحاب رسائل إنسانيّة وكلّ منهم مثال يحتذى به . هل أدوارك تؤثّر على حالتك النفسيّة أم أنّك تسيطر عليها فلا تدعها تغلبك ؟ لا تترك عندي أثر ممكن ل بعض الوقت بعد انتهاء المشهد أو عالمسرح ل فترةٍ وجيزة جدًّا لا تتخطّى الساعات لكنّي سرعان ما أعود لشخصيتي الحقيقيّة . كيف تتعامل مع الإساءة والمُسيء ؟ إذا كانت الإساءة هي عبارة عن نقدٍ وإن كان لاذعًا نابعًا من نقّاد محترفين حتّى لو كان نقدهم سلبيًا يعطيني حافزًا إيجابيًا ل تحسين آدائي ، أمّا الإساءة العاديّة من المجتمع فإنّي أصدّها بالتجاهل فتربيتي لا تسمح لي بردّ الإساءة ما هو سلّم حياتك المهنيّة وما كانت ركيزة هذا الدرج ؟ وكيف تنظر الآن من الدرجة التي وصلت إليها إلى الدرجات الأقلّ منها هل نظرة حنين ؟ نظرة فخر ؟ ،.. أنا خرّيج معهد التمثيل من الجامعة اللبنانية ، كانت ركيزة بداياتي وخلفيّتي المسرح مع كبار المخرجين وبعدها عملت بمسرح théatre de poche مسرح صغير لكن قريب للناس ، وبعدها عملت القليل من الأعمال التلفزيونية في لبنان لأننّي ذهبت للعمل في سوريا بأعمالٍ تاريخيّة وهذا أيضًا حمّلني مسؤولية أكبر أن أكون متمكّنا وملتزمًا لا وقت للهو واللعب ، هاتين الخطوتين عزّزو ثقتي بنفسي وأعتبرهم ركيزة قويّة ل سلّم مهنتي لذا أنظر للمسرح الآن نظرة حنين فهي تعيدني لأيّامٍ خالية من الإرتباطات كأنّك تطير ( على الرغم من أنّني أعتبر مرحلة سنّ العشرين إلى سنّ الأربعين هي مرحلة ضبابيّة لم تصل بعد للنضوج الكافي فأنا أعتبر مرحلة النضوج ما بعد الخمسين فتختلف النظرة للأشياء لا ننظر إليها كما كنّا ننظر لها سابقًا لكن سبحان الله لا بدّ أن نمرّ ونقطع بها ل نصل إلى ما وصلنا إليه ) ، لكن للأسف ما عاد المسرح كما كان في السابق وضعه غير سليم وغير صحّي . هل تقوم بجردة حسابات ومحاسبة الذات في حياتك المهنيّة والعاديّة بين وقتٍ وآخر ؟ طبعًا وبالتأكيد فهذه الجردة تعيد ترتيب الذات وتحسّنها ، فأحيانًا أقول كان بإمكاني أن أفعلها بشكلٍ أفضل خاصةً إذا أتيح لي الوقت الكافي والظروف المناسبة لتحقيقها ،حتّى أحيانًا الإعتذار عن بعض الأعمال بسبب الإرتباط بأعمال أخرى تضعك في خانة مراجعة الذات فتقولين ليتني وافقت على هذا العمل لكانت توسّعت الآفاق عندي وكنت أدّيتها بطريقة تليق بها لكن الإرتباط بالكلمة مع أعمال أخرى يقف عائقًا فالإلتزام بالكلمة من مبادئي يعني من الطبيعي أن نمرّ بمرحلة حساب الذات بين وقتٍ وآخر خاصةً أنّنا أبناء ظروفنا . لو أعطيناك الآن القلم الأحمر ما هي العلامة التي تضعها لنفسك ؟ أضع ل نفسي خمسة من عشرة فلو سألتيني لماذا سيكون ردّي بأنّه ما زال ينقصني الكثير من التعلّم كي أصل ولو أنّه لا أحد يصل ل رتبة الوصول الحقيقي فالطريق طويلة جدًّا مهما تعلّمنا نبقى تلاميذ . ما كان شعارك أو حكمتك ببداياتك وهل ما زلت متمسّك بهم حتّى الآن ؟ الجواب ١١ : نحن جيل الحرب لم نعش الحياة بمثاليتها فما كان عندي شعارات ولا حِكمة أعتمدها كما قلت لكِ في الأسئلة سابقًا لم يكن هناك نضوج في المرحلة الماضية كانت ضبابيّة كنّا نطير كالطائشين ونعيشها بعفويتها ونتركها للقدر دون تفكير معمّق . بعد هذه السيرة المشرّفة ما هي الخميرة التي استخلصتها من عجينة خبرتك ؟ على الصعيد المهني فحكمتي هي التواضع والإنسانيّة والصدق مع الذات والآخرين ، أمّا على صعيد الحياة بالعموم فهي أنّ الحياة عابرة رحلة سفر نقطع بها فهنيئًا لمن يقطعها بسلام دون مشاكل يعيشها بسعادة لا تستوقفه التفاصيل ولا يعطيها أهميّة كبيرة . هل ضغوطات الحياة تؤثّر على آدائك أم تفصل بينهما ؟ بالتأكيد فالممثّل عبارة عن كتلة أحاسيس فهو مرهف أكثر من الشخص العادي ، نعم بالتأكيد تؤثّر وهي بقمّة الصعوبة فأنا مررت بعدّة ظروف لكن الخبرة بالعمل تجعلك تسيطرين عليها هي موجودة بذاتك مختبئة بال auto -contrôle تتحكّمين بها ولا تجعلينها تظهر للعلن وللمشاهد لكن الممثّل يشعر بها . ماذا تخاطب الطبيعة عندما تكون بأحضانها وما هي طبيعة الحوار بينكما ؟ الطبيعة هي المتنفّس لي فالبحر والجبل هما الملاذ الآمن لذاتي أرمي تعبي فأفضفض لهما وأشكوه للأرض والتراب فتنسّيني مشاكلي أحبّ جدًّا علاقتي بها فنحن منها وإليها سنعود سبحان الله غريب هذا الإحساس يمنحك السلام الداخلي والطمأنينة . ما هو جديدك الذي ينتظره جمهورك ؟ إنتهيت منذ فترة من تصوير عمل تاريخي ضخم تمّ تصويره بتونس دار تحت إدارة عدسة المخرج الكبير المحترف الأسعد الوسلاتي ( غوما ) قيد العرض كان دوري فيه تاجر فرنسي دور جميل استمتعت به كثيرًا ، وانتهيت مؤخّرًا من تصوير عملين واحد تاريخي ليبي أيضًا تمّ التصوير بتونس ( السرايا الجزء الثاني ) من إخراج أسامة رزق المخرج المتمكّن صاحب العين الثاقبة المحترفة كان دوري شخصيّة الرئيس الأميركي توماس جيفرسون العمل يتكلّم عن الحقبة التاريخيّة التي كانت بين أميركا وطرابلس الغرب ( ليبيا حاليًا ) في عهد يوسف باشا القرمنلي ، شخصيّة جميلة جديدة في حياتي المهنيّة أعتبرها إضافة لي أحببت جدًّا التعامل والتعاون مع فريق العمل دون استثناء وكانت أوّل تجربة لي مع جهة منتجة ليبيّة ، العمل من إنتاج AMS ART MEDIA , سيتمّ عرضه بالمنتصف الأوّل من شهر رمضان عبارة عن ١٥ حلقة حصريًا على قناة Salam Network وعلى منصّة Toogly ، كانت تجربة جميلة جدًا وممتعة مع فريق عمل كامل متكامل من كافة النواحي ، أمّا العمل الثالث فهو عمل سوري مع المخرج الموهوب المجتهد المثابر رغم كلّ الظروف التي تعيشها سوريا أتمنّى له دوام التوفيق ، يزن أبو حمدة مسلسل عين الشمس ومن إنتاج art links production هو عبارة عن مسلسل بوليسي تشويقي من ٢٤ حلقة مقسومين ل جزءين كلّ جزء ١٢ حلقة سيتمّ عرضه على إحدى المنصّات . كلمة أخيرة توجهّها لجمهورك : السلام الخارجي والداخلي للجميع ولمجلّتكم الكريمة ، ورمضان كريم حاملًا معه كلّ الأماني والخير والحياة السعيدة والآمنة شكرًا لكم ول محبّتكم . تخشى البشر العواصف والطيور تختبئ بحثًا عن الأمان أمّا النسر فينتظرها ويستمتع بها فهي تساعده للتحليق أكثر بين السحاب وهذا ما جعل من النسر بيار داغر مميّزًا وإستثنائيًا فالتحليق به يليق ، كعين الشمس نجاحه لا يُحجب فقد بنى إمبراطوريّة خاصّة به لا تغيب عنها الشمس.
مشاركة :